مكانة المرأة في المجتمع ودورها في الحياة وهويتها مناقشة حارة في كل عصر عبره الإنسان، وموقع الإسلام في كل هذه المناقشات هو موقع المدّعَى عليه، أعداء الإسلام والمسلمين يدّعون أن المرأة في الإسلام رقيقة تحت أغلال بناها سلطة الرجال، وليس لها هوية مستقلة حتى تنصرف كيف تشاء، ولا مساواة بين المرأة والرجل حتى تجد بها حلاوة الحقوق الإنسانية، ويستدلون ببعض الأحاديث النبوية حتى يبرروا بها أقاويلهم واتهاماتهم الباطلة التي لا أساس لها ويؤولونها تأويل الجاهلين، وفي هذه المقالة أريد أن أعالج واحدا من هذه الأحاديث المتّهَمة وكشف حقائقها.

والحديث الذي رواه أبو هريرة، مَن كان يؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فلا يُؤذي جارَه، واستَوْصوا بالنِّساءِ خَيرًا، فإنَّهنَّ خُلِقنَ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعوَجَ شيءٍ في الضِّلَعِ أعلاه، فإن ذهَبتَ تُقيمُه كسَرْتَه، وإنْ ترَكتَه لم يزَلْ أعوَجَ، فاستَوصوا بالنِّساءِ خَيرًا[1]، بعض الناس يسيء في فهم هذا الحديث عمدا ويخطئ في الأخذ بمحوره ومراده الصحيح. ومن اليسير أن يفهم، أن موضوع هذا الحديث هو خَلق النساء وذاتهن وخُلقهن، يقول من يريد الإيهام بهذا الحديث، كان خلق المرأة من الاعوجاج، ولذا يكون خُلقها معوجا غير مستقيم، والحيلة والفساد والمراوغة من خصوصياتها الأصلية.

قبل أن ندخل إلى تحليل الحديث وتفصيله، لا بد لنا أن نلتفت إلى بعض الآيات القرآنية التي عالجت مسألة خلق الإنسان وبينت حقائقها، فمعرفة هذه الآيات سوف تفيدنا في فهم الحديث المذكور وتحليله، يقول الله تعالى في القرآن الكريم عن خلق الإنسان: ( لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ فِیۤ أَحۡسَنِ تَقۡوِیمࣲ)[2]، وقوله تعالى في موضع آخر:( ٱلَّذِی خَلَقَكَ فَسَوَّىٰكَ فَعَدَلَكَ)[3]، ومعناه أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان كله في أحسن تقويم من غير التمييز بالرجولة والأنثوية. والمراد بأحسن تقويم هو الهيكل المناسب لكلي الرجل والامرأة الذي يساعد على تأدية مسؤولياتهما في الحياة الدنيوية.

يبدأ هذا الحديث بأمر نبوي يـأمر فيه الإحسان إلى النساء وحسن المعاملات معهن، ومن المسلّم لدى الجميع الأمر بالإحسان إلى فلان إقرار له وإكرام، ويضيف إلى هذا أن حاجة هذا الإحسان هي خَلقهن من ضلع معوج، ولكن ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئا عن حقيقة الضلع والاعوجاج، مع هذا عندما نقرأ هذا الحديث في ضوء الآيات القرآنية، نفهم عن هذا الضلع والاعوجاج ما أريد به الحقيقة، بل معناه شخصية المرأة وخُلقها فقط. لأننا نرى في القرآن كثيرا من الاستعمالات مثل هذا، فمثلا يقول الله تعالى في سورة الأنبياء: (خُلِقَ ٱلۡإِنسَـٰنُ مِنۡ عَجَلࣲۚ سَأُو۟رِیكُمۡ ءَایَـٰتِی فَلَا تَسۡتَعۡجِلُونِ)[4]، قال الإمام الآلوسي في تفسير هذه الآية: “خُلِقَ العَجَلُ مِنَ الإنْسانِ عَلى مَعْنى أنَّهُ جُعِلَ مِن طَبائِعِهِ وأخْلاقِهِ لِلُزُومِهِ لَهُ، وبِذَلِكَ قَرَأ عَبْدُ اللَّهِ وهو قَلْبٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وقَدْ شاعَ في كَلامِهِمْ مِثْلُ ذَلِكَ عِنْدَ إرادَةِ المُبالَغَةِ فَيَقُولُونَ لِمَن لازَمَ اللَّعِبَ أنْتَ مِن لَعِبٍ”[5]. فمثل هذه الآيات القرآنية وخصائص كلام العرب توضح أمامنا، ’ الخلق من الضلع المعوج’ استعملت في نفس المعنى، أي في معنى المجاز.

والقول بأن حواء خلقت من ضلع آدم خلاف لما جاء في القرآن الكريم والعقل السليم، لأن القرآن يثبت بأن حواء خلقت من آدم فقط، وهذا القول من القرآن أيضا ليس بصريح، بل إنما هو تفسير لما جاء في القرآن عن خَلق الإنسان. فإذًا كيف نؤكد أن حواء خلقت من ضلع آدم؟ ونرى العلماء مثل الشيخ الألباني وغيره يبدي رأيهم بضعف الأحاديث التي ذكر فيها خلق حواء من آدم. ولهذه الأسباب المذكورة يتبيَّن أمامنا أن هذا القول قول مجاز ما أرِيد به الحقيقة.

ومن الجدير أن يذكر في هذه المناقشة حقيقة شخصية المرأة المعوجة، يقول الأستاذ الإمام الشعراوي شارحا لهذا القول، اعوجاج المرأة وهي شخصيتها التي تغلب فيها العاطفية والرقة، كما يذكر في الأحاديث الأخرى، فأخلاقهن السيئة مثل كثرة اللعن وكفران العشير كلها تصدر من هذه العاطفية والرقة، فعلى الرجال أن يراعوا هذه الأخلاق والعاطفيات الطبيعية حق رعايتها، وأن يعاملوا معها حسب مقتضيات الحالات. يمكن أن يكره الرجل بعض أعمالها ومعاملاتها، ولكن عليه ألا يغضب عليها ولا يكرهها بسببها، ولكن الاستيصاء هو المأمور في مثل هذه الحالات، ومن الحقائق التجريبية، أن هذه الطبيعة هي أكبر نعمة من عند الله تعالى بالنسبة إلى مسؤولياتهن في الدنيا، لأن هذه الطبيعة تهب لها قوة غير مبينة في أعمالها الخاصة مثل الحمل، والرضاعة، وتربية الأولاد. وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم الرجال ألا يرجوا كون النساء مثلهم، لأنه هو خلاف للطبيعة العادية، وإذا أصر الرجل على أن يكون امرأته مثله، فيكون في علاقتهما الانفلاق والانقسام.

وإلى هذا يشير قوله صلى الله عليه وسلم: “فإن ذهبت تقيمه كسرته”. ومن الجدير ذكره، الاعوجاج نفسه ليس بأمر قبيح أصليا، بل يختلف حسب اختلاف بما يوصف به، فمثلا تأمل عن الصنارة التي يعلق عليها المصباح، لا نستطيع أن يعلق المصباح في الصنارة إلا إذا كانت معوجة، أي بالنسبة إلى الصنارة عوجها من خصائصها الازمة الحميدة في تأدية عملها، مثل هذا اعوجاج المرأة (طبيعتها التي تغلب فيها العاطفية والرقة) من محاسنها ومن لوازم خصائصها في تأدية مسؤوليتها.  وخلاصة القول، أن اعوجاج المرأة ليس بقبح ولا عيب، بل هو زينة لها.


[1] البخاري (٢٥٦ هـ)، صحيح البخاري ٥١٨٥ • صحيح • أخرجه البخاري (٥١٨٥، ٥١٨٦) واللفظ له، ومسلم (٤٧، ١٤٦٨).

[2] سورة التين: رقم الآية:7

[3] سورة الانفطار: رقم الآية:7

[4] سورة الأنبياء: رقم الآية: 37

[5]الآلوسي (١٢٧٠ هـ)، روح المعاني الآلوسي (١٢٧٠ هـ)