في القرآن الكريم سور وآيات محكمات بينات تشهد لمكانة المرأة وتأمر بإكرامهن وتذكر فضائلها تصريحا وتلميحا، وفي طيات السنة النبوية القولية والفعلية والتقريرية الثابتة ما للمرأة من عظيم فضل ورفيع الشأن والإنصاف ما لا نظير لها في تاريخ أمم الأرض، تماما كما أن هنالك من أخبار الكرماء البررة قديما وحديثا ترجمت وتترجم تكريم المرأة في الواقع المعاش.

يقول النبي عليه الصلاة والسلام:”إن النساءَ شقائقُ الرجال”[1] وليست رُوحًا شرِّيرة أو مجرد متعة أو سلعةً ممتهنَةً تباع وتشترى أو أنها إذا حاضت تكون نجسة تنجس البيت، أو تعدم بعد وفاة زوجها أو تورث إرثا بعد زوجها كما في ديانات وعادات قبل الإسلام، ولكنها في الإسلام عزيزة كريمة في بيوت الكرماء، وكيف لا فهي الأمٌّ، أو الأختٌ، أو البنت، أو الزوجة، وقد رقى الإسلام منزلتها وأعلى درجتها وجعل لها حقوقا تكريما لها كما جعل عليها واجبات تكليفا وتشريفا. وتأمل قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب:”والله إن كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمراً حتى أنزل الله فيهن ما أنزل، وقسَّم لهن ما قسم [2] احتراماً لمكانتها، واعترافاً بحقوقها، وتنويها بعزتها وكرامتها. وينبغى للرجل الكريم أن يحترم المرأة وينظر إليها:

كالأم العزيزة

أمر الإسلام باحترام المرأة وتوقيرها بشكل عام ثم خص الأم بأنواع من التكريم والإحسان والعناية، ومنها أنها: 

  • أحق الناس بحسن الصحبة

جاء رجل إلى النبي وقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ فقال: أمك، قال: ثم من؟ ثم كررها قال: أمك حتى قال: ثم أبوك[3]

ودل منطوق الحديث على أن كل ما يحمله معنى حسن الصحبة من المعاشرة والملاطفة والإحسان والقول اللين ونحوه فالأم أولى به قبل الأب بثلاثة أضعاف، حتى ولو كانت الأم كافرة، ما لم يدخل في قضايا الولاية والتدبير على الصحيح.

  • الجنة تحت رجليها

ومن إعلاء مكانة الأم أن رتب الشرع على حسن صحبتها أجورا عظيمة، ودرجات لا تنال براحة الجسم.

وقد جاء جاهمة السلمي رضي الله عنه إلى النبي وهو يريد الغزو، فقال له عليه الصلاة والسلام: هل لك أم؟ قال: نعم. قال:” فالزمها فإن الجنة تحت رجليها”.[4]

وهذا كناية عن مزيد أهمية الإحسان إليها ولزوم طاعتها، وعدم عصيانها، فجعل ذلك بابا من أبواب الجنة، وما أعظم توفيق من بر أمه حق البر وسعد بخدمتها ورعايتها وتقرب بها إلى رضا الله تعالى.

وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا سأله هل له من توبة بعد أن قتل النفس؟ قال: أمك حية؟
قال: لا

قال: تب إلى الله عز وجل، وتقرب إليه ما استطعت.
فسئل ابن عباس لم سأله عن حياة أمه؟
فقال: إني لا أعلم عملاً أقرب إلى الله عز وجل من بر الوالدة[5].

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله :” نمت فرأيتني في الجنة، فسمعت صوت قارئ يقرأ، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا حارثة بن النعمان” فقال رسول الله : “كذلك البر كذلك البر”، وكان أبر الناس بأمه.[6]

وكان أبو هريرة يضرب به المثل ببر أمه حتى روي أنه لم يحج إلا بعد وفاة أمه.

وهذا حيوة بن شريح، أحد أئمة المسلمين، يقعُدُ في حلقته يعلم الناس، فتقول له أمه: قُمْ يا حيوة وألقِ الشَّعير للدجاج، فيقومُ ويترك التعليم.[7]

وكان طَلْق بن حبيب مِن العباد، وكان يقبل رأس أمه، وكان لا يمشي فوق ظهر بيت وهي تحته؛ إجلالًا لها[8]

واستسقت أم مسعر بن كدام منه ماء في الليل، فقام فجاءها به وقد نامت، وكره أن يذهب فتطلبه ولا تجده، وكره أن يوقظها، فلم يزل قائمًا والإناءُ معه حتى أصبح [9]

وقال ابن المنكدر: بت أغمز رجل أمي وبات أخي عمر يصلي , وما يسرني أن ليلتي بليلته![10]

عن ابن عون أن أمه نادته فأجابها،  فعلا صوته على صوتها فأعتق رقبتين[11]

وعن ابن عون أن محمدًا – يعنى ابن سيرين- كان إذا كان عند أمه لو رآه رجل لا يعرفه ظن أن به مرضًا من خفض كلامه عندها.[12]وغير ذلك كثير جدا من سير الصالحين الماضين والحاضرين.

والكلام عن بر الأم مما ألف فيه الكتب وروي فيه الآثار لعظم حقها وشرفها، وهي التى تعبت في معاناة الحمل والوضع والرضاع والتربية، وحسبنا أن القرآن الكريم في مواضع كثيرة أوصى بالإحسان إلى الوالدين وقرن حق التوحيد بحقهما، وجعل النبي عليه الصلاة والسلام عقوقهما مقرونا بالشرك، وكفى بذلك شرفا وعزة للأمهات الكريمات، والجدة والعمة والخالة أهل الكرم والفضل كذلك، فالإحسان إليهن في مثابة الإحسان إلى الوالدين.

كالزوجة الحبيبة

قد أعظم الإسلام قدر المرأة كزوجة وشرفها لتكون شريكة الحياة المكرمة المحترمة، فأوجب لها الصداق والنفقة والسكنى، وأقر لها حق التصرف الكامل في مالها، وحث الزوج على حسن عشرتها والتطلف والمؤنسة والألفة،{وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا} [النساء: 19]

وأوصى النبي عليه الصلاة والسلام بها خيرا، وكرر الأمر بها في مناسبات متعددة، ولم يزل يوصى بها حتى كان من آخر وصيته عند الوفاة قوله:” أوصيكم بالضعيفين: النساء وما ملكت أيمانكم”.[13]

وتتمثل معاني الوصايا النبوية كلها في حسن الخلق والعشرة بالمعروف تأكيدا على ما نطق بها الآيات القرآنية.

قال رسول الله :”أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم خلقا “[14] ” خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي” [15]

وصدق عليه الصلاة والسلام، وقد كان مضرب المثل في حسن عشرة الرجل لزوجه، يأكل ويشرب معها فيضع فاه الشريف على موضع فيها، ويناديها بأحسن الاسم، ويتسابق معها، ويصرحها بالحب والمودة والوفاء، ويستشير رأيها ولا يحقرها، ويراعي غيرتها ولا يبخسها ولا يحاسبها ولا يضربها، ويساعدها في مهنة البيت، ويعرف متى غضبها ورضاها لكي يحافظ على الرابطة الزوجية تحت سقف الايثار والتغافل والإصلاح والمعاشرة الطيبة.

وكان يقول عليه الصلاة والسلام مشيرا إلى جوهر خلقة المرأة وطبيعتها:” المرأة خلقت من ضلع أعوج، فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها”.[16]

وإن فهم طبيعة المرأة وتشخيص أحوالها وخصوصياتها أمر لا بد منه، لأنه يساهم في حسن المعايشة مع ما يتلاءم مع فطرتها وميولها التى لا تخلو من النقص، وأما من لا يتفهم حقيقة فطرة المرأة ويطمح في كمالها خلقا أو خلقا فإنه يطمع في المحال ولا يكون مثله من كرماء الرجال.

وقد قال عليه الصلاة والسلام:” لا يفرك مؤمن مؤمنة .. إن كره منها خلقا رضي منها آخر “[17] وهذا من شيم أخلاق الدين في سياسة حسن التعامل مع المرأة، السياسة القائمة على نضوج العقل، وحكمة التدبير والتقدير وصحيح المنطق.

قال أبو درداء رضي الله عنه لزوجته:” إذا غضبت فرضيني، وإذا غضبت رضيتك فإذا لم نكن هكذا ما أسرع ما نفترق”[18]

وسئل الزبير بن بكار: منذ كم زوجتك معك؟ قال: لا تسألني، ليستْ ترد القيامة أكثر كِباشاً منها، يقول: ضحيت عنها سبعين كبشاً”[19] وهذا من منتهى حسن الخلق.

قال الإمام أحمد:” أقامت معي أم صالح ثلاثين سنة، فما اختلفت أنا وهي في كلمة.[20]

وإكرام الرجل لزوجته ليس امتهانا للرجولة أو تنقيصا، بل حقيقة رجولة الزوج أن يكون كريما لا لئيما، محسن الخلق لا مسيئا، متغافلا لا مدققا، معينا زوجه على تمسك بالدين من امتثال الأموار واجتناب النواهي.

كالابنة الشريفة أو الأخت الكريمة

أكد الإسلام على ضرورة العناية برعاية الأنتثى بنتا كانت أو أختا، وحث على القيام بشؤونها دون أي استثقال أو تشاءم، إبرازا لمكانتها وإعلاءا لفضلها وشرفها، وأنها عزيزة المقدار، وثمرة الفؤاد، وقرة العين، وزينة البيت، فيجب أن تعزز وتكرم، ومن مظاهر تكريمها أن تحصن بحصن الدين كي تعيش محترمة طيلة الحياة دون أن تمسها أيد السوء، وقد جعل النبي عليه الصلاة والسلام مكافأة الستر من النار ودخول الجنة لمن قدر قيمة مكانة البنات وأكرمهن، «من ابتلي من هذه البنات بشيء كن له سترا من النار» [21]

“لا يكون لأحد ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، أو بنتان، أو أختان، فيتقي الله فيهن، ويحسن إليهن إلا دخل الجنة”[22]

والعناية بشؤونهن تعنى: الاهتمام بتربيتهن من الصغر تربية دينية صافية، وتوفير المكان الآمن لهن للدراسة، وغرز حب الفضيلة والعفاف والحشمة في نفوسهن والبعد عن التبرج والاختلاط المحرم، والنفقة على مصلحتهن، والمعاملة بالتي هي أحسن وألطف، من إظهار الحب، والحنان، والرحمة، والصيانة، والسعي الدائم فيما يسعدهن في  أمور الدنيا والآخرة، وستكون هذه العناية الدينية والدنيوية سببا من أسباب مرافقته فى الجنة ” من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين وضم أصابعه [23]

وهدي النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الباب يفيض بهذه المشاعر الجميلة والمعاني الجليلة في التطبيق العملي، يتجلى ذلك من مواقفه مع بنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها وتعظيمه عليه الصلاة والسلام لشأنها ومكانتها قولا وعملا، ومداعبته وملاطفته مع حفيدته أمامة بنت زينب، حيث كان يحضرها إلى المسجد ويحملها في الصلاة ويخصها بالهدايا، ووقوفه مع ابنة عمه أم هانئ في إجارتها تكريما لها، وجعله العتق كفارة لضرب وجه المرأة المؤمنة، وتخصيصه يوما للنساء ليعظهنّ ويذكرهنّ، وغير ذلك من المواقف النبوية المعبرة عن تكريم المرأة بشكل عام أو خاص، وعنايته عليه الصلاة والسلام بجليل شوؤنها وصغيرها، ولا يستن بسنة الرسول إلا موفق ولا يكرم النساء إلا كريم.