ظاهرة مؤسفة ومحزنة تتكرر في الكثير من مساجد المسلمين، وتنم عن جهل وكبر، يُطرد فيها الأطفال من المساجد، ويبغضهم البعض فيها، ويدفعهم لاعتزالها، في الوقت الذي ينتشر فيه الإلحاد بين شباب المسلمين، ويبتعد فيه الناس عن الدين، وتكثر فيه المشكلات الأخلاقية.

لماذا يطرد الأطفال من المساجد؟!

التشويش على المصلين هو السبب الرئيس الذي يُطرد الأطفال لأجله من المساجد، وطبيعة ذلك التشويش تختلف باختلاف طبيعة المصلين ومزاجهم العام وموقفهم من الأطفال الصغار، وهناك قصة طريفة فيها عبرة، فقد رأى قيس بن الملوح كلب ليلى فأسرع خلفه حتى يدله على مكان محبوبته، فمر في طريقه بقوم يصلون ولما رجع مر بهم فسألوه:”قد مررت بنا ونحن نصلي فلم لم تصل معنا؟ قال: والله ما رأيتكم، ووالله لو كنتم تحبون الله كما أحب ليلى لما رأيتموني، كنتم بين يدي الله ورأيتموني، وأنا بين يدي كلبها ولم أراكم!”.

وأذكر أنه في درس من دورة للشيخ علي السالوس رحمه الله رحمة واسعة، دعا المسؤول عن الدورة، وهو شيخ وداعية إسلامي على إحدى الأمهات التي أحضرت ابنها معها للدرس بالويل والثبور؛ لأن طفلها بكى أثناء الدرس، وقد عوتب بعدها عتابًا شديدًا من الأخوات، واضطر للاعتذار في اليوم التالي.

والرسول هو قدوتنا في الرفق واللين في التعليم والتوجيه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال:”دخلَ أعرابيٌّ المسجدَ، والنَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ جالسٌ، فصلَّى فلمَّا فرغَ قالَ اللَّهمَّ ارحمني ومحمَّدًا ولا ترحمْ معنا أحدًا فالتفتَ إليهِ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ لقد تحجَّرتَ واسعًا فلم يلبثْ أن بالَ في المسجدِ فأسرعَ إليهِ النَّاسُ فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أهريقوا عليهِ سَجْلًا من ماءٍ أو دلوًا من ماءٍ ثمَّ قالَ إنَّما بُعثتُم ميسِّرينَ ولم تبعثوا معسِّرينَ”. (صحيح الترمذي: 147)

ويجب علينا أن ندرك خطورة إبعاد الأطفال عن المسجد، فالطفل الذي تطرده من المسجد اليوم، لن يعود إليه مرة أخرى وسترجوه لكي يذهب للمسجد مجددًا، وقد أحسن أحدهم عندما قال:”إذا لم نسمع صوت الأطفال في المسجد، فعلينا أن نقلق على الجيل القادم”.
ويعجبني كثيرًا تصرف الدكتور مصطفى أبو سعد في محاضراته عندما يصدر صوت أي طفل في القاعة، فيفرح بذلك ويقول للمنظمين دعوهم ولا تخرجوهم، فالمكان الذي لا يوجد فيه أطفال لا توجد فيه حياة.


دور الوالدين والمربين

الطفل يخطئ ويتعلم ويعجبني قولهم في ذلك “علموهم ولا تطردوهم”، فالأطفال بحاجة إلى التعليم والصبر على ذلك.

ومن فتاوى الشبكة الإسلامية حول الموضوع “اصطحاب الأطفال إلى المساجد جائز في الأصل، وقد دلت على ذلك جملة من النصوص، كصلاته وهو حامل أمامة بنت بنته، وتخفيفه الصلاة لسماع بكاء الصبي، لئلا يشق على أمه، ونظائر ذلك. وعليه، فإن أمكن الجمع بين المصالح بتعليم المميزين من هؤلاء الأطفال آداب المسجد وأن يكون غير المميزين منهم بجانب آبائهم تفاديا لإحداث الصخب والضجيج فهو حسن، وإن لم يمكن ذلك فناصحوا أولياء هؤلاء الأطفال بلين ورفق وبينوا لهم حكم الشرع”.

ومن فتاوى موقع طريق الإسلام “ويحتج بعض الناس على طرد الأطفال من المساجد بما روي في الحديث أنه قال:”جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم”، فهذا الحديث ضعيف عند العلماء ولا يصح الاستدلال به”.

والمطلوب من الوالدين هو إرشاد توجيه الأطفال الصغار قبل اصطحابهم للمسجد وتعليمهم آداب المسجد، ومنها دعاء الدخول والخروج من المسجد، وعدم الكلام أو رفع الصوت، والهدوء والسكينة، وأن يحرص الوالد على أن يقف الطفل بجانبه في الصف، وينبغي عدم اصطحاب الأطفال الذين تصعب السيطرة عليهم للمسجد، حتى لا يؤذوا المصلين.

تشجيع الأطفال على ارتياد المساجد

المساجد بيئة تربوية وإيمانية، ولذلك ينبغي أن نشجع الأطفال على ارتيادها والتعلق بها، ومن مظاهر التشجيع المعنوي لهم الاحتفاء بهم، والبشاشة في وجوههم، والسلام عليهم داخل المسجد، والدعاء لهم بأن يبارك الله فيهم.
ومن وسائل التشجيع المادي للأطفال إعطاؤهم بعض الحلوى أو الهدايا البسيطة، ومن العادات الجميلة في تركيا تقديم دراجة هوائية كهدية لمن يحافظون على الصلاة في المسجد، وتخصيص أماكن في آخر المسجد للأطفال.

والهدف الذي ينبغي أن نحرص عليه جميعًا هو ربط الأطفال بالمساجد، فهي ليست دور عبادة فقط، ولكنها محضان تربوية وتعليمية وتثقيفية وتوعوية، تربط المسلم بربه وتربطه بحضارته، وتؤهله لكي يكون عضوًا صالحًا ومصلحًا في المجتمع.