هل من الطبيعي أن ترى شباباً مسلمين من الجنسين وفي بلاد المسلمين، تسألهم عن عدد ركعات صلاة المغرب، فيتلعثم البعض، ويتردد آخر، ويخطئ الباقي؟!

هل من الطبيعي أن لا يدري كثير من المسلمين، لاسيما الجيل الشاب، عدد أركان الإسلام؟

هل من الطبيعي ألا يعرف الناس أسماء الأنبياء؟

هل من الطبيعي ألا يشعر كثير من المسلمين عن معاناة مسلمين آخرين في مشارق الأرض ومغاربها ؟

هل من الطبيعي أن يعيش جيل مسلم شاب على تفاهات الأشياء والأولويات في فوضى عارمة عنده؟

هل وصلنا إلى مرحلة غربة الإسلام أو صار الإسلام غريبا؟

هل نعيش زمن اختفاء الإسلام بحيث لا يبقى منه سوى كلمة التوحيد؟

الأسئلة لا تنتهي ..

  * نعم، الأسئلة لا تنتهي ولكن الأمر لا شك أنه مؤلم أولاً، ومن ثم مخيف ومحبط في الوقت نفسه ثانياً، ويدعو بالتالي إلى كثير تأمل وتدبر ثالثاً، ثم رابعاً وأخيراً، أهمية أن يتحول ذلكم التأمل والتدبر إلى برامج وخطط عملية واقعية، تصحح تلك المشاهد وتعيدها إلى طبيعتها، عبر آليات ووسائل وجهات رسمية تنفذها وأخرى شعبية تعاونها.

      شخصياً لا أريد ولا أتمنى أن يكون هذا الزمن الذي نعيشه هو ما حدّث به الصحابي الكريم حذيفة بن اليمان، رضي الله عنه، عن الرسول الكريم، ، وهو يصف مشهداً مؤلماً وغريباً في الوقت نفسه وسيصل إليه المسلمون حتماً في زمن ما، حيث لا يعرف الناس حينها ما الإسلام، فضلاً عن معرفة أحكامه وشرائعه وتفاصيل أخرى !

فماذا قال حذيفة في رواية له عن الرسول الكريم، ؟

   قال :» يُدْرَسُ الإسلامُ، كما يُدْرَسُ وشْيُ الثوب، حتى لا يُدْرَى ما صيامٌ ؟ ولا صلاة ولا نُسك ولا صدقة، ويُسْرَى على كتاب الله في ليلة، فلا يبقى في الأرض منه آية، وتبقى طوائف من الناس، الشيخُ الكبيرُ، والعجوزُ يقولون: أدركْنا آباءَنا على هذه الكلمة، يقولون : لا إله إلا الله، فنحن نقولها ..» إلى آخر الحديث.

أي أن الإسلام سوف يُدْرسُ كما يُدْرسُ وشْيُ الثوب، أي تنمحي آثاره وتعاليمه كما تنمحي نقوش الثوب مع الزمن وتختفي.

*   الشاهد من الموضوع أن التساؤلات المطروحة في مقدمة المقال، لا يمنع مانع من ربطها بهذا الحديث، واعتبارها مؤشرات على أننا ربما نعيش فعلاً هذا الزمن الذي تحدث عنه الرسول الكريم، أو ربما نكون في بدايات تشكّل هذا الزمن أو العهد الذي ستنمحي آثار وتعاليم الإسلام فيه.

التقنية في خدمة الإسلام   

حرفياً لا شيء يمنع أن يكون هذا الزمن هو المعني في الحديث، ولكن سيكون غريباً بعض الشيء. وجه الاستغراب يأتى من كيفية وصول مسلم إلى مستوى معرفي هابط لا يدري فيه عن الدين سوى لا إله إلا الله، بل ربما لا يدري إن كان مسلماً أو ماذا يعني أن يكون مسلماً، في وقت نشهد طفرة علمية معرفية وتقنية غير مسبوقة في تاريخ البشرية، والمرشحة لأن تتطور سريعاً سريعاً في قادم العقود وليست القرون، وبشكل لا يعلم مداها إلا الله.

  اليوم مثلاً، ومن بعد ثورتي التقنيات والمعلومات اللتين بدأتا منذ أكثر من عشرين عاماً، صار أمر التعليم والتعلم أكثر يسراً وسهولة، والبحث عن المعلومة لا تأخذ منك جهداً كالذي كان قبل ثلاثة أو أربعة عقود مثلاً، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي أبرز مؤشرات هذا التطور المتسارع.. فكيف والحال المعرفي والتقني هكذا، ويحدث للمسلمين ما يحدث من جهل بالدين وحقائقه وأساسياته ؟

كتاب مغلف بلون بني مع رمز الهلال والنجمة، موضوع على سطح خشبي، يرمز إلى الثقافة والتاريخ التركي.

  كيف لمسلم أن يصل إلى ذلكم الفقر المعرفي فيما يتعلق بدينه، واليوم بفضل الله ثم التقنيات المعلوماتية والتواصلية، صار جُل العالم يعرف عن الإسلام والمسلمين أكثر مما مضى، وصار أمر البحث أو الوصول إلى معرفة الإسلام غاية في السهولة، ويحصل الباحث على مبتغاه في أي زمان وأي مكان؟

   لقد اهتدى الآلاف إلى هذا الدين بفضل التقدم العلمي والمعرفي الذي نعيشه الآن، ثم صارت تتعلم وتتفقه ذاتياً في الدين عبر هذه الوسائل، دون حاجة للتواصل البشري مع أساتذة وعلماء وفقهاء وغيرهم ممن لهم علم ودراية بالدين وتفاصيله، إلا بعد حين من الزمن.

المسلمون يجهلون دينهم

أيُعقل بعد كل هذا وفي ظل هذا التقدم المعرفي المذهل أن يجهل المسلم أبسط أساسيات دينه؟

نعم، يمكن أن يصل المسلمون إلى هذا المستوى الهابط في معرفة دينهم، والرسول الكريم لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحيٌ يوحى. ولا شيء يمنع حدوث ما أخبرنا به ، وإن كان في اعتقادي رغم ذلك، يحتاج الأمر لبعض الوقت، لكن لا أظنه طويلا !

   لو تتأمل معي وتمعن النظر في تلك الجهود المستمرة النشطة، والخطط المحكمة، التي تُبذل هنا وهناك لسلخ المسلمين عن دينهم وعقيدتهم وثقافتهم في مواقع جغرافية شتى، لاسيما العربية منها، وإغراقهم بشتى الملذات والملهيات أو المنغصات والمشكلات، حتى رأينا فعلياً مسلمين لا يدري أحدهم عن دينه سوى لا إله إلا الله في مثل هذا الوقت من التقدم العلمي والمعرفي والتقني البشري الهائل، لوجدت أن من كُنّا نعتقدهم المقصودين في أحاديث آخر الزمان والذين سيأتون بعد قرون عدة أو آلاف السنين من الآن، ما هم إلا نحن مسلمي اليوم !

  ماذا يعني هذا؟

يعني أهمية التنبه لخطر مشهد يُراد له أن يتجسد على أرض الواقع، وقد بدأت آثاره بالظهور فعلياً، ومن المحتمل أن تتعمق أكثر فأكثر ما لم نتدارك هذا المشهد ونصححه. نحن اليوم في خطر اتساع دائرة الجهل بالدين، رغم التقدم العلمي والمعرفي والتقني الهائل، والتي من المفترض أن تزيد مستخدميها علماً ونوراً وفهماً، لكن الواقع الحالي للمسلمين يقول غير هذا.

   علماء وفقهاء الدين توزعت بهم السبل ما بين اتجاه البعض للانزواء والبحث عن الأمان، أو تورط قسم آخر مع القصور ودواوين السلاطين، أو قسم ثالث أراد الإصلاح، فوجد نفسه في غياهب السجون والمعتقلات، وقسم رابع أخير صار ضررهم أكثر من نفعهم. بينما في الوقت ذاته ينتشر دعاة على أبواب جهنم،  وتنتشر وتتراكم الأفكار الفاسدة والفلسفات والملهيات هنا وهناك، عن أيماننا وشمائلنا، ومن فوقنا وتحتنا، بل من كل اتجاهات أرضنا !

فاللهم قنا شر الفتن، ما ظهر منها وما بطن. وعلّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما.