لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه ، هذا قانون كوني لا تتجلى تطبيقاته في عوالم الحركة فقط ، ولكنه يعد واحدا من أهم أليات الحراك الإنساني الثقافي والاجتماعي ، ” فانتشار أليات السوق وثقافة الاستهلاك التي قرصت بطون الناس وعقولهم قرصا شديدا كما يقول عالم الاجتماع أحمد أبو زيد أدى إلى بروز ما يسمى بأيديولوجيات الحماية، أي لجوء الناس إلى ثقافتهم القديمة لحماية أنفسهم من غول الحداثة الذي يلتهم عقولهم وثقافتهم ، وثقافة الاستهلاك التي تغتال عقائدهم، “فصار الدين ملاذا للاحتماء والمقاومة من وطأة الحداثة في صورتها المتأخرة ” وهذا يستوجب مسايرة الخطاب الديني لهذا الواقع حتى بتمكن من معالجة الواقع بأسلوب صحيح ، يعيد المسلمين إلى حوذة الدين ، وسلطان العقيدة الصحيحة ، بدلا من أن يجرفهم سيل الداثة إلى هلاك محتوم.
لابد من مرفأ يبحر منه قارئ النص فضلا عن ناقد الخطاب الديني المعاصر يتمثل في استراتيجية ثلاثية الأبعاد،
أ- استراتيجية تفكيك النص:
ويمكن إيجازها في ست خطوات:
1- رفض المعنى الظاهر للنص.
2- وجود عالم مفتوح من المعاني والعلاقات ،أو افتراض وجود عالم مفتوح من المعاني والعلاقات.
3- رفض التفسيرات الثقافية والفكرية الشائعة حول النص والتي تتحيز لمعنى دون آخر.
4- عدم التقيد بأية مسلمات أو مقدمات أو أطر تفسيرية مثالية تخضع النص من أعلى وتجره إلى قولب ثابتة.
5- تحرر قارئ النص من سلطة الإطار أو خرافته.
6- يغوص القارئ في أعماق النص باحثا عن المعاني والدلالات، بل والتناقضات أحيانا.
ب- استراتيجية نقد النص:
ويمكن إيجازها في خمس خطوات:
1- المبدع الذي ينتج النص جزء من نسيج اجتماعي، فهو يدخل إلى اللغة وهو محمل باستعدادات مختلفة.
2- يحمل المبدع في ذاكرته تاريخا ذا دلالات سياسية وأيديولوجية مختلفة.
3- نتيجة ذلك فإن اللغة التي يستخدمها مادية تعكس أطرا أيديولوجية.
4- اللغة لا تكشف عن نفسها إلا من خلال تمثيلها لأنساق من العبارات التي لها مدلولات لغوية محددة.
5- النقد لايمتد إلى النص فقط، بل يمتد إلى كل المكونات المرتبطة ببنية النص، كاللغة المستخدمة ، وكاتب النص كمثقف أو كاتب أو منتج للثقافة والنص معا، والبناء الاجتماعي والثقافي الذي تشكل النص من خلاله.
ج- استراتيجية التأويل:
1- تحليل الخطاب هو تأويل للنص يحتمل الصواب والخطا.
2- الناقد ليس أمام مادة صلبة يمكن الحديث عنها من خلال معايير الثبات والصدق.
3- التأويل ميل ذاتي يحاول فيه الناقد أن يطل من خلال أفقه التاويلي على النصوص ليكشف الآفاق المعرفية التي تضمرها النصوص.
4- وعلى ذلك يكون الالتقاء بين النص والمحلل هو التقاء ذاتي تنصهر فيه الآفاق ( أفق الناقد وأفق النص الذي يحلله).
5- التأويل هو فن الفهم كما يقول (بول ريكر).
6- أي أن التاويل هو محاولة فهم المعاني المضمرة في النصوص.
7- المعاني المضمرة في النص لايمكن اكتشافها إلا من خلال فهم السياق الذي تم فيه تلقي النص وتداوله واستهلاكه.
8- السياق يدلنا على المرجعية التي يتولد النص من خلالها.
9- الخطاب والنصوص هي صوت الحقل الأيديولوجي والفكري والمعرفي فنحن إزاء سياق وإطار أوسع تشكل النص من خلاله.
10- السياق بالمعنى الثاني هو الشروط التي يتم فيها تلقي النص.
11- وبين السياق بالمعنى الأول (شروط إنتاج النص) والسياق بالمعنى الثاني (شروط تلقي النص) لايجوز إغفال سلطة النص ذاته المتمثلة في أسلوب صياغة النص والرسالة التي يضمرها.
12- يجب أن نعلم بأن معايير الثبات والصدق في تحليل الخطاب معايير ذاتية وليست موضوعية ، وأنها تعتمد على قوة الحجة ، وصدق البصيرة ، ونقاء الهدف، وعندما تكون البصيرة صادقة لاتميل إلى الباطل ولاتحيد عن الحق ، وعندما تكون الحجة قوية ومنطقية ومتسقة مع ذاتها يكون تحليل الخطاب صادقا.