رغم تراجع تصنيف اليابان في مجال الابتكارات من المرتبة السادسة 2016 إلى المرتبة الثامنة 2017 إلا أن الحكومة اليابانية لا تزال تقدم الاستراتيجيات التطويرية لهذا القطاع الهام الذي يشكل إحدى أهم ركائز الاقتصاد الياباني، حيث تصل قيمة الاستثمارات اليابانية في البحث والتطوير العلمي 3.5 تريليون ين ياباني، وتسعى اليابان إلى زيادة هذه الاستثمارات خلال السنوات الثلاث القادمة بقيمة 900 مليار ين ياباني ضمن الاستراتيجية الحكومية الجديدة لتطوير الابتكارات التكنولوجية.

وترتكز الاستراتيجية اليابانية الجديدة التى أطلق عليها Public/Private R&D Investment Strategic Expansion Program(PRISM) على دعم الشراكة بين شركات الابتكار التكنولوجي وبين مؤسسات البحث الأكاديمي لخلق مجالات بحث جديدة تحقق مزيدا من الاهتمام لصناع السياسات الاقتصادية بحيث يتوقعون زيادة في الإقبال وتحقيق مزيد من الأرباح، وتشمل مجالات البحث الجديدة: الأجهزة الاصطناعية، الروبوتات، بصريات الكم.

ومن المتوقع أن تمنح الحكومة اليابانية 200 مليار ين ياباني لدعم الاستراتيجية الجديدة المعروفة إختصارا ب PRISM.

اليابان تتحول إلى المجتمع الخامس

 تتجه اليابان بسرعة نحو المجتمع الرقمي أو ما يعرف بـ”Society 5″ حيث يطلق هذا المصطلح على مرحلة جديدة من مراحل تطور البشرية، تماما مثل مرحلة المجتمع الزراعي ثم مرحلة المجتمع الصناعي ثم عصر المعلومات، ويعتبر المجتمع الخامس الذي أعلنت عنه الحكومة اليابانية 2017 مجتمع ذكي للغاية، ويرتكز على عمل الروبوتات وغيرها من الوسائل التكنولوجية المتطورة، وتسعى الفكرة الجديدة إلى الاستفادة من الابتكارات التكنولوجية في حل بعض التحديات التى تواجه المجتمع الياباني، والتى من ضمنها مواجهة الكوارث الطبيعية، والشيخوخة التى تشكل تحديا كبيرا للحكومة اليابانية، والتلوث.

وهكذا ستتمكن اليابان من خلال دمج الابتكارات التنكلوجية في الحياة العامة للمجتمع الياباني من تحويل المجتمع إلى مجتمع رقمي قادر على حل بعض التحديات التى تواجهه من خلال الابتكارات التكنولوجية.

قدرة اليابان على دخول مرحلة المجتمع الخامس تمنحها التفوق على تجارب مماثلة في الدول المتقدمة مثل: مشروع “المصانع الذكية” في ألمانيا German Industry 4.0 وبرنامج “e-Estonia” في أستونيا أو برنامج “الدولة الذكية” في سنغافورة .

وهكذا فإن الاستراتيجية اليابانية الجديدة في مجال الابتكارات تعتبر جزء من برنامج المجتمع الخامس الذي أطلقته الحكومة اليابانية حديثا.

توقعات باختلال في الاستثمارات

 تضاربت الآراء واختلفت التوقعات بشأن نجاح الاستراتيجية الجديدة لدعم الابتكارات التكنولوجية التى أعلنت عنها الحكومة اليابانية، فرغم أهمية هذه الاستيراتيجية إلا أن بعض الانتقادات وجهت لها، رئيس جامعة سوزوكا للعلوم الطبية ناكايوسو تويودا أوضح أن الاستراتيجية الجديدة ستسهم بشكل كبير في تطوير وزيادة إنتاجية قطاع الابتكارات الياباني، وستزيد من قوته التنافسية، إلا أن الاستثمارات الضخمة الموجهة لهذا النوع من المشاريع قد تتسبب في تراجع الاستثمارات في مجالات أخرى من البحث خاصة الأقسام البحثية في الجامعات الوطنية، وهذا ما سيؤثر سلبا على أداء هذه الجامعات في البحث العلمي.

ويؤكد السيد تويودا بأن الشركات الكبرى هي الوحيدة التى ستملك حق المشاركة في الاستراتيجية الجديدة بينما يتم استثناء الشركات الصغيرة والمتوسطة والتى تشكل تمثل 99.7% من المشاريع في اليابان، وهذه الشركات تستثمر أقل بكثير مما تستثمره نظيراتها في الدول المنافسة، لذلك إذا كانت الحكومة ترغب فعلا في تطوير قطاع الابتكارات التكنولوجية فعليها الاستثمار في هذه الشركات بالتعاون مع الجامعات المحلية.

لذلك يرى البعض من منتقدي هذه الاستراتيجية أنه رغم أهميتها إلا أنها ستشكل خللا في توزيع الاستثمارات في القطاعات الأخرى، ومن الجدير إعادة صياغة الاستراتيجية من جديد حتى يتم إشراك مؤسسات تابعة لهذه القطاعات.

 مخاوف من عدم تحقيق أهداف الاستراتيجية

 بعض الخبراء المتابعين لبرامج الحكومة اليابانية أكدوا بأن التحديات الكبيرة التي تواجه الاستراتيجية الجديدة لدعم الإبتكارات هو القدرة على التحقيق في نتائج هذه الاستراتيجية، يقول كويوشي كروكوا المستشار السابق لرئيس الوزراء الياباني دائما ما تطلق الحكومة مشاريع مهمة ذات استثمارات ضخمة لدعم الابتكارات التكنولوجية، لكن الحكومة لا تحقق في نتائج هذه المشاريع كما حدث في مشروع “برنامج التمويل للبحوث الابتكارية الرائدة عالميا في مجال العلوم والتكنولوجيا” المعروف إختصارا بـFIRST، أطلق سنة 2009 وأنفقت عليه الحكومة 100مليار ين ياباني وزعت على 30 هيئة علمية.

لكن ورغم هذا المشروع الضخم فإن اليابان تراجعت في التصنيف العالمي للابتكارات من المركز السادس 2016 إلى المركز الثامن سنة 2017.

يرى كوروكوا بأن على الحكومة إنفاق هذه الأموال على الطلاب والخريجين لاستكمال دراساتهم في الخارج، حيث سيشكلون رأس مال بشري قوي لمستقبل اليابان. الهيئة الإستشارية للعلوم التكنولوجية والابتكارت المعروفة اختصارا بـCSTI إحدى الهيئات الاستشارية الأربعة التابعة للحكومة اليابانية، يقول نوريماسا تاكيدا أحد مستشاري هذه الهيئة بأن الاستراتيجية الجديدة لدعم الابتكارات التكنولوجية PRIMS ستكون مختلفة عن استراتيجية 2009 المعروفة بـFIRST، لأن الاستراتيجية الجديدة قائمة على دعم إضافي لمشاريع القطاعات، وليس الأمر متعلق بإنشاء مشاريع جديدة وتسييرها.

الدعم المالي المقدم للاستراتيجية الجديدة سيشكل تحفيزا قويا سيدفع بالقطاعات الوزارية والمؤسسات البحثية التابعة لها لتقديم مزيد من الأفكار الإبداعية التى ستساعدنا على تحقيق نجاح كبير في مجال الابتكارات التكنولوجية.

رغم ما تحققه الدول اليوم من نجاحات كبيرة في ميدان الابتكارات التكنولوجية وما تجنيه هذه الابتكارات من أرباح وتسهم به في الدخل القومي لهذه الدول لا تزال الدول الإسلامية في مراحل متأخرة في التصنيف الدولي للابتكارات، ويعود هذا الضعف والتراجع إلى ضعف الإنفاق على البحوث العلمية والمؤسسات البحثية بشكل عام، فمن ضمن 34 دولة في العالم هي الأعلى إنفاقا على البحث العلمي لا توجد دولة إسلامية واحدة، هذه الحالة تشكل إحدى العوائق الكبيرة التى تحد من تقدم دولنا وتبقيها في آخر الركب رغم توافر الإمكانيات لتجاوز ذلك.