تكرر في السنوات الأخيرة وقوع الزلازل المدمرة، وحدوث الأعاصير المروعة، وهبوب الرياح العاتية، وانهيار السدود وجريان الفيضانات، واشتعال الحرائق في الغابات، مصائب منيت بها في زماننا دول متعددة، ووقعت في بلاد مختلفة، وحدث بعضها في بلادنا أو غير بعيد منا، فتهدمت بيوت وخربت ديار، وهلكت زروع وفسدت ثمار، ومات أناس وشرد آخرون، وكل ذلك بأمر الله وقدره ومشيئته، لا راد لما قضى، ولا دافع لما أمضى، { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير* لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور } (الحديد: 22 – 23).

وحين تقع مثل هذه الأحداث والمصائب، فإن الناس يختلفون في تلقيها، وتتضارب آراؤهم في تفسيرها وبعض الناس – مع الأسف – لا يرى في هذه الزلازل وأشباهها من الابتلاءات والمصائب إلا عقوبات لأصحابها، ونقمة من الله على أربابها، والحق أن هذا ليس بلازم، والأمر قد يكون خلاف ذلك..

إن الآيات والحوادث والكوارث والنذر كثيرة ومتنوعة، فهي بين ريح مدمر، أو موج وفيضان عات، وتارة عبر زلزال مروع، وخسف مهلك، وعواصف مدمرة، أو أمراض مستعصية وأوبئة منتشرة، وتارة عبر حروب طاحنة.

فالزلازل والبراكين والعواصف إلى غير ذلك، إنما هي آيات من آيات رب البرية، هي جند من جنود الله،  {وما يعلم جنود ربك إلا هو} (المدثر: 31) يرسلها الله تخويفا للكافرين وابتلاء للمؤمنين، وعتابا للمقصرين والمذنبين، قال رب العالمين: {وما نرسل بالآيات إلا تخويفا} (الإسراء: 59).

إن ما يقع بالناس من مصائب وخاصة المسلمين، ليس كله عقوبة وعذابا، بل قد يكون منه ما هو رحمة لهم، إما بتطهيرهم في الدنيا ليسلموا من العذاب في الآخرة، وترفع درجاتهم ويزاد في حسناتهم، وإما بإكرامهم بالشهادة ونقلهم من دار الأذى إلى دار النعيم المقيم، كما قال سبحانه: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين} (البقرة: 155- 156 )؛ وفي الحديث الصحيح: “عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له”(رواه مسلم).

وقد يكون اصطفاء واجتباء للبعض يصطفيهم للشهادة يختم لهم بها ويرفعهم إلى مصاف الشهداء؛ فقد أخبر نبينا أن: “صاحب الهدم شهيد”، ففي البخاري ومسلم: “الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله.

وقد يكون إنذارا لأهل المعاصي المصرين عليها؛ وأهل الذنوب المعلنين المجاهرين بها، وقد قال سبحانه: { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} (الشورى : 30) ؛ ولعله تخويف لهم وتحذير لعلهم يرجعون كما قال: {أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون} (النحل : 45).

 ويستحب – عند وقوع الزلازل وغيرها من الآيات العظيمة: أولا أن يهب الناس لنجدة إخوانهم ومساعدتهم في تخفيف مصابهم، ومواساتهم بأموالهم ف “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا”، و”المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه”، “ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته”. فإن لم يسعد الحال فليسعد النطق بالدعاء لهم واللهج إلى الله أن يرفع عنهم ويتقبل شهيدهم، ويشفي مريضهم، ويؤوي مشردهم.

ثم يستحب لكل أحد التضرع إلى الله تعالى، والإنابة إليه، والإقلاع عن المعاصي، والمبادرة إلى التوبة، والاستغفار، قال تعالى: {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا} (الأنعام :43)؛ وقال سبحانه: { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} (الأنفال : 33).

كما يستحب الصلاة والإلحاح على الله بالدعاء، والذكر، والصدقة، وغيرها من الأسباب التي يستدفع به العذاب والنقم.

إن من علامة قسوة القلب ألا تؤثر الزلازل المدمرة في بعض الناس، فيرى أنها مجرد ظواهر طبيعية، وهي وإن كان لها أسباب والتي يجب دراستها والاستفادة من العلوم الحديثة للاستعداد لهل وتجنب آثارها، فهي من الآيات التي يخوف بها الله عز وجل عباده بسبب غفلة العباد ومعاصيهم.

وإنه ليس بين الله تعالى وبين أحد من خلقه إلا العمل الصالح، فإن صلح فهو الفلاح، وإن فسد فهو الخسارة، {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} (النحل :97).

ومن المواعظ التي يستخلصها المسلم أن تكون هذه الحوادث والكوارث سببا لتوبة العبد من جميع ذنوبه ومعاصيه، وتقصيره في طاعة الله، والإنابة إلى الله عز وجل، فمن رأى ما تحدثه الزلازل والفياضانات من دمار وما ينتج عنها من أموات، لا بد أن يستيقظ من غفلته، ويسأل نفسه: ماذا لو كنت أنا ممن ماتوا تحت في هذه الكارثة؟ وعند ذاك يبادر عاجلا بالتوبة والإنابة إلى الله.

فالواجب البدار بالتوبة إلى الله سبحانه، والضراعة إليه، وسؤاله العافية، والإكثار من ذكره واستغفاره، كما قال عند الكسوف: “فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره” (رواه البخاري)، ويستحب أيضا: رحمة الفقراء والمساكين، والصدقة عليهم لقول النبي : “ارحموا ترحموا، الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض، يرحمكم من في السماء”(رواه الترمذي وصححه الألباني).، وقوله : “من لا يرحم لا يرحم”(متفق عليه).