الإلحاد

إذا نظرنا إلى تصور الإنسان لقضية الألوهية عبر التاريخ البشري نجد أن من الناس من آمن بإله له كل صفات الكمال المطلق – كما أخبرت الأنبياء بذلك- ومنهم من آمن بإله واحد لكنه وصفه ببعض صفات النقص -تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا- ومنهم من آمن بالله لكنه آمن معه بآلهة تؤدي عدة وظائف في

الروحانية بلا دين حيث كان البحث عن معنى للحياة بعيدا عن الدين وبمعزل عن الروح هو أزمة العلمانية الكبرى خلال قرونها الأخيرة فسعت لملء الفراغ بالأشياء المادية فزادت من أزمة الإنسان

من أصعب الأسئلة تلك المتعلقة بوجود الإنسان : كيف وجد؟ ومن خلقه؟ وما هي مادة هذا الإنسان وماهي مادة هذا الخالق الذي خلقه ...

نظر الناس إلى التكنولوجيا وثورة الاتصالات والثورة العلمية التي شهدها العالم في الحقب الأخيرة على أنها مجرد آلات لتيسير حياة الإنسان، ولا أعلم حضارة من حضارات الإنسانية منذ بدء الخليقة وجدت مجردة من عالم الأفكار والرؤى، بل والاعتقادات أيضا، فالحضارة لها وجهان؛ وجه مادي، ووجه معنوي، وذلك الوجه المعنوي هو الذي يمثل العقيدة والفلسفة التي تعبر عنه تلك الحضارة، فميلاد الحضارات هو ميلاد لغلبة أفكار وعقائد، وهي انتصار لفكر على فكر، ولدين على دين، ولمعتقد على معتقد.

"إن أول جرعة من كأس العلوم الطبيعية سوف تحوّلك إلى ملحد، ولكن فى قاع الكأس، ستجد الله فى انتظارك"[1] ، كان العلامة "ابن خلدون" يرى أن "العقل ميزان"، ويجب ألا يتطلع ذلك الميزان إلى وزن ما لا يستطيع، ويقول:"لا تطمع أن تزن به أمور التوحيد والآخرة وحقيقة النبوة وحقائق الصفات الإلهية وكل ما وراء طوره، فإن ذلك طمع في محال.. ومثال ذلك: مثال رجل رأى الميزان الذي يوزن به الذهب، فطمع أن يزن به الجبال!".

فارق كبير بين تساؤل إسماعيل أدهم عام 1937م " في كتابه "لماذا أنا ملحد؟" وبين تساؤل إسماعيل عرفة بعد أكثر من ثمانية عقود في كتابه "لماذا نحن هنا؟"، أعلن "أدهم" أنه آمن بالعلم وحده، وأن الإلحاد هو الإيمان بأن سبب الكون يتضمنه الكون ذاته، وأنه لا ثمة شيء وراء هذا العالم، أما "عرفة" فأعلن أن الإيمان أعلى مقامات العقل، وأن الشك أول درجات اليقين.