لم يختلف الأطباء والمتخصصون في كثير من التخصصات الطبية والنفسية والاجتماعية على وجود ما يسمى بحالة أزمة منتصف العمر لدى الرجل، وإن تفاوتت حدة الظواهر وإيجابيات وسلبيات هذه المرحلة، والزوجة في هذه المرحلة هي حالة أو لون من ألوان المقاومة شاءت أو لم تشأ.

ما طبيعة الحالة النفسية لزوجة رجل يعاني أزمة منتصف العمر؟ وكيف يرى الأطباء النفسيون والاجتماعيون دورها في هذه الأزمة؟ وكيف أثر المجتمع بخلفياته الثقافية على دور الزوجة في مثل هذه الحالات؟ وماذا يقول الواقع لمعاش تجاه هذه الظاهرة؟

نفسية الزوجة .. صمام الأمان

تقول الدكتورة “ماري خوري” المعالجة النفسية وأستاذة علم النفس: المرأة في هذه الحالة ربما تكون واقعة تحت أكثر من تأثير نفسي، فهناك من تصدم من هول المفاجأة وتكاد ألا تصدق ما ترى عليه زوجها من تغير على مستويات عديدة، وفي هذه الحالة يكون الميل الأكبر لدى الزوجة هو ميل اندفاعي وغير متزن نحو الرغبة في الانفصال حتى لو داخل البيت فقط، فنجدها تفضل القطيعة مع الزوج وإذا تواصلت معه سرعان ما يتطور الحوار بينهما إلى خلاف شديد يصل لدرجة الشجار.

وهناك من الزوجات من تصاب بما يسمى الارتداد الاجتماعي أو الخروج من حالة الاستقرار إلى نوع من التذبذب والارتباك فنجدها متأرجحة بين الشكوى للأهل والنقاش غير المجدي مع الزوج، والتفكير في إيجاد البدائل.

وتُرجع د. ماري” هذا الوعي المنتقص من الزوجة لهذه الحالة لأكثر من سبب على رأسها عدم الإلمام الكامل للزوجة بطبيعة تلك المرحلة وحقيقة ظواهرها بل بإيجابياتها والتي لا تعلم الكثير من الزوجات عنها شيئا.

كما ترى أن هذا الاختلاف مرجعه الرئيسي أن أزمة منتصف العمر عند الرجل لها أكثر من شكل وأكثر من حالة فضلا عن ارتباطها بأكثر من نطاق ما بين نفسي وبيولوجي واجتماعي وثقافي وهو ما يوقع الزوجة في جو من الحيرة والارتباك والتردد في اتخاذ أي قرار تجاه الزوج.

الثقافة الاجتماعية

على المستوى الاجتماعي يؤكد الدكتور المجدوب أن الثقافة الاجتماعية ربما تكون سببًا في ذلك التخبط الذي تقع فيه الزوجة حيال هذه الأزمة، فقد شاعت في مجتمعاتنا العربية بعض المفاهيم الخاطئة التي تبعد الزوجة عن التعامل العلمي والمنطقي مع القضية، ومنها أن هذه الظواهر ما هي إلا دليل على أنها خُدعت في هذا الرجل، وأنه عاش معها هذه الحياة يخدعها بالتظاهر بالالتزام والحب، وبناء على ذلك تتخذ خطوات نحو حلول خاطئة ربما تضر بها وبأسرتها.

ويؤكد المجدوب أن الزوجة يجب أيضًا أن تتجاوز النظر إلى الزوج على أنه الشخص المنحل أخلاقيًّا والذي ظهر على حقيقته، فالأصل في المصاب بهذه الأزمة أنه إنسان سوي يمر بوعكة ولو أن الأصل فيه هو الانحلال أو التسيب لظهر ذلك في السن المناسبة له..

حالات واقعية

تقول نهال وهي مدرسة لغة إنجليزية-: لقد فوجئت بزوجي في سن 44 وقد بدت عليه ظواهر أزمة منتصف العمر بشدة فقد اهتم اهتماما مبالغا فيه بمظهره، وصار كثير التردد على طبيب للعلاقات الزوجية وغير ذلك من المظاهر التي كادت أن تفسد العلاقة بينه وبين أبنائه، والحقيقة أنني أصبت بارتباك شديد حيال ما يحدث، وقررت أن أراقبه دون أن يعلم وبالفعل اكتشفت أشياء ربما لم تخطر لي على بال، وظللت أعاني نفسيا معاناة شديدة فتحاورت مع زوجي بكل هدوء وحرص إلا أنه ثارت ثورته وأخذ المسألة بطابع تحدٍّ، وأخذ يفلسف موقفه ويوجد له المبررات الكثيرة، ونحن الآن نعيش على حافة خطر ربما يدمر الأسرة بأكملها.

وتقول هبة النجار (ربة منزل) أن أزمة منتصف العمر التي مر بها زوجها كادت أن تؤدي إلى الطلاق بينهما لولا أنها على حد قولها -حكَّمت عقلها- وقررت التردد على طبيب مختص في العلاقات الزوجية بعد أن تحدثت مع زوجها وناقشت معه الأمر، وتؤكد هبة النجار أن الأمر في بدايته كان في شدة الصعوبة إلا أن زوجها استجاب أخيرًا لطلبها وصارا يترددان معًا على الطبيب.

حلول هدامة

ويقول د. المجدوب: إن الزوجة ربما تلجأ لحل انفعالي إلى حد ما، وذلك بأن تدخل القضية في إطار من التحدي بأن تقرر أن تثير زوجها بأن تفعل مثله وتظهر أمامه الاهتمام بأشياء لم تكن موضع اهتمامها من قبل، ظانة بذلك أنها ترجعه عما هو فيه، وينطوي ذلك التصرف من وجهة نظر الدكتور على وعي اجتماعي ضعيف بنفسية الرجل وطباعه، حيث يرى أن هذه الزوجة بتصرفها هذا تدفع الزوج إلى قمة التحدي وربما انتهى الأمر بالانفصال.

ومن الحلول الهدامة أيضا أن تظل الزوجة متربصة بزوجها تترقبه وتراقب كل أفعاله، فمهما كان ما يظهر على الزوج من مظاهر مقلقة فإن هذا التصرف من قبل الزوجة يؤجج الموقف، بل ويرفع من مستوى الخلافات والصدامات الزوجية، حيث يكون الزوج في هذه المرحلة يبحث عن هامش من الخصوصية أو الاستقلالية التي تشعره بذاته وببقائه في بؤرة الثقة بالنفس، ويكون لديه جاهزية عالية لتحدي من يسلبه هذا الهامش أيا كان موضعه في حياته.

عوامل الحماية

كما ترى د. أنيسة المتخصصة في علم النفس التحليلي والمرضي، أن هناك عوامل عدة تحمي الزوج في هذه المرحلة وعلى أساس نسبة تفاوتها لديه يكون اطمئنان الزوجة، ومنها الخلفية الثقافية والتربوية لدى الزوج، فكلما كان الأصل في الزوج هو التربية ذات الوازع الثقافي والديني كلما ساهم ذلك في اطمئنان الزوجة، وكذلك مستوى وعي الزوج بواجباته ومسئولياته تجاه أسرته كل ذلك يسهم في تخفيف وطأة المشكلة وتيسير الأمور إلى حد ما على الزوجة إذا أحسنت استغلالها.

إيجابيات الأزمة

تؤكد د. أنيسة أن أزمة منتصف العمر هي أزمة ذات إيجابيات كثيرة لو أحسنت المرأة استغلالها ستخرج منها بمكاسب لا تُنكر، وعلى رأسها أن هذه الأزمة تعتري الرجل في مرحلة سنية تكون الصدامات الزوجية فيها أقل بكثير عن سابقاتها، كما أن استعداد الزوج للفضفضة الكلامية والحوار يكون أكبر من ذي قبل.

وتشير أن الدراسات النفسية تؤكد أن 18% فقط من الرجال الذين يتعرضون لأزمة منتصف العمر هم الذين يندفعون نحو العلاقات النسائية المحرمة أو غيرها، أما الباقون فتكون الظواهر عندهم مختلفة كالتردد بكثرة على دور العبادة وكذلك على عيادات الأطباء، فإذا استغلت الزوجة هذه الظواهر التي تحمل الكثير من الإيجابية وأحسنت توظيفها لصالح العلاقة الزوجية سوف تربح الكثير.


عمرو طاحون