انتقل إلى رحمة الله، يوم الثلاثاء 13 يونيو 2023 أحد أبرز شيوخ الجزائر العلامة الشيخ الطاهر آيت علجت عن عمر يناهز 106 سنة. ويعتبر الشيخ واحد من أشهر وأكبر مراجع الفقه المالكي في الجزائر، وقد شغل منصبي رئيس اللجنة الوطنية للفتوى ورئيس لجنة الأهلة والمواقيت الشرعية. كما يعد من الأعضاء البارزين ومن المؤسسين لرابطة الدعوة الإسلامية بالجزائر.

يعتبر الشيخ الطاهر آيت علجت ذو مكانة دينية واجتماعية عالية، وهو الذي تجاوز عمره المئة عام، ولا يزال يستقبل طلابه الذين يتوافدون عليه من جميع أنحاء البلاد.

ويعتبر الشيخ الطاهر آيت علجت قامة شامخة ضمن كوكبة صالحة من علماء الجزائر الذين عاشوا لدينهم ووطنهم وأمتهم، أمثال الشيوخ: أحمد سحنون، أحمد حماني، الشيخ عبد الرحمن شيبان.. والذين خلفوا جيل رواد النهضة الجزائرية الحديثة أمثال الشيوخ عبد الحميد ابن باديس، ومحمد البشير الإبراهيمي، ومبارك الميلي.

ويقول الأستاذ عبد الحميد عبدوس عن الشيخ الطاهر آيت علجت:”هو رمز للعالم الرباني والمربي القرآني، سخر حياته لإعلاء كلمة الله، والدفاع عن الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، وكذلك تعليم ونشر لغة القرآن، اللغة العربية..

ويقول عنه الإعلامي بلقاسم عجاج بأنه واحد من ركائز المرجعية الدينية ورجال الفتوى، وواحد من أنوار الوسطية والاعتدال في الدين، ما إن تراه ترى خلق القرآن الكريم، فهو من طينة القادة، مربي وموجه ومصلح وملهم
ويضيف: وإن تعددت الخصال في الرجل فيبقى منهاجا يقتدى به دون غلو أو تعصب، فقد أوفى الرجل حقه في الرسالة المحمدية والمنهاج الرباني و الغاية الوجودية.

ويقول عنه الإعلامي عثمان لحياني أنه “يغبط في علمه الذي درس ودَرّس وتدارس، وجهاده الذي رافق فيه خيار الناس وشرفاء من الشهداء، وهدوء طبعه الذي يحير، حتى كان أكثر الناس تقبلا من الناس، وأدبه الجم الذي فاق كل تواضع، وزهده الكبير في الدنيا”.

وقد انتشر خبر وفاة الشيخ بسرعة كبيرة، وذلك بناءً على المكانة الكبيرة التي يحظى بها في قلوب الجزائريين، إذ تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى ساحات للترحم عليه والدعاء له.

من هو الشيخ الطاهر آيت علجت؟

هو الشيخ الطاهر آيت علجت الفقيه، اللغوي، المفسر، المحدث، المدرس، المفتي، الإمام الخطيب، ولد عام 1917 في قرية ثاموقرة بني عيدل، كان يمتلك حبًا كبيرًا للعلم والمعرفة منذ صغره، حيث حفظ القرآن الكريم في مسقط رأسه، ومن ثم درس في زوايا مختلفة مثل زاوية سيدي يحي العيدلي وزاوية سيدي أحمد بن يحي أومالو. هناك اكتسب مبادئ العلوم العربية واللغوية.

بعد ذلك، سافر إلى زاوية بلحملاوي في منطقة العثمانية قرب قسنطينة، حيث أكمل دراسته وتخصص خاصة في الفقه وعلوم اللغة والأدب، بالإضافة إلى الرياضيات. حضر أيضًا بعض الدروس من الشيخ باديس في قسنطينة.

بعد عودته إلى ثاموقرة، كان التركيز الأساسي للشيخ آيت علجت هو التعليم والتدريس والإفتاء. توافد عليه طلاب العلم والمعرفة من جميع المناطق، بدءًا من بجاية على الساحل وصولًا إلى الهضاب العليا في الداخل، ومن حوض الصومام إلى جبال البابور.

مساره الديني والعلمي

حفظ الشيخ الطاهر آيت علجت القرآن الكريم على يد والده، وهو في الحادية عشر من عمره، ثمّ أوكله إلى ثلاثة من شيوخ ثامقرة، أوّلهم الشّيخ الصّالح أوقاسي (المتخصّص في القراءات العشر) تلقّى شيئًا منه إلى جانب مبادئ العلوم الشّرعية والنّحوية، وثانيهم الشّيخ محند وعلي والطيب، أمّا ثالثهم فهو الشّيخ الطيّب اليتورغي. بعد ذلك ومثلما يؤكّد تلميذه محمّد الصّغير بن لعلام، ألحقه والده بزاوية سيدي أحمد أويحيى بأمالو، وهي لا تبعد عن ثامقرة، وعمره 12 سنة، فدرس على شيخين جليلين من كبار علماء المنطقة، بل من كبار علماء الجزائر، مدّة 4 سنوات، أوّلهم الشّيخ لحلو الخياري (كان حجّة في الفقه المالكي وفي القراءات)، والثاني هو العلاّمة الشّيخ السّعيد اليجري (أحد مؤسسي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) مختلف فنون العلم كالفقه واللغّة والصرف والبلاغة والفلك والحساب.

ثمّ شدّ الرِّحال إلى زاوية سيدي الشّيخ بلحملاوي بوادي العثمانية قرب قسنطينة، حيث أتمّ هناك دراسته الشّرعية من فقه ولغة، كما تعدّاها إلى غيرها من العلوم كالحساب والفلك، بالإضافة إلى العلوم الإنسانية كالتاريخ والجغرافية وغيرها، على يد خمسة شيوخ كلّهم زيتونيون، ثلاثة منهم تونسيون هم: الشّيخ مصباح الحويدق والشّيخ محمد والشّيخ محمود قريبع، وجزائريان: الشّيخ السّعيد اليعلاوي والشّيخ أحمد البسكري.

عقيدة أهل السنة والجماعة

الشيخ الطاهر آيت علجت ينتمي إلى عقيدة أهل السنة والجماعة، وهي إحدى المذاهب الرئيسية في الإسلام، حيث أن عقيدة أهل السنة والجماعة تستند إلى القرآن الكريم والسنة النبوية، وتعتبر الاعتقاد بتوحيد الله واتباع سنة رسول الله من الأمور الأساسية في هذه العقيدة، التي تعتمد أيضًا على الاجتماع والاتفاق على المنهج السلفي والاستمداد من المرجعيات الشرعية المعتبرة في فهم الإسلام وتطبيقه في الحياة اليومية.

ويحرص الجزائريون على اتباع هذه العقيدة والالتزام بسنة النبي محمد في العبادات والأخلاق والقيم، ويعتبرون العلماء المعتبرين في الفقه والتفسير والحديث مصادر موثوقة لفهم الدين.

أخلاقه وتعامله مع الناس

يقول الاستاذ عبد الحميد عبدوس في حديثه عن الشيخ الطاهر :”عرفت العلامة الجليل الشيخ محمد الطاهر آيت علجت – حفظه الله – طلق المحيا، باشا عند اللقاء، جم التواضع، راسخ العلم، رطب اللسان بذكر الله، سباقا إلى بذل الكلمة الطيبة، وكلما التقيته تذكرت  مقولة سيد التابعين الحسن البصري–  رحمه الله – الذي كان أسمر البشرة، قريبا إلى السواد، ولكن عليه بهاء النور، وإجلال من ربه، وضعه في وجه الحسن البصري، فكان الناس يقولون له: عهدناك أسمر البشرة، ما هذا النور الذي يتلألأ من وجهك يا أبا سعيد؟ فيقول: “نحن قوم خلونا بالله في ظلمات الليل، فكسانا من جماله وجلاله.

ثورة في مجال التربية والتعليم

حقق الشيخ آيت علجت ثورة في مجال التربية والتعليم، حيث أصبح طلابه وتلاميذه ينضمون إلى جامع الزيتونة في تونس لمواصلة تعليمهم وتحصيلهم، وقد تفوقوا في دراستهم. تبنى نظام الدراسة المتطور الذي طبقه في معمرة ثاموقرة، والذي يتوافق مع النظام الزيتوني في تونس، ونظام معهد عبد الحميد بن باديس، ومعهد الكتانية في قسنطينة.

تخرج العديد من طلابه الشيخ آيت علجت وأصبحوا روادًا في مجال التربية والتعليم في قرى المنطقة بأكملها. وشاركوا بفعالية وتأثير في النضال الثقافي، مساهمين في نشر المعرفة والقيم في المجتمع.

مسيرة التدريس و زاويته ”ملاذ المجاهدين

عاد الشيخ الطاهر آيت علجت إلى قريته ثامقرة وهو في العشرين من عمره، عالمًا متكاملاً أُهِّلَ لأن يتبوّأ مقعد الأستاذية ويعتلي كرسي المشيخة للتّدريس، وأوّل ما قام به هو العمل على إحياء زاوية جدّه الّتي هدّمها الاستعمار، وكان له ما أراد بالتّعاون مع سكان ثامقرة، ووقع ذلك – يضيف الأستاذ بن لعلام- في 1937م، فاستأنف هذا المعهد العتيق الّذي أسّسه العالم الربّاني الوليّ الصّالح سيدي يحيى العيدلي في القرن التاسع الهجري، نشاطه في تحفيظ القرآن الكريم وتدريس العلوم الشّرعية واللّغوية والقراءات والحساب.. ففاضت شهرته العلمية وحسنت سمعته، فأقبل عليه الطلبة زرافات ووحدانًا، ليس من أهل المنطقة فحسب، بل من المناطق المجاورة. وأنشأ الشّيخ الطّاهر نظامًا خاصًا بزاويته شبيهًا بنظم المعاهد الإسلامية الكبرى، وكان تلامذته يلتحقون بالزيتونة بزاد من العلم والأدب يشرف زاويتهم والقائم عليها.

وبعد السّمعة الطيّبة الّتي تركها الشّيخ في نفسية الطلبة، تحوّلت زاوية جدّه سيدي يحيى العيدلي إلى ملاذ وملجأ لكثير ممّن تبحث عنهم السّلطات الاستعمارية، حيث كانوا يتوافدون على الزاوية الّتي أضحت مؤسسة دينية واجتماعية وخيرية مفتوحة لكلّ للطّلبة والزوار.

التعليم الثانوي بعد الاستقلال

سافر إلى تونس في أواخر 1957 وكان يتولى منصب القاضي الشرعي لجيش التحرير آنذاك، بالإضافة إلى الإشراف على النشاط التعليمي للطلاب الجزائريين هناك، ثمّ انتقل إلى طرابلس الغرب بليبيا حيث عُيّن عضوًا في مكتب جبهة التحرير هناك، فبذل الشّيخ قصارى جهده إلى أن استقلّت الجزائر.

بعد الاستقلال وفي سنة 1963 عاد إلى الجزائر، وعيّن أستاذا بثانوية عقبة بن نافع بالجزائر العاصمة، ثم بثانوية عمارة رشيد في بن عكنون، إلى أن أحيل على التقاعد سنة 1978.

ثمّ وبطلب من وزارة الشؤون الدينية، عاد إلى نشاطه المسجدي، ليمارس دروس الوعظ والإرشاد وخطابة الجمعة بمسجد الغزالي بحي حيدرة وغيره من المساجد. يعدّ الشيخ من الأعضاء البارزين ومن المؤسسين لرابطة الدعوة الإسلامية بالجزائر.

تلاميذه

تخرّج على يدي  الشيخ الطاهر آيت علجت جملة من الطلبة، وإلى غاية وفاته كان عطاؤه لا حدود له، يحيث كان يعقد دروسا في الفقه والنحو وفن القراءات وغيرها من العلوم الشرعية بمسجد بوزريعة الجديد(مسجد الإمام مالك بن أنس) مكان إقامته. و من أبرز تلاميذه:

  • الوزير السابق مولود قاسم نايت بلقاسم
  • الأستاذ الدكتور محمد الشريف قاهر
  • الشيخ أبو عبد السلام.

مؤلفاته

له مؤلفات كثيرة، وقبل وفاته كان بصدد كتابة مذكرات تروي تاريخه وتاريخ الثورة الجزائرية، وتقييمه للأحداث ومواقفه عبر مسيرته الرائدة. ومن آثاره المكتوبة والسمعية:

  1. تسجيل صوتي لشرحه لرسالة ابن أبي زيد القيرواني.
  2. تقريظ لكتاب ملتقى الأدلة الأصلية والفرعية الموضحة للسالك فتح الرحيم المالك تأليف الشيخ محمد باي بلعالم إمام ومدرس بأولف، ولاية أدرار.
  3. مختارات سلسلة شرح الموطأ
  4. شرح ترتيب الفروق
  5. شرح متن الرحبية
  6. شرح كتاب الرسالة لابن أبي زيد القيرواني
  7. شرح متن الرسالة إلى باب الضحايا

خادم اللغة العربية

قبل سنوات بادرت “جمعية الكلمة للثقافة والإعلام” التي يترأسها الشاعر والإعلامي عبد العالي مزغيش بتكريم الشيخ آيت علجت بـ “وسام خادم اللغة العربية”، بمناسبة اليوم العربي للغة العربية المصادف للفاتح من شهر مارس من كل سنة . وذلك بحضور بعض رفقاء الشيخ الطاهر من علماء وأساتذة وشخصيات ثقافية ممن تتلمذوا على يده، والذين أجمعوا على الإشادة بالإسهامات الكبيرة التي قدمها العلامة آيت علجت في سبيل إعلاء كلمة الإسلام، واللغة العربية.