زيارة القبور عموما تشرع للاتعاظ بها ، وتذكر الآخرة ، بشرط أن لا يفعل عندها ما يغضب الرب سبحانه وتعالى ، ويخالف التوحيد أو الشرع ، كدعاء المقبورين ، والاستغاثة بهم من دون الله تعالى ، أو تزكيتهم ، والقطع لهم بالجنة ، أو أذيتهم والتعدي عليهم قبورهم ، ونحو ذلك .
والمقصود من زيارة القبور شيئان :

أ – انتفاع الزائر بذكر الموت والموتى ، وأن مآلهم إما إلى جنة وإما إلى نار ، وهو الغرض الأول من الزيارة .

ب – نفع الميت والإحسان إليه بالسلام عليه ، والدعاء والاستغفار له ، وهو خاص بالمسلم .

أما آداب الزيارة للقبور :

1- السلام على أهلها المؤمنين ، والدعاء لهم ، فعن بريدة رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه ‏وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر ، فكان قائلهم يقول: ” السلام عليكم أهل الديار ‏من المؤمنين والمسلمين ، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون ، أسأل الله لنا ولكم العافية ” ‏رواه مسلم.‏

2- يجوز رفع اليدين في الدعاء ، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : خرج رسول الله ذات ليلة ، فأرسلت بريرة في أثره لتنظر أين ذهب ، قالت : فسلك نحو بقيع الغرقد ، فوقف في أدنى البقيع ثم رفع يديه ، ثم انصرف ، فرجعت إلى بريرة ، فأخبرتني ، فلما أصبحت سألته ، فقلت ، يا رسول الله أين خرجت الليلة ؟ قال : ” بعثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم ” .
وقوله : لأصلي عليهم ، يعني : لأدعو لهم ، فالصلاة بمعنى الدعاء .

3- لا يستقبل القبور حين الدعاء لأهلها ، بل يتوجه نحو القبلة ، لنهيه عن الصلاة إلى القبور، والدعاء لب الصلاة وروحها ، كما هو معروف فله حكمها ، وقد قال : ” الدعاء هو العبادة ” ، ثم قرأ : { وقالَ ربُّكم ادْعُوني أستجبْ لكم } (غافر: 60) . رواه الترمذي .

4 – يكره المشي بين القبور بنعليه ، فعن بشير مولى رسول الله قال : بينما أنا أماشي رسول الله مرّ بقبورٍ المشركين ، فقال : ” لقد سبق هؤلاء خيراً كثيرا ثلاثا ” ثم مر بقبور المسلمين ، فقال : ” لقد أدرك هؤلاء خيرا كثيرا وحانت من رسول الله نظرة ، فإذا رجل يمشي في القبور عليه نعلان ، فقال : ” يا صاحب السبتيتين ويحك ألق سبتيتيك ” فنظر الرجل فلما عرف رسول الله ، خلعهما فرمى بهما . لكن يجوز ذلك دون دوس عليها ، فقد روى البخاري ومسلم : عن أنس أن النبي قال : ” إن العبد إذا وضع في قبره وتولى ‏عنه أصحابه ، إنه ليسمع قرع نعالهم ” .
وقد استدل العلماء بهذا الحديث : على جواز المشي في ‏المقابر بالنعل ، إذ لا يسمع قرع النعال إلا إذا مشوا بها.

اقرأ أيضا:

أما أن يمشي الزائر على قبور المسلمين بنعليه ، فهذا محرم ، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ” لأن أمشي على جمرة أو سيف ، أو أخصف نعلي برجلي ، أحب إلي من أن أمشي على قبر مسلم ، وما أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي ، أو وسط السوق ” رواه ابن ماجة ( 1567 ) .

وكذا الجلوس عليها ، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى ‏الله عليه وسلم : ” لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه حتى تخلص إلى جلده ، ‏خيرٌ له من أن يجلس على قبر” رواه مسلم .‏

6- زيارة النساء للقبور اختلف فيها أهل العلم ، والراجح فيها عدم الجواز ، لأحاديث وردت ، منها :

ما روى الترمذي في جامعه : ” لعن الله زوارات القبور” رواه أحمد والترمذي وابن ماجة .

7- وقت زيارة القبور : ليس لزيارة القبور وقتٌ محدد تستجب فيه ، وتقييد زيارتها بأوقات مخصوصة يدخل في البدع والمحدثات ، فلا يجوز تخصيص يوم الجمعة ، أو يوم العيد لزيارة المقابر ، ولا يجوز اعتقاد أن فيها مزية وفضل زائد عن الزيارة في غيرها من الأيام ، إلا بدليل شرعي .

أما إذا كان الحامل على تخصيص الزيارة يوم الجمعة هو كونه يوم فراغ وإجازة من العمل ، فتتهيأ له الزيارة فيه في وقت لا تتهيأ لك في غيره من الأيام ، فيجوز ، والأولى ترك المداومة على الزيارة فيه ، حتى لا يظن من يراك أن ذلك سُنةٌ .

8- ما اعتاده بعض الناس من توزيع الطعام في المقبرة يوم العيد أو قراءة القرآن هناك ، لا أصل له في الشرع ، وهو من البدع المحدثات ، والسنة أن يقتصر الزائر على السلام، والدعاء للميت .

9- قراءة القرآن على القبر على النحو المعهود في بعض البلاد الإسلامية ، أو استئجار قارئ ليقرأ القرآن ، كل ذلك لا يجوز ، لأنه من البدع المحدثة .

وأما قراءة القرآن للميت وهبة ثوابها له ، فذهب جماعة من الفقهاء إلى جوازها ، وبه قال الحنفية والحنابلة ، وذهب المالكية إلى الكراهية .والصحيح : عدم جوازها لعدم الدليل عليه ، وهو قول الإمام الشافعي ، لقوله تعالى ( وأنْ ليسَ للإنسان إلا ما سَعَى ) النجم .
ولم يثبت فيها شيء عن النبي ، ولا فعله الصحابة رضي الله عنهم وهم أحرص الناس على الخير .

10- تخصيص سورة ” الفاتحة ” بالقراءة عند القبور ، مما لا أصل له !

11- وضع الزهور على القبور من البدع المحدثة والتشبه بالنصارى . أما وضع الأغصان الرطبة على القبر ، فالصحيح عدم المشروعية ، وأنه من خصائص النبي ، لمرجحين: الأول: إخبار النبي في الحديث بأنه يخفف عنهما بشفاعته ، ففي صحيح مسلم : من حديث جابر الطويل قال : ” إني مررت بقبرين يعذبان ، فأحببت بشفاعتي أن يرفه عنهما ما دام الغصنان رطبين ” .

الثاني : أن كون صاحب القبر يعذب أو لا يعذب أمر غيبي ، وجزمنا بأنه يعذب ، ثم غرس شيء على القبر حتى يخفف عنه ، إساءة ظن بالميت ، والأصل إحسان الظن بالمسلمين .

12- عدم جواز رش الماء على القبر ، إلا اذا كان من أجل تثبيت ترابه فيجوز .

نسأل الله العلي القدير أن يرحم موتانا وموتى المسلمين ،،،