تعتبر ظاهرة الكسوف والخسوف من آيات الله الكونية العظيمة التي تدل على تمام قدرته وتصرفه في هذا الكون. وقد شرع الإسلام للمسلمين عند رؤيتها عبادات خاصة، على رأسها الصلاة. في هذا المقال المفصل، نستعرض الأحكام الفقهية المتعلقة بصلاة الكسوف والخسوف، مستندين إلى أقوال الفقهاء وأدلتهم.
ما الفرق بين الكسوف والخسوف؟
الكسوف والخسوف في اللغة قد يطلقان على نفس الظاهرة، ولكن الاصطلاح الفقهي الأشهر يفرق بينهما كالتالي:
الخسوف: يُطلق على ذهاب ضوء القمر أو بعضه ليلاً، وذلك لحيلولة ظل الأرض بين الشمس والقمر. ولا يحدث عادة إلا في ليالي الإبدار (منتصف الشهر القمري).الكسوف والخسوف: شيء واحد، ويقال لهما كسوفان وخسوفان، والأشهر في تعبير الفقهاء: تخصيص الكسوف بالشمس والخسوف بالقمر.
الكسوف: يُطلق على ذهاب ضوء الشمس أو بعضه في النهار، وذلك لحيلولة القمر بين الشمس والأرض. ولا يحدث عادة إلا في آخر الشهر القمري.
ما هو حكم صلاة الكسوف والخسوف؟
صلاة الكسوف والخسوف هي سنة ثابتة مؤكدة باتفاق الفقهاء. والدليل على مشروعيتها:
- من القرآن الكريم: قوله تعالى: {ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن} [فصلت:37/ 41]، حيث فُسِّر الأمر بالسجود لله عند هذه الآيات بالصلاة.
- من السنة النبوية: قوله ﷺ يوم مات ابنه إبراهيم: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك، فصلوا وادعوا، حتى ينكشف ما بكم» [متفق عليه].
وهي مشروعة حضراً وسفراً للرجال والنساء، ولكل من تجب عليه الصلوات الخمس، وتسن فيها الجماعة، ويُندب أن يُنادى لها: «الصلاة جامعة»، كما ثبت أن النبي ﷺ «بعث منادياً ينادي: الصلاة جامعة» [متفق عليه]، ولكن ليس لها أذان ولا إقامة.
ويجوز أن تؤدى هذه الصلاة جماعة أو فرادى، سراً أو جهراً، بخطبة أو بلا خطبة، لكن فعلها في مسجد الجمعة والجماعة أفضل؛ لأن النبي ﷺ صلى في المسجد.
الكيفية الصحيحة لصلاة الخسوف والكسوف وأقوال الفقهاء
اختلف الفقهاء في بعض تفاصيل صفة الصلاة، ونستعرض هنا القول الراجح مع الإشارة لأوجه الخلاف لتمام الفائدة.
صفة الصلاة عند جمهور الفقهاء (القول الراجح)
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن كيفية صلاة الكسوف هي: ركعتان، في كل ركعة قيامان، وقراءتان، وركوعان، وسجودان. وتفصيلها كالآتي:
الركعة الأولى:
- القيام الأول: يقرأ بعد الفاتحة سورة البقرة أو نحوها في الطول.
- الركوع الأول: يركع ركوعًا طويلاً.
- القيام الثاني: يرفع من الركوع، ثم يقرأ الفاتحة وسورة أخرى أقصر من الأولى (بقدر 200 آية مثل آل عمران).
- الركوع الثاني: يركع مرة أخرى ركوعًا طويلاً، لكنه دون الأول.
- السجود: يسجد سجدتين طويلتين.
الركعة الثانية:
- القيام الثالث: يقوم للركعة الثانية، فيقرأ بعد الفاتحة سورة أقصر من التي قبلها (بقدر 150 آية مثل النساء).
- الركوع الثالث: يركع ركوعًا طويلاً، لكنه دون الذي قبله.
- القيام الرابع: يرفع من الركوع، ويقرأ بعد الفاتحة سورة أقصر (بقدر 100 آية مثل المائدة).
- الركوع الرابع: يركع ركوعًا طويلاً، لكنه دون الذي قبله.
- السجود: يسجد سجدتين طويلتين، ثم يتشهد ويسلم.
آراء أخرى في صفة الصلاة (مذهب الحنابلة)
ذهب الحنابلة إلى جواز فعل صلاة الكسوف على كل صفة وردت عن النبي ﷺ، ومنها:
- ركوعان في كل ركعة (وهو الأفضل).
- ثلاثة ركوعات في كل ركعة: لما روى مسلم عن جابر: أن النبي ﷺ «صلى ست ركعات بأربع سجدات».
- أربعة ركوعات في كل ركعة: لما رواه مسلم عن ابن عباس.
- خمسة ركوعات في كل ركعة: لما رواه أبو داود عن أبي بن كعب.
- ركوع واحد في كل ركعة (كصلاة النافلة): لأن ما زاد على الركوع الواحد سنة وليس بواجب.
مسائل فقهية متنوعة
هل القراءة في صلاة الكسوف سرية أم جهرية؟
يجهر الإمام في صلاة الكسوف، لحديث عائشة: أنه ﷺ جهر فيها. قال ابن القيم: لما كسفت الشمس خرج ﷺ إلى المسجد مسرعًا فزعًا يجُرُّ رداءه. وكان كسوفها في أول النهار على مقدار رمحين أو ثلاثة من طلوعها. فتقدَّم وصلَّى ركعتين، قرأ في الأولى بفاتحة الكتاب وسورة طويلة، وجهر بالقراءة.
متى يبدأ وقت الصلاة؟ وهل تصلى في أوقات النهي؟
تصلى هذه الصلاة وقت حدوث الكسوف والخسوف. وهل تصلى في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها؟
الجمهور: لا تصلى فيها؛ لأن تلك الأوقات تختص بجميع أجناس الصلاة.
والشافعية: تصلى فيها؛ لأن تلك الأحاديث الواردة في النهي عن الصلاة في أوقات خمسة تختص بالنوافل، وصلاة الكسوف سنة، فتجوز في أي وقت.
صلاة الخسوف: جماعة أم فرادى؟
كسوف الشمس: اتفق الفقهاء على أن السنة أداؤها جماعة.
خسوف القمر: اختلفوا في ذلك:
الحنابلة والشافعية (وهو الراجح): تصلى جماعة ككسوف الشمس، لعموم قوله ﷺ: “إن الشمس والقمر لا يُخْسَفَانِ لموت أحد ولا لحياته … فإذا رأيتم ذلك فافزعزا إلى الصلاة”.
الحنفية والمالكية: تصلى فرادى، ركعتين ركعتين، لعدم ورود أن النبي ﷺ صلاها جماعة. مع أن خسوفه كان أكثر من كسوف الشمس.
هل لصلاة الكسوف خطبة؟
ثبت أن النبي ﷺ لما انصرف من صلاة الكسوف وقد تجلت الشمس، حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته … » الحديث.
فقال جماعة: إنه خطب؛ لأن من سنة هذه الصلاة الخطبة، كالحال في صلاة العيدين والاستسقاء.
وقال آخرون: إن خطبة النبي ﷺ إنما كانت يومئذ؛ لأن الناس زعموا أن الشمس إنما كسفت لموت إبراهيم ابنه عليه السلام.
هل تُشرع الصلاة لكوارث أخرى مثل الزلازل؟
إذا كان حدوث كسوف الشمس او خسوف القمر نوعا من الفزع، وكانت السنة أن تقام الصلاة طلبا لزوالها، فهل نقيس عليهما كوارث طبيعية أخرى مثل الزلازل والمخاوف وغيرهما مما يفزع الناس منها، فتقام الصلاة رغبة في إنجلائها؟
- جمهور الفقهاء (خلافاً للمالكية): يصلى للزلزلة فرادى لا جماعة، لفعل ابن عباس، ولا يصلى عند الحنابلة لغيرها من سائر الآيات، كالصواعق والريح الشديدة والظلمة بالنهار، والضياء بالليل، لعدم نقل ذلك عنه ﷺ وأصحابه، مع أنه وجد في زمانهم انشقاق القمر، وهبوب الرياح والصواعق.
- المالكية: لا يؤمر المرء بالصلاة عند الزلازل والمخاوف والآيات التي هي عبرة؛ لأن النبي ﷺ لم يصل لغير الكسوفين، وقد كان في عصره بعض هذه الآيات، وكذلك خلفاؤه من بعده، لم يصلوا.
أهمية الذكر والدعاء والصدقة أثناء الكسوف
اتفق الفقهاء على أنه يستحب للمسلم عند حدوث الكسوف أو الخسوف أن يفزع إلى طاعة الله، لقوله ﷺ: «فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وتصدقوا وصلوا» وفي لفظ: «إذا رأيتم شيئاً من ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره» [متفق عليه]. فينبغي الإكثار من:
- التقرب إلى الله بسائر القربات.
- ذكر الله تعالى.
- الدعاء والاستغفار.
- الصدقة.
والدعاء يكون بعد الصلاة، يدعو الإمام جالساً مستقبل القبلة إن شاء، أو قائماً مستقبل الناس.
هل صلاة خسوف القمر مثل صلاة كسوف الشمس؟
- الحنفية: تصلى صلاة الخسوف ركعتين أو أربعاً فرادى، كالنافلة، في المنازل.
- المالكية: يندب لخسوف القمر ركعتان جهراً كالنوافل بقيام وركوع فقط على العادة.
- الشافعية والحنابلة (وهو الراجح): صلاة الخسوف كالكسوف تماماً، تصلى جماعة، بركوعين في كل ركعة، وتؤدى جهراً.