الزواج هو من أعظم العلاقات التي أكد عليها الإسلام ورغَّب فيها وجعلها سنة المرسلين، وقد شرعه الله سبحانه وتعالى لبقاء النسل، ولاستمرار الخلافة في الأرض كما قال الله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة} [البقرة:30] ، والخليفة هنا المقصود به (الإنس) الذين يخلف بعضهم بعضا في عمارة هذه الأرض وسكناها بدليل قوله تعالى بعد ذلك: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك}[البقرة:30]
ويعتبر تيسير الزواج فريضة شرعية وحاجة إنسانية, وتجب إزالة كافة المعوقات والمشكلات التي قد تقف في طريقه، حتى يقبل الشباب عليه عبادةً وطاعةً حفظاً لأعراضهم وصوناً لفروجهم وإستجابة لوصية نبيهم ، وكذلك لما يترتب على النكاح من المصالح العظيمة ، كتكثير الأمة ، وتحقيق مباهاة النبي ﷺ لغيره من الأنبياء ، وتحصين الرجل والمرأة من الوقوع في المحرم وغير ذلك من المصالح العظيمة .
لكن هناك بعض الأولياء وضعوا العقبات أمام الزواج ، وصاروا حائلا دون حصوله في كثير من الحالات، وذلك بالمغالاة في المهر مما يعجز عنه الشاب الراغب في الزواج حتى صار من الأمور الشاقة جدًا لدى كثير من الراغبين في الزواج .
والمهر حق مفروض للمرأة ، فرضته الشريعة الإسلامية ، ليكون تعبيرًا عن رغبة الرجل فيها ، قال الله تعالى : } وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } [النساء:4] ،ومع ذلك فقد رَغَّب الشرع في تخفيف المهر، وحث على تيسير الزواج وعدم المغالاة في المهر، فقد قال سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } – النور:32- وقد قال النبي “خير النكاح أيسره” . – رواه ابن حبان- ،وقال : »خير الصداق أيسره [رواه الحاكم والبيهقى]، وقال النبي لرجل أراد الزواج “: التمس ولو خاتما من حديد ” – متفق عليه- .
وقد ضرب النبي لأمته المثل الأعلى في ذلك ، حتى ترسخ في المجتمع النظرة الصادقة لحقائق الأمور ، وتشيع بين الناس روح السهولة واليسر .
فقد روى أبو داود والنسائي – واللفظ له – عن ابن عباس أن عليا قال» : تزوجت فاطمة رضي الله عنها ، فقلت : يا رسول الله ، ابن بي – وهو الدخول بالزوجة – . قال : أعطها شيئا . قلت : ما عندي من شيء . قال : فأين درعك الحطمية ؟ قلت : هي عندي . قال : فأعطها إياه « فهذا كان مهر فاطمة بنت رسول الله سيدة نساء أهل الجنة.
وروى ابن ماجه أن عمر بن الخطاب قال : “لا تغالوا صداق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم وأحقكم بها محمد ما أصدق امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية وإن الرجل ليثقل صدقة امرأته حتى يكون لها عداوة في نفسه ويقول قد كلفت إليك علق القربة”.
وقد أصبحت كثرة المهور والمغالاة فيها عائقا قويا للكثير من المُقبلين على الزواج، ولا يخفى ما ينجم عن ذلك من المفاسد الكثيرة، وتفشي المنكرات بين الرجال والنساء، والشريعة المطهرة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، ولو لم يكن في السعي في تقليل المهور إلا سد الذرائع المسببة لفعل المحرمات لكفى.
وفى إحصائية لعدد من وصلوا إلى سن الخامسة والثلاثين دون زواج وجدت أنهم تعدوا ثلاثة عشر مليونًا من الأشخاص فى الوطن العربى، وفى مصر وحدها وصل العدد إلى تسعة ملايين شخصا، منهم ما يزيد على ثلاثة ملايين امرأة، وستة ملايين رجل
وأصبح لعدم تيسير الزواج عواقب خطيرة على المجتمع مثل انتشار الفاحشة وجريمة الزنا ، وكثرة أولاد مجهولي الهويات، وانتشار الآمراض المهلكة ، وكثرة القتل نتيجة الخوف من الفضيحة ، وكثرة الانتحار .
وإذا ما رجعنا إلى ديننا الحنيف ، وشريعتنا السمحاء وتجنبنا العادات والتقاليد والأعراف الشائعة التى ليس لها دليل من الكتاب والسنة لوجدنا كيف تصرف الشرع الحكيم بقضية المغالاة في المهور، دعا الإسلام إلى اليُسر ورفع الحرج والمشقة فى كل شئ ، فقد قال الله تبارك وتعالى : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج } الحج: 78 ، وقال رسول الله : “يسروا ولا تعسرا وبشروا ولا تنفروا وتطاوعا ولا تختلفا ” – رواه البخارى – وإن مهر الزواج يجب أن ينال قدرا جيدا من هذا الأمر العام، خصوصا إذا راعينا المفاسد المذكورة المترتبة على ارتفاع المهور، ويلزم عباد الله أن يكونوا من الميسرين ولا يكونوا من المعسرين.
ومن هنا يجب على رجال الأعمال كذلك ، ودعاة البر والعمل الاجتماعى ، وأهل الصلاح والخير من الموسرين تقديم العون المالى والمعنوى للشباب المقدم على الزواج كلٌ حسب قدراته ، فهذا من الواجبات الدينية ، فقد قال الله تبارك وتعالى :{ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } المائدة: 2 ، ولقد حث الرسول على ذلك فقال : “مَثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ” – متفق عليه- ، فاستبقوا أيها الأغنياء الصالحون فى عمل الخيرات ومدوا يد العون للشباب من زكاة أموالكم وصدقاتكم .