كيف يمكن للمسلم أن يسمو بروحانياته بعد رمضان ليكون قريبًا من الله؟ ما هي أكثر الأعمال التي تقربنا من الله؟ وكيف يمكن للإنسان المسلم أن يجعل أهل بيته جميعًا على مقربة من الله عز وجل؟ مع العلم بأنه تأتي لحظات على المسلم يزداد فيها الإيمان ويقترب من الله ولحظات أخرى يفتر إيمانياً. فكيف يرتقي المسلم بإيمانه بعد رمضان؟ وكيف يمكننا الحفاظ على الحد الأدنى من القرب من الله؟. هل من طريقة أو جدول يومي يضعه المسلم أمام عينيه كي لا يضيع في دوامة الحياة؟

إن النشوء على طاعة الله فضل ومنة ربانية، ففي الحديث، قول النبي صلى الله عليه وسلم:” إن من نعمة الله على الشاب أن ينشأ في طاعة الله”، ولكن الله سبحانه وتعالى قد يمن على عبادة الصالحين بالإخلاص التام له سبحانه، والتوحيد الخالص، وبالتطبيق النافع، فتتغير قلوبهم من الفساد إلى الصلاح، ومن البعد إلى القرب، فيلقون ربهم في روح وريحان ورب غير غضبان.

فإن مدار الإيمان على التوحيد الخالص لله سبحانه كما أن هناك مبدأ إيمانيًّا عظيمًا هو قوله تعالى “وأن ليس للإنسان إلا ما سعى”، فالمرء لو ترك نفسه نهبة لتقلبات الحياة لن يفلح أمره، وإذا أهمل قلبه لن تطهر ذاته، فعليه إذن أن يراعي أحوال قلبه كل ساعة، ويعلم أنه وحده المسئول عن ذنبه أمام ربه.

ولمعرفة كيف يرتقي المسلم بإيمانه بعد رمضان؟وبشكل عام هناك خطوات أساسية لمن أراد التقرب من الله عز وجل بعد رمضان:

أولاً:لا إله إلا الله من قلب مخلص.

ثانيًا: متابعة تامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثالثًا: تعهد ومراعاة وعلاجات دائمة للقلب المتقلب.

رابعًا: تبتل وخلوة بالله سبحانه وتعالى.

خامسًا: بذل وعطاء بالمال والجهد بنية صالحة، وعليه أن يدعو الله تعالى دومًا بالثبات على ذلك.

جدول الصالحين

أما بخصوص الجدول اليومي، فهناك جدول الصالحين الذين كانت لا تخطئ لهم فراسة، ولا تخرج منهم نابية، ولا يغفلون عن طاعة:-

فأول ذلك أن يرتب المرء منا وقته على حسب عبادته وليس على حسب انشغالاته، فالفرائض الخمس هي خمس بأمر الله والذين يجعلونها أربعة أو ثلاثة فيضمون بعضها إلى بعض هم مخالفون لأمر الله والذين يطيلون السهر في شأن الدنيا حتى قبيل الفجر، ثم ينامون فيضيعون صلاتهم ويضيعون ذكرهم هم أجدر أن يقوموا سود الوجوه.

وأما النصيحة الثانية فهي نصيحة مكتسبة وعن العلماء منقولة أن بكل امرئ مؤمن طاقات داخلية عظيمة، ولكنها تعمل إذا ما استدعيت، وأفضل سبيل لاستدعائها سؤال الله ذلك، وأما الثالثة هي قول الصالحين: “نفسك إلا لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية.

والإسلام يدعونا إلى العمل والإنجاز والبناء والتقدم وينكر علينا الإفساد والتأخر والإهمال، فكن في عملك الذي تشتغل به ونيتك الصالحة تصحبك، ولقد شاء الله لي أن صحبت بعض أهل العلم فكنا نجالسه حتى إذا ما سكت الحوار سكتة وجدته يستغفر الله.

إننا في طريقنا إلى الله سبحانه، مأمورون بعبادته وإخلاص العبادة له عز وجل، وتخليصها من شوائب الشرك وخبائث البدع. والمسلم في طريق سيره إلى ربه سبحانه يحتاج أن يحب العبادة ليصبر عليها، وليكثر منها، ويحتاج أن يشعر بلذتها ليتوق إليها ويتشوق إليها.

والمسلم الذي لم يشعر بحب العبادة ولم يذق طعم حلاوتها لن يصبر عليها، ولن يثابر في الثبات عليها.

ولقد كان عمله صلى الله عليه وسلم كما وصفت عائشة رضي الله عنها في الصحيح: “ديمة” يعني دائمًا ثابتًا، وكان- كما في الصحيح- “إذا فعل شيئًا أثبته”، وقد نصح عبد الله بن عمرو رضي الله عنه فقال له- كما في الصحيحين- (لا تكن كفلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل).

إذن فالمثابرة على العبادة والثبات عليها هو نهج الشريعة وطريقة الإسلام وهو المقرب إلى الله تعالى، ففي الحديث القدسي الثابت: “ما تقرب عبدي إلي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه…”، وهذا الثبات لا يمكن تحقيقه إلا بحب الطاعة والشعور بمعنى العبادة وأثرها. وقد غفل عن هذا كثير من المربين.

القدوة في البيت

ولمعرفة كيف يرتقي المسلم بإيمانه بعد رمضان؟ ففي البيت.. السبيل الأول أن يعتبر المسلم نفسه القدوة في السلوك والفكر والعادات ولا يطلب من أهله ما لا يقوم به هو أولاً، وعلى المسلم بكثرة ذكر الله في بيته وقراءة القرآن، ولا يتركهم نهبًا لفضائيات الإعلام المغترب الخليع أو في موقف يحتاج إلى توجيه وتعليم بغير أن تبذل نفسه فيه.

إن مدار الذي نسأل عنه هو القلب السليم، ذاك الذي به يصلح حال العبد وبتركه يفسد، وقد علمنا الشرع الحنيف أن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما خرج من قلب سليم فقال سبحانه: “يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ” (الشعراء: 88، 89)، والقلب السليم هو الذي خلصت عبوديته لله سبحانه، وخلص عمله له وهو السالم من كل شبهة وشهوة تخالف أمر الله وخبره سبحانه وتعالى.

وأعمال القلوب تتوقف عليها أعمال الجوارح، فالإخلاص مثلاً وهو عمل قلبي إذا فقد من عمل فإن ذاك العمل يحبط ويرجع على صاحبه، فإن الله سبحانه لا يقبل من العمل إلا ما كان صحيحا موافقا للشرع، خالصًا لوجهه الكريم.

ففي إحدى الغزوات قال الصحابة رضوان الله عليهم: ما قاتل من اليوم إلا فلان- من شدة قتله للمشركين-، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “هو في النار”، فما لبث أن اتكأ على سيفه فقتل نفسه، فالله لا يقبل الأعمال التي يخالطها الإشراك فتصير عبادة العبد الظاهرة كالصلاة، أو الصيام، أو غير ذلك ليس له منها إلا التعب، ثم يعاقب عليها.

كذلك فأعمال القلوب أساس النجاة من النار والفوز بالجنة، كالتوحيد فهو عبادة قلبية، وسلامة الصدر للمسلمين عبادة قلبية، وقد ورد من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: “يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ”، فيتبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فلا يجد له كثير عمل يتفضل به غير أنه يبيت وليس في قلبه شيء لأحد من المسلمين، فيقول له عبد الله: “هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ” رواه أحمد.

فإذن سمو الروح ونقاوة النفس أصله طهارة القلب وقربه من ربه، وعلاج أمراضه من الحقد والحسد والغش وسوء الطوية ومن الشهوات والشبهات. أما عن مسألة برنامج إيماني دقيق فقد سبق و أوضحناه في كتاب “لذة العبادة : برنامج عملي للتربية الإيمانية”.

وقد رهّب الإسلام وخوف المؤمنين ممن حفظ آية ونسيانها، وقال الله سبحانه: “واتلُ عليهم نبأ الذي أتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين. وقوله تعالى: “ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا”، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “يا عبد الله بن عمر لا تكن كفلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل.


خالد روشه – 2010/09/21