قد تجول في خَلَدِ كثيرٍ منا أسئلة حول الأولاد، هل حبُّ الأولاد يحتاج إلى تعلُّم؟ مَن مِنا لا يحب أولاده؟ هل أولادنا يشعرون بحبنا لهم ؟، فلِم هذه الاستفهامات ؟

كل الآباء والأمهات يحبون أولادهم، ولكن الأمر الذي نحتاجه حقًّا أن نعرف كيف نظهر لأولادنا هذا الحب ونُشعِرهم به؟

 إن التربية بالحب منهج يعتمد على استخدام المشاعر والأحاسيس أثناء عملية تكوين الفرد ذاتيًّا ومجتمعيًّا، وإكسابه الخبرة الحياتية بأساليبَ عاطفية ودودة بعيدًا عن العنف.

 إن أهم أسباب المشاكل الأسرية عدم وجود الحب المتبادل بين الوالدين والأولاد، ولأن الحب حاجة أساسية مُلحَّة في الفرد، تجعله يبحث عنه في بيته، فإذا لم يجده داخل البيت، فإنه سيعاني كثيرًا، مما يضطره للبحث عنه خارج البيت، وهنا تبدأ المشكلة عندما يجد الحب في رفقاء السوء، أو العلاقات المحرمة، أو من خارجي القانون.

قَامَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ يَمْشِي وفي عُنُقِهِ السِّخَابُ، فَقَالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بيَدِهِ هَكَذَا، فَقَالَ الحَسَنُ بيَدِهِ هَكَذَا، فَالْتَزَمَهُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أُحِبُّهُ فأحِبَّهُ، وأَحِبَّ مَن يُحِبُّهُ. وقَالَ أبو هُرَيْرَةَ: فَما كانَ أحَدٌ أحَبَّ إلَيَّ مِنَ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ بَعْدَ ما قَالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما قَالَ. رواه البخاري .

  كثير من الآباء والأمهات يَرَون أنه لا فائدة في تربية الأولاد ومعاملتهم بالحب ، وإنما التربية لا تكون إلا بالعقاب والشدة، ويضربون بسائر الأساليب والوسائل التربوية عرض الحائط، ويستدلون على صحة منهجهم بأنهم تربَّوا على هذه الطريقة .

قال لي أحدهم: كنت أقف أمام والدي، فلا أحاوره، ولا أقاطعه، وليس مسموحًا لي بالرد أو الكلام؛ لأن ذلك من سوء أدب الابن مع أبيه، وفوق ذلك كان والدي يصرخ ويرفع صوته، ولا أدري متى أتلقى صفعة أو لكمة يمينًا أو يسارًا، وقد رباني هكذا حتى صرت رجلًا كما تراني .

 قلت له: وأنت تتبع نفس المنهج مع أولادك، فرد متحمسًا: طبعًا، ويسيرون على الصراط المستقيم، قلت له: صف لي ولدك وهو أمامك وأنت تكلمه، فقال: يقف أمامي يرتجف، وينصت لكلامي، ولا يرد.

  كم سيغرس هذا الأب ومن في شاكلته في أولادهم الجبن والخنوع والخضوع والخوف! وكم سيقدمون للمجتمع من شخصيات مهزوزة مضطربة نفسيًّا وفكريا، تنتقم من نفسها ومن المجتمع! ، ونسي هذا الأب قوله : «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرنَا، وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبيرِنَا» رواه الإمام أحمد .

 قال رسول الله : «إنَّ الرِّفقَ لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنْزَعُ مِن شيء إلا شانَه» رواه مسلم .

 يا عبد الله كم مرة قلت لولدك: أحبك؟ كم مرة ضممته إلى صدرك وقبَّلته؟ وكم لمسة حانية خرجت منك له؟ أسئلة بمثابة الصاعقة على رؤوس بعضنا .

 اسأل نفسك وأجِبْ بصدق، قد نحصيها على أصابع اليد، بل قد لا نحصيها أساسًا لأننا لم نفعلها، قد يفرح البعض ويقول كنت أقبِّل ولدي وهو طفل مائة مرة في اليوم، ولكن هل ما زلت تُقبِّله بعد أن كبر وشارف على البلوغ؟ .

 إن أولادنا يحتاجون منا القبلة والضمة، واللمسة الحانية، والطرفة والقصة واللعبة … وغيرها في الصغر والكبر؛ لأنه ليس من أحد يكبر على حاجته للحب والحنان، تلك السلوكيات الجميلة تهوِّن على أولادنا كثيرًا من الآلام التي يمرون بها، بل وتجعلهم يشعرون بنشوة السعادة .

أخيرا علِّم نفسك يا عبد الله أن تقول لهم: أحبك، أحبك يا قرة عيني، أحبك يا فلذة فؤادي، أحبك يا روح قلبي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يُقبِّلُ الحَسَنَ بنَ علِيٍّ، فقال الأقرَعُ بنُ حابِسٍ: إنَّ لي عَشَرةً مِن الوَلَدِ، ما قبَّلتُ منهم أحَدًا. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَن لا يَرحَمْ، لا يُرحَمْ.” أخرجه البخاري .

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء أعرابيٌّ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: أتُقبِّلونَ الصِّبيانَ ؟ فما نُقبِّلُهم فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( وما أملِكُ لك أنْ نزَع اللهُ الرَّحمةَ مِن قلبِك ) صحيح ابن حبان .