تزداد معاناة المراهقين بصورة عميقة عندما يكون الوالدان مطلقان و منفصلان عن بعضهما البعض، حيث تكون الأزمة أزمتان، والمشكلة مشكلتان، فيضيع المراهق بين التكيف مع مرحلته الحرجة من جهة ومع الانقسام والتشرذم العائلي الذي يزيد الأمور صعوبة. فما هو الحل؟ هل الصداقة والحوار مع المراهق هو الحل في مثل هذه الحالات؟

لا شك أن هذه التساؤلات قد تخطر  مرارا وتكرارا على بال أحد الوالدين المطلقين، انطلاقا من حرصهما على متابعة ابنهما أو ابنتهما، ووعيهما بضرورة البحث عن طرق ووسائل لقيامهما بواجبهما تجاه الأبناء خاصة في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها كل ابن وكل بنت، والتي يحتاجون فيها لكل دعم مخلص من أبوين محبين، حتى وإن لم يتمكن الوالدين من التغلب على مشاكلهما، وكان الطلاق آخر الحلول. بالنسبة للمراهق في هذه الحالة التي تتكرر كثيرا في مجتمعاتنا، غياب أحد الوالدين قد يخلق هزة قوية لدى أي مراهق أو مراهقة.

زاد المسيرة

يحتاج هذا الأمر إلى منهج متكامل يكفل تقديم المعلومات العلمية بصورة مشوقة ومتدرجة حسب المرحلة العمرية، وفي إطار منضبط بضوابط الشرع.

هناك عدة طرق ووسائل متوفرة في الكتب الهادفة ومواقع التواصل وشبكات الانترنت يمكن الاستفادة منها لتجاوز مثل هذه المحن في مسألة التعامل مع المراهقين.

هناك روابط تحمل الكثير من المعلومات والإرشادات القيمة التي ستفيدك ايها الأب وتفيدك أيتها الأم في مراقبة ابنك أو ابنتك المراهقة عن بعد. كل مربٍّ بحاجة إلى هذه الكنوز في أثناء رحلته مع الأحباء الصغار، فاحرص أخي واحرصي أختي على بذل كل جهد مخلص لتحصيل المعرفة اللازمة التي تعتبر زادا لمسيرة طويلة مع الأبناء في هذا الدرب الممتد.

رحلة طويلة

يحتاج الأب في رحلته هذه إلى أن يكون صديقا لابنته المراهقة مثلا، وأن يتعامل معها بكل الحب والمودة والقرب، لأن الكثير من هذه المشاكل ليس له حل إلا بالصداقة، ومن مميزات الصديق المحب لصديقه والأب المحب لابنته الجميلة أن يتحلى دوما بآذان مصغية، وأن يقترب منها دوما من خلال الحوار المستمر الذي يتيح للوالدين التعرف على تفكير الأحباء الصغار، وغذا كانت أبواب الحوار مفتوحة بين الطرفين الأب والبنت، سيشجعها ذلك على أن تخبر والدها بكل شيء يقلقها ويزعجها ويشتت تفكيرها، خاصة المسائل الحساسة التي تتعلق بالميل العاطفي والاختلالات الجنسية. قد  يقول قائل أن مثل هذه المواضيع يجب أن تتكفل بها الأم، وهذا صحيح إلى حد كبير، ولكن ماذا تفعل البنت المراهقة المسكينة التي لم تجد والتها بجانبها نتيجة ظروف عائلية قاسية؟ على الأب أن يتدخل في كل الحالات، ويمسك بزمام الأمور.

وهذه هي المهارات التي يحتاجها الأب و هو يقود خطوات ابنته بحنان الأب عبر سنوات مراهقتها، يحتاج أولا لمعرفة أطر وضوابط الصداقة والحوار مع المراهق حتى يجد آذانا مصغية لمحاولاته، وفي هذا الطريق عليه أن يتخذ من العلامات الآتية ضوابط يرسمها مع ابنته لتحدد لهما دوما اتجاه المسير، وتكون لها كالبوصلة الهادية في صحراء الحياة،

ضوابط الصداقة والحوار مع المراهق

و هذا تلخيص لهذه الضوابط في النقاط التالية:

  1. أن الله سبحانه وتعالى خلقنا مختلفين، خلقنا رجالا ونساء من أجل تحقيق وظيفة من أهم وظائف الحياة؛ ألا وهي عمارة الأرض، والحفاظ على النوع البشري، لقد وهبنا الله سر الحياة، ولكن هذه الوظيفة لن تتم إلا باجتماع رجل وامرأة يربطهما رباط المودة والرحمة والرغبة في تحقيق سنة الله في خلقه.
  2. أن هذه الوظيفة مثل كل الوظائف في الجسم البشري تتم من خلال أحد أجهزة الجسم، هذا الجهاز هو الجهاز التناسلي، وهذا الجهاز يختلف عن باقي الأجهزة الأخرى في أنه مكون من جزأين متكاملين، أحدهما في المرأة، والآخر في الرجل، وتمام نضج هذا الجهاز يحدث في مرحلة معينة تمر بها أي بنت، والتغيرات الحادثة على المستوى الجسماني والنفسي ما هي إلا انعكاس لهذا النضج الجسماني والوجداني.
  3. ولأن الإنسان هو خليفة الله في أرضه، وعليه عبء عمارة هذه الأرض والإصلاح فيها، وجب أن يحاط بالرعاية والعناية والعطف والحنان، ويحصل ذلك تحت مظلة الأسرة التي تحتويه، وتكفل له التنشئة السوية، ولذلك فإن علاقة المودة والرحمة والسكن بما فيها من حميمية لا تكون إلا تحت مظلة الزواج، وذلك لضمان أفضل تنشئة للطفل الوليد.
  4. وحتى يتيسر ذلك لكل فتاة عليها أن تحفظ نفسها -جسدا وقلبا- لمن يستحقه فعلا، ومن يقدر قيمته ويحفظه ويرعاه، ويحصل عليه بحقه.و هذا ما يجب أن تفهمه اي مراهقة، وعلى الأب أن يجد الوسيلة السهلة لإيصاله إلى ابنته.
  5. إذا وصلنا إلى هذه المرحلة يأتي التساؤل الحائر: كيف أتصرف مع القلب الذي بدأ ينبض معلنا عن وجوده؟، على الأب أن لا يحاول التسفيه من مشاعر ابنته، ولا أن يحتقرها، ولكن يناقشها بهدوء عن تصورها لمصير هذه المشاعر: كيف ستتطور؟، وفي أي اتجاه؟، وهل هذا هو الاتجاه الذي ترتضيه لنفسها ويرتضيه لها الله؟، ولا مانع من الاستشهاد بتجارب حياتية، والاستعانة بقصص وحكايات واقعية تحمل الرسائل التي يريد الاب أن تصل إلي ابنته بدون أن تشعر.