الخطّاط العالمي السوري عبيدة محمد صالح البنكي من أشهر الخطاطين في العالم، له كثير من المعارض والمشاركات في الخط على مستوى العالم العربي والإسلامي، كما نال العديد مِن الجوائز العالمية في الخط. وهو الذي قام بخط مصحف قطر و كذلك الإصدار الخامس والأخير من العملة القطرية.

ولد البنكي في دير الزور عام 1964، وهو يحمل إجازة في الهندسة الزراعية، متزوج ولديه 4 أطفال. منذ طفولته شغف بفن الخط، وقبل أن يجلس على مقاعد الدراسة في مدينته، دير الزور في سوريا، كان يسعى لدخول المدرسة مع والده المدير ليراقب حركة يد أحد المعلمين الذي يتقن الخط، كيف يكتب، وكيف يستخدم القلم والحبر، وكيف تخرج من بين يديه لوحات حروفيّة. ومنذ تلك السنوات في ستينيات القرن الماضي، اكتشف عبيدة البنكي عشقه لفن الخط.

ومما ساعده وشجّعه في بداياته، وجود مكتبة لدى والده مليئة بالمراجع المختلفة، تحوي عناوين موقّعة باسم كبار الخطاطين، أمثال محمد بدوي الديراني وهاشم محمد البغدادي وسيد إبراهيم، وكان يجهد على تقليد تلك العناوين.

شغل عدة مناصب خلال حياته العملية، وهو عضو مؤسس لجمعية الخطاطين السوريين، وعضو مؤسس لجماعة الخط العربي في السعودية. وفي مسيرته وتجربته مع هذا الفن مرّ البنكي بمراحل ومحطّات تنقّل فيها بين عدة بلدان، فصقل الموهبة وحصّل الإجازة وأتقن الحرفة. ومن بواكير أعماله : خطه لكتاب الأمثال الفراتية ل أحمد شوحان .وقد أدرك أن الخط وتعلمه يحتاج شيوخا وأساتذة، فاهتدى إلى أستاذيه أحمد الباري ومحمد القاضي، أخذ عنهما الأصول في فن الخط، قبل أن يشد الرحال إلى استطنبول  التركية ليزداد معرفة وخبرة .

حصل “البنكي” على إجازة مِن شيخ الخطاطين في تركيا الشيخ حسن جلبي، الذي تتلمذ على يديه في مدينة إسطنبول، التي شارك فيها عام 1986 بمسابقة مركز “أرسيكا” للخط، وأحرز المركز الثاني في خط النسخ. ومن أشهر تلامذة البنكي الأستاذ حسام المطر.

البنكي ومصحف قطر

له كتاباتٌ لـ بعض أجزاء مِن المصحف، ولم يكتب القرآن كاملاً إلا مِن خلال مسابقة دولية لـ (مصحف قطر)، طرحتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القطرية، عام 2001، وأحرز “البنكي” المركز الأول وكتب المصحف، الذي استغرقت كتابته نحو 3 سنوات.

ويعد “مصحف قطر” أول مصحف في العالم يكتب من خلال مسابقة دولية في الخط العربي مُحكّمة عالمياً وتنافس فيها 120 خطاطا من العالم الإسلامي..وكانت ولا تزال تلك المسابقة أكبر وأضخم مسابقة في تاريخ الخط العربي. وشُكلت لجنة تحكيم فنية عالمية لاختيار الأفضل من بين الخطاطين والأضبط من حيث قوة الكتابة وإتقان قواعد الخط، ليستحق الخطاط السوري عبيده البنكي المركز الأول ويتشرف بكتابة مصحف قطر.

وبعد رحلة طويلة من الكتابة والتدقيق والطباعة والمراجعة والتصويب، عبر لجان متعددة جاء مصحف قطر ليروي في كل صفحة من صفحاته قصة العناية والرعاية لكتاب الله تعالى، وليظهر المصحف فيما بعد آية في الفن والضبط والرسم وكتابة الآيات.

وروي الخطاط عبيدة البنكي للصحفيين في جناح مصحف قطر تجربته في كتابة المصحف حيث وصفها بأنها كانت تجربة ثرية كونها مرتبطة بكتاب الله الكريم وجاءت عقب مسابقة دولية شهدت منافسة قوية بين الخطاطين حول العالم.

ثمان ساعات للصفحة الواحدة

ويقول البنكي عن مسابقة مصحف قطر ومراحل وكيفية كتابته “في التصفية الأولى للمسابقة، فاز سبعة خطاطين من بين هؤلاء المدعوين. وفي التصفية الثانية، فاز اثنان كنت أحدهما، وكتب كل منّا المصحف كاملاً، وبعد التحكيم والمفاضلة، فزت بشرف كتابة “مصحف قطر”، وقد طبعت منه ثلاث طبعات، الأولى عام 2009 والثانية في 2011 والثالثة في 2015”.

ويوضّح أن كتابته المصحف استغرقت نحو ثلاث سنوات ونصف السنة من العمل المتواصل، وأنه كان يقوم بدراسة الصفحة من المصحف، ثم يكتب الصفحة بالقلم العادي مسودة، وبعدها يكتبها بالشكل النهائي، ثم يبدأ مرحلة تصحيح الحروف وتنظيفها ووضع علامات الشكل والضبط على الحروف، وتستغرق الصفحة الواحدة نحو ثماني ساعات من العمل المتواصل.

الإصدار الخامس من العملة القطرية

وعبّر الخطّاط العالمي عبيدة صالح البنكي خطاط مصحف قطر وخطاط الإصدار الخامس من العملة القطرية عن سعادته بكتابة خطوط العملة الورقية القطرية الجديدة.. مشيرا إلى أن مُساهمته في الإصدار الجديد للعملة إنجاز جديد يُضاف لإنجازه السابق المُتمثل في كتابة مصحف قطر.

البنكي حاصل على وشاح الاستحقاق من حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى وقت تدشين مصحف قطر، وفي لوسائل إعلام قطرية  قال البنكي إنه استخدم في كتابة العملة الجديدة 4 خطوط هي (الثلث والمحقق والإجازة والنسخ)، مردفاً أنّه اختار خط الثلث على سبيل المثال باعتباره أم الخطوط ويدل على الاحتشام والوقار.

وتابع “بينما يعتبر الخط المحقّق مِن أجمل الخطوط وهو خط يتسم بالرزانة وهو غير متداخل الحروف ويُكتب على إيقاع واحد وكان قديماً يُعتبر مقياساً لـ بقية الخطوط ونشأتها”، مضيفاً أنّ خط الإجازة كان يُكتب به ختام الكتب وتدوينة الملاحظات الأخرى بها، بينما خط النسخ فكان مِن الخطوط السريعة الذي تُكتب به الكتب والمصاحف”.

وأشار البنكي إلى أن جميع الخطوط التي كُتبت العملة القطرية الجديدة بها تتسم بالجمال، علاوة على السهولة والوضوح في القراءة، لافتاً إلى أنّ الخط المُستخدم في العملة المتداولة حاليا هو خط الديوان وكان مِن أسرار الدولة في العصور القديمة ولم يكن يَعرف رموزه سوى خطّاطي الديوان، ولم يكن بمقدور عامة الناس قراءته إلى أن تم فك رموز هذا الخط في العصر الحديث.

وفيما يتعلّق بعبارة “مصرف قطر المركزي” المدوّنة على العملات الجديدة، قال إنه كتبها بخط الثلث، بينما كُتبت فئات العملات بخط المحقق، وعبارة “ورقة نقدية مضمونة القيمة” بخط الاجازة وعبارة “حاكم مصرف قطر” وعبارة “وزير المالية” بخط النسخ، موضحاً أنّ هذه الخطوط والعبارات مكرّرة في جميع فئات العملة القطرية بما فيها الفئة الجديدة الـ 200 ريال.

من المدرسة العراقية إلى التركية

كان البنكي يميل في بداية حياته إلى المدرسة العراقية في الخط، والتي كان يمثّلها الأستاذ هاشم البغدادي، ثم تحوّل إلى مدرسة الخطاط التركي محمد شوقي، وهي مدرسة تتميز بالقوة وإتقان القواعد وضبط الخط، كما تُركز على جماليات الكتابة، وتحرص على إبراز الجوانب الفنية التي ترقى بفن الخط العربي .

يجيد البنكي كتابة معظم الخطوط العربية، إلا أنه وفي الآونة الأخيرة جعل تركيزه على خطوط الثلث والنسخ والتعليق. ويستعمل الأدوات التقليدية في الكتابة، فالقلم هو قلم تقليدي يسمى (ريشة السلاية)، والحبر يُصنع يدويا وهو أجود لكتابة المصاحف من الحبر التجاري، لأنه يتميّز برقته وجريانه، وإمكانية تصحيحه دون خدوش أو تقطعات في الخط.

وقد تم إيفاد الخطاط عبيدة البنكي إلى مصر للقاء فضيلة الشيخ الدكتور أحمد عيسى المعصراوي رئيس لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف لختم النسخة الأصلية من المصحف الشريف لحماية حقوق النشر، منعا من التلاعب بها مستقبلا، وإجراء التصحيحات والتصويبات النهائية على النسخة الأصلية، ومن ثم المغادرة إلى تركيا لمتابعة أعمال طباعة المصحف.

الخط بعد منتصف الليل

يقول البنكي أنه يتعامل مع الحرف كأنه “روح تشعّ نورا”، حيث يكتب الخط بعد أن يوفر الجو الهادئ لذلك، فيقول: “غالبا ما أختار الأوقات المتأخرة من الليل، ساعات الصفاء والتركيز الذهني العالي، لاعتقادي أن ذلك ينعكس على الخط والعطاء”.

ويرى عبيدة البنكي أن فن الخط الحروفي كتابة قد لا يكون لها معنى، بل “تأخذ اللوحة قيمتها الجمالية من الكتل والأبعاد واللون”، على عكس “اللوحة الكلاسيكية التي قد تأخذ عبارة لشاعر أو حكمة أو آية قرآنية”. ويؤكّد على أن الخط مثل الرياضة يحتاج إلى تدريب يومي، ويستشهد بقول أحد الخطاطين: “إذا عرضت عليّ خطوطي، أميّز ما كتبته يوم السبت مما كتبته بقية أيام الأسبوع. لأني أتوقف عن الكتابة يوم الجمعة، فيكون خطي يوم السبت أقل مرونة من بقية الأيام”.

ويلاحظ البنكي، أن هناك اهتماما عربيا بالخطّ في الآونة الأخيرة، على صعيد الأفراد لا المعاهد والمؤسسات، ويقول إن الأمر ليس كذلك في البلدان الإسلامية الأخرى غير العربية.