ثمة أسئلة كثيرة مهمة في مسيرة الحضارة الإسلامية؛ تلح على الباحثين في استجلائها، وكشف ما يتعلق بها من ملابسات. وتستمد هذه الأسئلة أهميتها من أن لها ظلالاً في واقعنا، وأنها شديدة الارتباط بما يواجهنا من تحديات. ومن ثم، فكلما استطعنا تلمُّسَ إجابات لها، كنا أشد قدرةً على التعامل مع واقعنا على هُدى وبصيرة؛ لا تنقطع
خلال القرون الثمانية التي تصدر فيها المسلمون مسيرة الحضارة، كانت أوروبا تعيش ما عُرف بقرونها الوسطى المظلمة. وقد شهد كثير من المستشرقين على الفجوة الحضارية العميقة التي كانت تفصل بين المسلمين وأوروبا في هذه الفترة؛ فبينما كانت الأخيرة تتخبط في الوحل نهارًا والظلام ليلاً، كانت شوراع وأسواق العرب في الأندلس مرصوفة وتضاء ليلاً([1]). وكان كثير
ظل المسلمون على حالة الرقي والتمدن والتحضر- التي أشرنا إليها بإيجاز فيما سبق- حتى دب فيهم الوهن، وكترث الخلافات، وركنوا إلى الترف، وغفلوا عن سنن الله في الأنفس والآفاق. ومع أن الحروب الصليبية تواصلت عبر قرنين من الزمان، إلا أنها ارتدت إلى نحور الأوروبيين خائبة، لم تفلح في السيطرة على بلاد المسلمين وانتزاع مقدساتهم،