جميل أن يتعلم صغارنا القرآن الكريم، جميل أن تكون هممهم أكبر من أجسادهم الصغيرة، لكن الأجمل أن نطبق سنة النبي ﷺ في تعليم الذكران والبنات. تنتشر المدارس القرآنية في العالم الإسلامي وتحرص على إخراج جيل متمكن في تجويد القرآن وحفظه غيبا. لكن ما لاحظته منذ بداية تدريسي لأمهات مسجد “أبا أيوب الأنصاري” أحكام التجويد بالجزائر العاصمة، لاحظت أن المساجد عندنا تهمل الجانب النسوي في التدرس، حيث يقصرون في اختيار المعلمات المتمكنات، وتخصيص الوقت والامكانيات اللازمة لحسن سير الدرس، حتى من ناحية التكريم ليس لهن الحظ الموازي لحظ الذكور.
تنتشر على الساحة العلمية فتاوى تقيد مشروعية المرأة في التعليم والتعلم، باعتبار صوتها عورة على الإطلاق، وبتعميم حكم تحريم خروج المرأة إلى العمل، وعليه تنقص فرصة تعلم الفتيات القرآن الكريم. الحقيقة أن صوت المرأة ليس عورة مطلقا على قول الإمام ابن باز –رحمه الله – لكنه جعل له قيودا بقوله: “ولكن العورة من ذلك ما كان عن تغنجٍ، وعن خضوعٍ، هذا هو الذي يُمنع، هكذا قال جلَّ وعلا: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} (الأحزاب:32)”. وقد استدل الإمام ابن عثيمين –رحمه الله – بالنساء اللاتي كن يأتين إلي النبي ﷺ يخاطبنه بحضور الرجال ولا ينهاهن، ولا يأمر الرجال بالقيام ولو كان الصوت عورة لكان سماعه منكراً ووجب أحد الأمرين، لأن النبي ﷺ لا يقر منكر.
أفتى الشيخ الجزائري محمد فركوس بجواز خروج المرأة إلى العمل لحاجة الغير إليها، كأن تكون صاحبة رصيد علمي يمكنها من إيصاله إلى الأخوات اللواتي يجهلنه، فيجوز لها الاجتماع بهن بالمسجد. ولا يجوز لزوجها منعها من ذلك لقوله ﷺ (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)، فلا يجوز للرجل أن يمنعَها من أداء مهمَّتها الدينية التي أُوكلت إليها بعد غياب العنصر الرجالي الذي يقوم بهذه المهمَّة. وقد قيد الشيخ ابن باز ذلك بالتزامها اللباس الشرعي والتدريس بمكان خاص بهن لا يدخله الرجال، بل وأجاز أن يستمع الرجال عن طريق مكبرات الصوت إلى درسها وقال: “وإن كان صوتها قد يسبب فتنة”.
ولنا إسوة حسنة ببنات الشيخ الألباني –رحمه الله- “حسانة” و “سكينة”، اللتين تركتا لنا مؤلفا عظيما في كيفية تنظيم المعلمة لحلقة تحفيظ القرآن، جاء المؤلف في 3 مجلدات بعنوان “الدليل إلى تعليم كتاب الله الجليل” ، أفصح الكتاب عن خبرتهما الكبيرة في مجال التعليم، واشتمل على مواضيع متعددة تصب في بحر تعليم كتاب الله تعالى وهي من منثور المسائل التي تهم معلمة القرآن الكريم.
على العالم الإسلامي أن يجتهد في تشجيع المرأة على تعليم أخواتها العلم الشرعي، ويحرص على تعليم البنات القرآن من صغرهن، ذلك أن المرأة مهمتها الأسمى تربية الأجيال وعليها أن تكتسب رصيدا علميا محترما، فضلا على أن القرآن للرجال والنساء على سواء، فلا يجوز تهميشهن.