إنَّ النبوة واسطة بين الخالق والمخلوق، في تبليغ شرعه، وسفارة بين الملك وعبيده، ودعوة من الرحمن الرحيم تبارك وتعالى لخلقه ليخرجهم من الظلمات إلى النور، وينقلهم من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فهي نعمة مهداة من الله تبارك وتعالى إلى عبيده، وفضل إلهي يتفضل بها عليهم، وهذا في حق المرسَل إليهم. وأما في حق المرسَل نفسه، فهي امتنان من الله يمنُّ بها عليه، واصطفاء من الربّ له من بين سائر الناس، وهبة ربانية يختصه الله بها من بين الخلق كلهم. وقد خص الله تعالى أنبياءه وشرفهم بخصائص لا توجد عند سواهم من البشر، ويأتي في مقدمتها وعلى رأسها:

الوحي:

خصَّ الله الأنبياء دون سائر البشر بوحيه إليهم، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ (الكهف: 110)، وهذا الوحي يقتضي عدة أمور، يفارقون بها الناس، فمن ذلك تكليم الله بعضهم، واتصالهم ببعض الملائكة، وتعريف الله لهم شيئاً من الغيوب، يقول الله تعالى: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ﴾ (الجن: 26- 27)، ومن ذلك الإسراء بالرسول إلى بيت المقدس، والعروج به إلى السموات العُلى، ورؤيته للملائكة والأنبياء، وطلاعه على الجنة والنار، ومن ذلك رؤيته للمعذبين في قبورهم، وسماعه تعذيبهم، وفي الحديث: “لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر”.

الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم:

ومما اختصهم الله به، أنَّ أعينهم تنام، وقلوبهم لا تنام، فعن أنس رضي الله عنه في حديث الإسراء: والنبي نائمة عيناه، ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم.

وهذا وإن كان من قول أنس إلا أنَّ مثله لا يقال من قبل الرأي كما يقول ابن حجر، وقال عن نفسه: “تنام عيني ولا ينام قلبي”.

الأنبياء لا يورِّثون:

مما اختص الله به الأنبياء أنهم لا يورثون، بل ما تركوه من الأموال يكون صدقة من بعدهم، فعن عائشة رضي الله عنها: أنَّ رسول الله قال:”لا نورث، ما تركناه صدقة”.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله قال: “إنا معاشر الأنبياء لا نورِّث، ما تركت بعد مئونة عاملي، ونفقة نسائي صدقة”.

ولهذا منع الصديق أن يصرف ما كان يختص به – أي نبينا محمد - في حياته إلى أحد من ورَّاثه الذين لولا هذا النص لصرف إليهم، هم ابنته فاطمة وأزواجه، وعمه العباس رضي الله عنه، واحتج عليهم الصديق في منعه إياهم بهذا الحديث، وقد وافقه على روايته عن رسول الله عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة والزبير، وأبو هريرة وآخرون رضي الله عنهم.

والحكمة من ذلك: أنَّ الله تعالى صان الأنبياء عن أن يورِّثوا دنيا، لئلا يكون ذلك شبهة لمن يقدح في نبوتهم بأنهم طلبوا الدنيا وخلفوها لورثتهم.

أما قوله تعالى: ﴿ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ﴾ (النمل: 16)، فالمراد بهذا الإرث: العلم والنبوة ونحو ذلك، لا إرث المال، يقول ابن كثير معلقاً على هذه الآية: ورثه في النبوة والملك. وليس المراد وراثة المال؛ لأنه قد كان له بنون غيره، فما كان ليخص بالمال دونهم. ولأنه قد ثبت في “الصحاح” من غير وجه، عن جماعة من الصحابة، أن رسول الله ، قال: “لا نورث، ما تركنا فهو صدقة”، وفي لفظ: “إنا معاشر الأنبياء لا نورث”، فأخبر الصادق المصدوق أن الأنبياء لا تورث أموالهم عنهم كما يورث غيرهم، بل تكون أموالهم صدقة من بعدهم على الفقراء والمحاويج، لا يخصون بها أقرباءهم ; لأن الدنيا كانت أهون عليهم وأحقر عندهم من ذلك، كما هي عند الذي أرسلهم واصطفاهم وفضلهم.

وكذلك قوله تعالى: ﴿ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ﴾ (مريم: 6)، ليس المراد به إرث المال، وإنما إرث العلم والنبوة، وفي الحديث: “وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر”.

تخيير الإنسان عند الموت:

مما تفرد به الأنبياء أنهم يخيرون بين الدنيا والآخرة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله يقول: “ما من نبي يمرض إلا خير بين الدنيا والآخرة”، وكان في شكواه الذي قبض فيه، أخذته بحة شديدة، فسمعته يقول: ﴿ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ﴾ (النساء: 69)، فعلمت أنه خيراً”.

لا تأكل الأرض أجسادهم:

ومن إكرام الله لأنبيائه ورسله، أنَّ الأرض لا تأكل أجسادهم، فمهما طال الزمان وتقادم العهد تبقى أجسادهم محفوظة من البلى.وفي الحديث: “إنَّ الله حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء”.

العصمة:

العصمة من الأمور التي خصَّ الله تعالى أنبياءه ورسله عليهم السلام دون سائر البشر، وقد عرفها الراغب الأصفهاني في المفردات فقال: حفظه إياهم أولاً بما خصَّهم به من صفاء الجوهر، ثم بما أولاهم من الفضائل الجسمية والنفسية، ثم بالنصرة وتثبيت أقدامهم، ثم بإنزال السكينة عليهم، ويحفظ قلوبهم وبالتوفيق.

وقد أخذ الحافظ ابن حجر تعريف الراغب بشيء من التصرف فقال في الفتح: وعصمة الأنبياء على نبينا وعليهم الصلاة والسلام، حفظهم من النقائص، وتخصيصهم بالكمالات النفسية والنصرة والثبات في الأمور وإنزال السكينة.

وقد عرفها الشيخ منصور بن راشد التميمي في رسالته العلمية: “العصمة هي: حفظ الله الرسل مما ينفر عن القبول قبل النبوة، وحفظهم من الكذب والكتمان في التبليغ بعد النبوة، وكذا من الكبائر، وتوفيقهم للتوبة والاستغفار من الصغائر وعدم إقرارهم عليها”.


المصادر والمراجع:

علي محمد الصلابي، نوح عليه السّلام والطوفان العظيم، ص 79-84.

ابن كثير، البداية والنهاية، مكتبة المعارف، بيروت، الطبعة الثانية، 1974م ، 2/45.

ابن تيمية، منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية، تحقيق: محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، السعودية، الطبعة الأولى، 1406ه – 1986م، 4/195.

منصور بن راشد التميمي، العصمة في عقيدة أهل السنة والجماعة، مكتبة الرشد، الرياض، السعودية، 1429ه، ص 42.

ابن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، تحقيق وتصحيح: محمد فؤاد عبد الباقي، محب الدين الخطيب، دار المعرفة، بيروت، لبنان، 1379ه، 11/51.