من أكبر المشاكل الملموسة عند الشباب المسلم ألا وهي الدعاء أو بالأحرى استجابة الدعاء، فنجد عزوف فئةٍ كبيرةٍ منهم عن الدين بسبب هذه المشكلة، لأنهم يريدون من الدين أن يكون على أهوائهم أو أن تأتي مشيئة الأقدار على مزاجهم، فهم يريدون ان يُستجاب الدعاء في الوقت المطلوب أو غير المطلوب، ولا يُحسنون استيعاب أن الدعاء يتأخر لحكمة ما، وتزداد المشكلة عند طلب الرزق السريع، ومن كل ما سبق ينتج عندنا أن الدعاء مشكلةٌ عظيمةٌ تواجه الشباب العربي المسلم وعند معرفة حلِّ هذه المشكلة ستنقلب البوصلة للاتجاه الصحيح.

طرف الخيط في الحل -الدعاء مشكلةٌ عظيمةٌ تواجه الشباب المسلم

يقول ابن القيم الجوزية رحمه الله في كتاب الداء والدواء: وكذلك الدعاء، فإنه من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب، ولكن قد يتخلف عنه أثر إما لضعفه في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان، وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء، فيكون بمنزلة القوس الرخو جداً فإن السهم يخرج منه خروجاً ضعيفاً، وإما لحصول المانع من الإجابة من أكل الحرام، والظلم، ورين الذنوب على القلوب، واستيلاء الغفلة والسهو واللهو وغلبتها عليها.

دعاءٌ لا يحبه الله لما فيه من العدوان

لا يمكن أن يكون دعاء شبابنا من الدعاء الذي لا يحبه الله لما فيه من العدوان، لأن الدعاء بتحسين أوضاعهم المعيشية والزواج وزوال الهموم والقلق والتوتر وغيرها من المشاكل التي تواجه الشباب المسلم بعيدة كلَّ البعد عن العدوان في الدعاء، فلا يمكن أن يكون هذا السبب مانعاً في عدم استجابة الدعاء.

ضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته وقت الدعاء

لا يُعتقد أن هذه المشكلة تحول بين الشباب واستجابة الدعاء، لأنهم بالتأكيد مسلمون ومؤمنون وبذلوا كلَّ جهدٍ في الإيمان والإسلام والفروض والسنن وقراءة القرآن مطلع حياتهم – لا أقول الكل، بل فئةٌ كبيرةٌ منهم – ومع انهم يملكون كلَّ هذه الصفات الحميدة إلا أنهم لا يلتمسون إجابة لدعائهم ولو بنسبةٍ قليلةٍ، فرغم وجود إيمانهم ويقينهم بأن الله عز وجل سيستجيب دعائهم ويبذلون أسباب الايمان واليقين ولكن لا يصلون لمرادهم في نهاية المطاف.

أكل الحرام والظلم

كيف للشاب المسلم ذاته أو لفئةٍ كبيرةٍ من الشباب أن تأكل الحرام! وهي لا تجد ما تعين به نفسها بالأصل من الحلال، أو أن يقع منهم ظلمٌ وهم بالأصل يعيشون دور المظلوم من الولادة إلى الوفاة، مجردون من كافة حقوقهم الإنسانية والشخصية ويعيشون حالةً من الضياع والتشتت، فالأغلب أن هذا المانع لا يتحقق عند فئةٍ كبيرةٍ منهم.

رين الذنوب على القلوب واستيلاء الغفلة والسهو واللهو وغلبتها عليها

إن تأملنا حال الشباب العربي فنجد أن لديه الإيمان واليقين بالله عزَّ وجلَّ، ولكن سنجده متجهاً توجهاً خطيراً نحو الذنوب والغفلة والسهو واللهو، ولعمري إنه من أعظم الموانع التي تحول بينهم وبين الإجابة، فلا بدَّ لفئة الشباب أن تزيد رصيدها من بعد الإيمان واليقين بالابتعاد عن كافة الذنوب أصغرها وأكبرها، بدءاً من النظر المحرَّم، مروراً بملء أو تقنين أوقات الفراغ، وصولاً إلى ارتكاب الكبائر وهذه من المتفشيات في شبابنا هدانا وهداهم الله، فتكمن النصيحة هنا إن أردت أيها الشاب المسلم أن تجد إجابة للدعاء فلتبتعد عن الذنوب والمعاصي صغيرها وكبيرها، وستجد الفرق في إجابة الدعاء تحقيقاً لا تعليقاً.

أمورٌ يجب أخذها بعين الاعتبار

بعد تحقيق الشروط السابقة يجب على الشاب المريد للإجابة ان يعيَ عدة أمور:

  • الدعاء يستجاب في الوقت المطلوب: لا بد للداعي إلى الله أن يعلم أن سنة الله لا تحابي أحداً، وأن الله يعلم ما هو الأفضل للعبد، ولكن إن وقع بلاءٌ ما أو مصيبةٌ ما للعبد واجتهد – حرفياً وبكلِّ ما تعنيه كلمة اجتهد من معنى – بكلِّ الأسباب الإيمانية والدنيوية لحلها أو رفعها ولم يلقى الإجابة المرجوَّة، فليعلم أن وقت رفعها لم يحن بعد، وأن الوقت الملائم قادمٌ لا محالة، فليصبر وليتجلَّد وليترك الأمر لله وليسع إلى التعامل معها كأمرٍ واقعٍ سيمضي معه إلى ان يشاء الله.
  • الدعاء يتأخر لحكمةٍ عند الله عزَّ وجلَّ: ليجلب المهموم الآن محبرته وريشته وليسجل ذكرياته من ماضيه التي تحولت من الرخاء إلى البلاء أو بالعكس، وليستنتج، أوجدَ في هذا التحول خيراً أم شراً؟ وليناقشها من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وشماله، بين الهِباتِ والمأخوذات، بين الصحيح والمغلوط، وليقلبها من كلِّ جانبٍ، ولا يُجزمُ هنا إلا وجود الخير في كافة التحولات، ما عدا إن كانت المصيبة في دينه، فهذا أمرٌ آخرٌ، ولا يُعتقد أن أحداً الآن في عمر الشباب / عشرين فما فوق / إلا عصفت به ابتلاءاتٌ وتلاها انفراجاتٌ أو العكس.
  • الرزق السريع الدائم: من الأمور التي يجب التسليم بها ألا وهي الرزق السريع الدائم . لطاما لامسنا مصطلحَ الرزق السريع من دون إلحاق كلمة الدائم بها، فمن يبحث في أمر الأرزاق سيجد أن الرزق السريع موجودٌ عند الكثير ممن يسكن هذا الكوكب، ولكنَّه غير دائمٍ، لأن الرزق الدائم يجب ان تُبذلَ له أسبابٌ خاصةٌ مغايرةٌ للرزق السريع المتعارف عليه، والديمومة تكمن من كونه شرعياً بالتأكيد، فيجب على الشاب الساعي للرزق ان يدرك ان الرزق متراتبٌ ويُسعى له سعياً، والسعي هنا يأتي من الإبطاء وحتى يحقق أمر الديمومة لا بد من خوض السعي المتتالي المتراتب من أجل تثبيت الأساسات لكي يُبنى عليها، فكم من رزقٍ أتى من دون أساساتٍ وركائز وعندما ذهب ذهب ادراج الرياح، ولم يدري الكاسب كيفية إعادة تحصيل هذا الرزق السريع، فليسع الساعي للزرق الدائم وإن قلَّ، وليترك الرزق السريع وإن كَثر.
  • الاستمرارية: يجد أي فردٍ ناجحٍ نفسه مطالباً بالاستمرارية في كافة جوانب الحياة {عمل – زواج – رزق – … إلخ}، فكيف بالأمور الدينية التي طالما اقترنت وجودياً بوجود الصبر، والصبر هنا أساس الاستمرارية وخصوصاً الدعاء ولو وجد الشاب نفسه قد وصل للخمسين والستين والسبعين من عمره ومازال يدعو لأمرٍ ما من عمر العشرين سنة مثلاً، فهذا والله من عظيم اليقين بالله عزَّ وجلَّ، وإن كان يؤمن بالآخرة إيماناً يقينياً فسيجدها حسناتٍ قد جمعت له، وأي فرحٍ سيصيب الشاب في ذلك الوقت إن وجد دعائه قد صار إلى حسناتٍ يعين بها نفسه على دخول الجنة، وهذا ليس من العجز بل هذا من علوِّ الهمة.

كذبة الكماليات في السوشيال ميديا

انتشر في الآونة الأخيرة أناسٌ يُظهرون الجوانب المشرقة والمريحة من حياتهم اليومية على وسائل التواصل الاجتماعي، فيظهرون من دون هموم ولا مشاكل حياتيةٍ دنيويةٍ عليها طابعٌ من رغد العيش والترف والبذخ، ويجب على من وَجب عليه الأمر كشف التلبيس الحاصل على الشباب المسلم في هذا الباب، فيبدو للناظر والمتأمل في حال الشباب رغبتهم في تقليد هذا النوع من الآفات، وإن لم يستطيعوا فعل ذلك باتوا يشعرون بالنقص والتهميش، وقد تصل عند البعض إلى حالات الاكتئاب والسخط والتذمر والتشاؤم، وليعلم الشاب أن لكل إنسان مسارٌ يسلكه في هذه الدنيا، وليحدد مساره الخاص به، وليس من الضروري تشابه أنماط الحياة بين البشر، بل وجب التفاوت لتحصل سنة التدافع، وبعيداً عن كلِّ ما سبق إن كان الرزق سيأتي للعبد المؤمن من فيديوهات السوشيال ميديا ذات الطابع الدياثي والخادش للمروءة، فلا داعي لهذا الرزق أبداً، والفقر أشرف وأنبل وأعز عند الله من هذا الكسب التافه والحقير، وشتان بين رزقٍ قليلٍ حلالٍ بعزةٍ وكرامةٍ، وبين رزقٍ كثيرٍ كرماد النار يذهب إدراج الرياح مع أول نسمة هواء.

 وفليرنا مدعي الكماليات والعيش الرغيد أنفسهم بعد حين من الزمن.

ماذا يفعل الشاب بعد كل ما سبق؟

وضع ابن القيم الجوزية رحمه الله الحل في كتاب الداء والدواء ولعله من أعظم الكتب التي ينبغي لكل شاب مسلم أن يفهمه حتى يعرف ما له وما عليه، ففيه دواء للداء الذي تكلمنا عليه سابقا: وإذا جمع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب، وصادف وقتا من أوقات الإجابة الستة وهي: الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والاقامة، وأدبار الصلوات المكتوبات، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة، وآخر ساعةٍ بعد العصر من ذلك اليوم، وصادف خشوعاً في القلب، وانكساراً بين يدي الرب، وذُلاً له، وتضرعاً ورقةً، واستقبل الداعي القبلة، وكان على طهارةٍ، ورفع يديه إلى الله تعالى، وبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم ثنى بالصلاة على محمدٍ عبدهُ ورسولهُ، ثم قدم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار، ثم دخل على الله، وألح عليه في المسألة، وتملقه، ودعاه رغبةً ورهبةً وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده، وقدم بين يدي دعائه صدقةً، فإن هذا الدعاء لا يكاد يرد أبداً، ولا سيما إن صادف الأدعية التي أخبر النبي أنها مظنَّة الإجابة، أو أنها متضمنة للاسم الأعظم.