ما أكثر الكتب المؤلفة في علوم الحديث منذ بدأ التصنيف في جانب الرواية على يد ابن الصلاح رائد هذا العلم في كتابه مقدمة ابن الصلاح، فمنذ ظهور المقدمة، وعلماء الحديث لا يفتئون يدندنون حول محاور علم مصطلح الحديث.

ومع هذه الكثرة في التصنيف، إلا أنه يوجد من يكتب طعنًا في حجية السنة، وفي  سلامة نقلها، وفي منهج المحدثين في التثبت في حفظها، فلا توقَّف التصنيف الأول في الحجية، ولا توقَّف الحديث عن بث الشبهات!

لكن الملاحظ في المسارين هو اجترار الماضي، والعيش في جنباته، فمن يكتب في الرد على الشبهات، يذكر الشبهات القديمة هي هي، ويفندها التفنيد هو هو. ومن يثير الشبهات، يثيرها هي هي، فكأنه لم يقرأ الردود عليها، أو قرأها ولم يقتنع بها.

وفي محاولة منه لترتيب أولويات محاور البحث في الحديث النبوي وعلومه، كتب الدكتور حاتم  بن عارف العوني بحثا بعنوان أولويات البحث في الحديث النبوي وعلومه، ذكر أن  الأمور التي يجب بحثها في الحديث النبوي بشكل أولوي على غيرها، المحاور التالية :

أولا: بيان عقلانية منهج المحدثين : وأنه قائم على الأسس التي يوجبها العقل للتثبت من قبول الخبر ، مما لا يسمح بافتراض استبداله بمنهج آخر .

وهو أمر في غاية الأهمية لفهم منهج المحدثين ، ولخدمة السنة وعلومها ، وللدفاع عنها تجاه الطاعنين فيها من الجاهلين بها .

ثانيا : تخليص علوم الحديث من آراء المتأخرين النظرية القاصرة والتي تخالف منهج أئمة الاجتهاد ، وتمييزها عن آرائهم الموفّقة الموافقة للمنهج النقدي الذي كان عليه أئمة الاجتهاد .

ثالثا : بيان وحدة منهج أئمة الاجتهاد من أئمة المحدثين ، وإن ادُعي خلاف ذلك عند بعض المتأخرين ، وإن اختلفت أحكامهم الجزئية .

رابعا: بيان مكانة نقد المتن عند المحدثين ، وأنه قديم علم الحديث نفسه ، وأنه بعيد عن الذاتية غير العلمية ، بل له منهج علمي منضبط .

خامسًا : تحرير الاختلاف المحكي بين المحدِّثين من جهة ، والفقهاء والأصوليين والطوائف العقدية (كالأشعرية والمعتزلة) من جهة أخرى .

سادسًا : الرواية بالمعنى وأثرها في دلالات الألفاظ وهي مسألة شبه مسكوت عنها ، حتى عند الأصوليين . وتبين منهج أئمة الاجتهاد في تصحيح الألفاظ المختلفة بسبب الرواية بالمعنى، رغم دلالاتها الدقيقة المتعددة ، وما مدى أثر التفقه في النص بإرجاعه لأصول الشرع ومقاصده في تحرير الألفاظ ومعرفة أولاها بالاعتماد وبالتعرف على جوانب القصور في النقل ، وما مدى اعتماد أئمة الفقه والحديث على هذا النظر الفقهي في تحرير اللفظ النبوي.

سابعًا : بيان مجالات الاستدراك على أحكام السابقينالبخاري ومسلم) التي تتيحها المناهج العلمية للمتأخرين والمعاصرين ، وبيان المجالات التي لا  يتاح  لنا فيها الاستدراك عليهما ؛ إلا بالدعاوى والتسور على العلوم بغير حق .

ثامنا :  بيان مكانة السنة من التشريع ومدى الحاجة إليها مع القرآن الكريم : وأنها تستقلّ في تقرير الأحكام ، والرد على الاستدلالات المستجدّة فيما يعارض ذلك ممن يزعمون الاكتفاء بالقرآن الكريم .

تاسعا : تثقيف عموم المسلمين بما يحصنهم من الشك في السنة مصدرا للتشريع ببيان حفظها – من الضياع ومن اختلاط الصحيح بالسقيم .

عاشرا : تقريب الصحيح من متون السنة بتناول عصري من خلال الشروح العصرية، ومن خلال مختلف وجوه التثقيف : من فنون ومسابقات ، تعتني بالمعاني أكثر من الحفظ ، وتعتني بالقيم والأخلاق كما تعتني بالعقائد والأحكام .

تجديد علوم الحديث

ثم ذكر الدكتور حاتم المناهج المقترحة لتجديد علوم الحديث ، وذكر في هذا الصدد المقترحات التالية :

المقترح الأول: لا بد من إعادة كتابة علوم الحديث منطلقين من اجتهاد أئمة الاجتهاد ، باعتماد تنظير أئمة الاجتهاد في النقد الحديثي وتطبيقاتهم ، ومن خلال استقراء دقيق شامل لكلامهم وأحكامهم وجهودهم .

المقترح الثاني : جمع النقد المتني الصرف ، خاصة الذي يسبق النقد الإسنادي أو المتجاوز له، الذي بدأ منذ عصر الصحابة رضوان الله عليهم ، واستمر حتى نهاية عصور الاجتهاد النقدي لمعرفة :

– ضوابطه .

– أسباب قلته .

– هل كانت الذاتية مسيطرة عليه، أم كان له منهج علمي منضبط ؟ ومقدار ما فيه من الذاتية لا يؤثر في انضباط منهجه ، كعموم العلوم الدقيقة ، التي لا تخلو في دقائقها من قدر يسير من الذاتية ، لا يعارض انضباطية منهجها .

المقترح الثالث: السعي لمعرفة أثر الرواية بالمعنى في انضباط اللفظ المنسوب للنبي صلى الله عليه وسلم من خلال جمع الألفاظ المختلفة في كتب الصحاح ، وفي كل كتاب منها على حدة : أي جمع الحديث الذي صححه البخاري مثلا بعدد من الألفاظ للإجابة عن التساؤلات التالية :

– ما هو ضابطه في تصحيح تلك الألفاظ ، رغم اختلافها ؟

وهو ما يمكن معرفته من خلال النظر في ذلك الاختلاف : هل هو مؤثر على المعنى الأصلي للحديث ؟ أم أن تأثيره لا يتجاوز المعاني الفرعية ؟

– هل اعتمد البخاري مثلا في تبويبه على دلالة لفظ من الألفاظ ، هو نفسه صحح أيضا ما لا يفيد تلك الدلالة ، رغم كون الحديث حديثا واحدا ، لا يمكن ادعاء تكرار التحديث به من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ لأن هذا قد يكون تناقضا ، إن لم تكن الدلالة الأخرى داخلة في الدلالة المعتمدة .

– كيف أمكن أن يصحح البخاري تلك الألفاظ رغم أن اختلافها يوجب ولا بد اختلا ف ما في معانيها ؟

المقترح الرابع : من أهم مجالات الاستدراك على أحكام النقاد : هو عرض المرويات الحديثية التي تتعرض لحقائق كونية على قطعيات العلم الحديث ؛ لأن أئمة الحديث أنفسهم لو كانوا في زماننا لاعتمدوا قطعيات العلم الحديث في نقدهم ، كما اعتمدوا معارف عصرهم في النقد والتأويل .

المقترح الخامس : فيما يخص الطعون الموجهة إلى السنة وضرورة استمرار البحث فيها والرد على القديم المتجدد منها والمستحدَث .

المقترح السادس : استعمال لغة عصرية في شرح السنة ، والاستعانة بعلوم حديثة في استخراج المنهج النبوي في شؤون الحياة : التربية والتعليم ، والتعايش ، والسياسة ، والقيادة العسكرية ، وغير ذلك . والاستعانة بالمتخصصين في مجال الفنون والإعلام لإنتاج منتجات فنية وإعلامية تخدم هذا الجانب .