من المفاسد التي انتشرت عن طريق الإعلام وشبكات التواصل ظاهرة نشر الإشاعات والأخبار الكاذبة أو المحورة حيث يستخدم الإعلام ما يسمى بالهندسة الإجتماعية لتحوير الأخبار لتبدو أكبر من حجمها ولتهيئة الناس خطوة بخطوة للوقوع في المشاحنات بإثارة الغضب من صغار الأمور. وربما يمكننا تشبيهه ذلك بتدوير الحقائق لتحقيق أغراض معينة، تماما كما يفعل بتدوير النفايات لإعادة إستخدامها في أغراض مختلفة. ولا شك أن هذا عمل مذموم ويؤدي إلى وقوع الفتن بين الناس وإشعال الخصومات. بل قد يصل الأمر إلى إثارة الحروب والمشاحنات على نطاق الدول والمجتمعات.

وقد لاحظنا في السنين الأخيرة وجود قنوات منشأة خصيصاً لهذه الأغراض الدنيئة، والتي أدت إلى مشاحنات بين المجتمعات فمثلا منهم من ينزل مقاطع لأفراد لا يمثلون شعوبهم، ويتكلمون بكلام يثير حفيظة أهل أحد البلدان كالشتم أو الانتقاد الحاد، وينشر هذه المقاطع ثم تبدأ تبادل الشتائم والمناحرات بينهم. والأسوأ هو وقوع أفراد البلد المعني في الفخ وتصديقهم لهذه الشائعات ونسيان أن الأفراد لا يمثلون الشعوب بأكملها وأن كل شخص لا يمثل إلا نفسه. فينسوا أو يتناسوا أخوة الإسلام والنهي عن النميمة والفتن ونشر الأخبار الكاذبة والمشاحنات ويستجيبون لتلك الفتن بالعداوة وإبراز الشر ورفع مقاطع معادية للرد ويكون فيها ردود قاسية وطغيان بالشر. فكان على هؤلاء التريث والبحث عن الخبر وعدم تحميل شعب كامل خطأ أحد أفراده. قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (الحجرات: 6). والنميمة عمل خبيث وعقابها الحرمان من دخول الجنة. وذلك لأنها تقود إلى الفتنة التي تفسد تماسك المسلمين ووحدتهم. قال رسول الله : “لا يدخل الجنة نمام” (أخرجه مسلم).

وقد كان السلف رحمهم الله يتهيبون من اغتياب الناس وإيقاع النميمة بينهم. قال ابن الجوزي رحمه الله عن سعيد بن جبير رضي الله عنه: “يؤتى بالعبد يوم القيامة فيدفع له كتابه، فلا يرى فيه صلاته ولا صيامه، ولا يرى أعماله الصالحة؛ فيقول: يا رب هذا كتاب غيري، كانت لي حسنات ليس في هذا الكتاب فيقال له: إن ربك لا يضل ولا ينسى ذهب عملك باغتيابك الناس” (1) . وقال : “كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه، وماله، وعرضه” (متفق عليه) .

ويجب العلم أن معظم من ينشرون هذه الفتن مرتزقة مأجورون من جهات معادية للإسلام، وبعضهم جهلاء لا يعرفون فن الخطابة فيطلقون ألفاظ قد لا يقصدون معناها وكثير منهم منافقون يريدون الإضرار بالمسلمين، ونفوسهم خبيثة تستمتع بإشعال الفتن وتفكيك شمل المسلمين. فلا تجد مؤمن خالص الايمان يقدم على إشعال الفتن. بل جاء في الأثر قولهم: (التمس لأخيك بِضعًا وسبعين عُذرًا). وهذا وإن لم يصح كحديث، ولكن هناك حديث يحمل معنى قريب منه وهو: “جاء رجلٌ إلى النبيِّ ، فقال: يا رسولَ اللهِ، كم نعفو عن الخادمِ؟ فصمَتَ، ثم أعادَ عليه الكلامَ، فصَمَتَ، فلما كان في الثالثةِ قال: اعفُوا عنه في كل يومٍ سبعين مرةً” ( صحيح أبوداود) . فنجد السلف كانوا يتسامحون فيما بينهم، ولا يشعلون الفتن، ولا يثيرون المشاكل من صغائر الأمور كما نراه يحدث الآن في شبكات التواصل الاجتماعي بين المسلمين من تنابز وتناحر من أتفه الأسباب.


الفتن من منظور مقاصد القرآن الكريم

  • إشعال الفتن ينشر السباب والعداوة بين المسلمين. وهذا أمر مذموم ونهي عنه القرآن الكريم، حيث قال تعالى: { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات : 10). وقال : “(“لا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا تنافسوا، وكونوا عباد الله إخوانا” (صحيح مسلم) . ولذا فهي أمر يتناقض مع مقصد تهذيب الأخلاق ومقصد التشريع.
  • إشعال الفتن يفكك تماسك المجتمع، ويتناقض مع مقصد سياسة الأمة.
  • النميمة تمنع من دخول الجنة، ومن يفعلها لا يبالي بالوعيد ويتناقض هذا مع مقصد المواعظ، والانذار، والبشير، والوعيد.


النصائح والضوابط المقترحة

حري بنا التحري عن الأخبار والبحث عن مصادرها وهل هذه المصادر موثوق بها أم لا، قبل التسرع في الحكم عليها. ويجب عدم الأخذ بما يقال في شبكات التواصل الإجتماعي كمصدر للأخبار، بل ربما يمكن الاستئناس به في أخذ العناوين والبحث الجاد عنها في المصادر الموثوق بها. وحتى وإن صحت الأخبار يجب البحث في أصولها وإن كانت محورة أو زيد فيها أو نقص أو تمت إعادة كتابتها لتعطي إيحاءات معينة والتي قد تثير حفيظة فئات أو جنسيات وبلدان معينة.

يجب ألا تؤخذ الأمور الصغيرة والشائعات كأسباب للتناحر بين الشعوب، لا سيما الإسلامية التي يربطها رباط الدين وأخوة الإسلام. وعلى المسلمين تذكر القاعدة التي تقول بأن كل شخص لا يمثل إلا نفسه.