الإسراء: هو إذهاب الله نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بمدينة القدس في جزء من الليل، ثم رجوعه من ليلته.>

المعراج: هو إصعاده صلّى الله عليه وسلّم من بيت المقدس إلى السموات السبع، وما فوق السبع، حيث فرضت الصلوات الخمس، ثم رجوعه إلى بيت المقدس في جزء من الليل.

ثبوت الإسراء والمعراج

الإسراء ثابت بالقران المتواتر، والأحاديث الصحيحة المتكاثرة. أما القران ففي قوله سبحانه: { سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } الإسراء : 1

الإسراء في اللغة: مصدر أسرى: وهو سير عامة الليل، ويقال: أسراه، وأسرى به، وعلى الثانية جاء القران الكريم، وجمهور اللغويين على أن سرى وأسرى بمعنى واحد، وبعضهم يفرق بينهما فيقول: أسرى سار من أول الليل، وسرى: سار من اخره.

 والمعراج بكسر الميم، قال ابن الأثير: المعراج بالكسر شبه السّلّم مفعال، من العروج أي الصعود كأنه الة له، مأخوذ من عرج يعرج عروجا إذا صعد، والظاهر أن المراد به العروج استعمالا لاسم الالة في المعنى المصدري وهو العروج.

وأما المعراج فهو ثابت بالأحاديث الصحيحة التي رواها الثقات العدول، وتلقتها الأمة بالقبول، ولو لم يكن إلا اتفاق صاحبي الصحيحين: البخاري ومسلم على تخريجها في صحيحيهما لكفى، فما بالك وقد خرّجها غيرهما من أصحاب كتب الحديث المعتمدة، وكتب السير المشهورة، وكتب التفاسير المأثورة.

ويرى بعض العلماء أن المعراج وإن لم يثبت بالقران الكريم صراحة، ولكنه أشير إليه في سورة النجم في قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (14) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (16) ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (17) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (18) } سورة النجم. 13- 18.

فقد روي عن ابن مسعود والسيدة عائشة – رضي الله عنهما – أن المرئي هو جبريل «وروي عن ابن عباس أن المرئي هو الله سبحانه وتعالى؛ والأول هو الصحيح المعتمد، وعلى رأي ابن عباس فالاية دالة أيضا على المعراج، لأنه يرى أن ذلك كان ليلة المعراج» ، راه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على هيئته التي خلق عليها، ولم يره على هذه الحالة إلا مرتين: الأولى وهو نازل من غار حراء، والثانية ليلة المعراج.

قال الإمام ابن كثير في تفسيره ما خلاصته مع التوضيح: وقد رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم جبريل- عليه السلام- على صورته التي خلقه الله عليها مرتين:

الأولى عقب فترة الوحي، والنبي صلّى الله عليه وسلّم نازل من غار حراء، فراه على صورته له ستمائة جناح قد سدّ عظم خلقه الأفق، فاقترب منه، وأوحى إليه عن الله عز وجل ما أوحى، وإليه أشار الله بقوله : {علَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى * ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى * فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى * فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى }

والثانية: ليلة الإسراء والمعراج عند سدرة المنتهى، وهي المشار إليها في هذه السورة النجم بقوله: { ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى }

الإسراء والمعراج بالجسد والروح

جمهور العلماء- سلفا وخلفا- على أن الإسراء والمعراج كانا في ليلة واحدة، وأنهما كانا في اليقظة بجسده وروحه صلّى الله عليه وسلّم، وهذا هو الذي يدل عليه قوله تعالى في مفتتح سورة الإسراء «بعبده» ، إذ ليس ذلك إلا الروح والجسد.

وقد تواردت على ذلك الأخبار الصحيحة المتكاثرة، والنصوص على ظواهرها ما لم يقم دليل على صرفها عن ظاهرها، وأنّى هو؟

وفي الأحاديث الصحيحة أنه شق صدره الشريف، وركب البراق، وعرج به إلى السماء، ولاقى الأنبياء، وفرضت عليه الصلوات الخمس، وأن الله كلمه، وأنه صار يرجع بين موسى- عليه السلام- وبين ربه عز وجل، مما يؤكد أنهما كانا بجسده الشريف وروحه، وينفي ما عدا ذلك.

القائلون بأنهما كانا بالروح

وذهب بعض أهل العلم إلى أنهما كانا بروحه- عليه الصلاة والسلام- ونسب القول به إلى السيدة عائشة– رضي الله عنها- وسيدنا معاوية- رضي الله عنه- ورووا في هذا عن السيدة عائشة أنها قالت: «ما فقدت جسد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولكن أسري بروحه» وهو حديث غير ثابت، وهّنه القاضي عياض في «الشفا»  سندا ومتنا، وحكم عليه الحافظ ابن دحية بالوضع، ومما يضعف هذا الأثر ويرده أن السيدة عائشة لم تكن حينئذ قد دخل بها النبي، فإن من المتفق عليه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يبن بها إلا بعد الهجرة، وإن خطبها قبلها بسنة، وقيل بسنتين، ويرد ذلك أيضا أن الثابت عنها أنها كانت تنكر على من يقول: أن محمدا رأى ربه ليلة المعراج، وتستدل بايات من الكتاب الكريم على حسب اجتهادها وفهمها، فلو كانت ترى هذا الرأي الذي نسبوه إليها زورا لكان أقرب شيء في ردها على من يقول بالرؤية أن تحتج عليهم بأن المعراج لم يكن بجسده، ولكن لم ينقل عنها أنها احتجت بذلك.

وأيضا فإن ما روي عن معاوية غير صحيح، وهو حين الإسراء والمعراج لم يكن أسلم بعد، ولو سلمنا ما نسب إليهما- جدلا- فظواهر القران والسنة الصحيحة ترده.

القائلون بأنهما كانا مناما

وأبعد من هذا القول قول من ذهب إلى أنهما كانا في المنام، ويستدلون لذلك بقوله تعالى: {َ وماجَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ } .

وقالوا: إن الاية تشير إلى الإسراء والمعراج، والرؤيا إنما تطلق على المنامية لا البصرية. وليس أدل على ردّ استدلالهم بهذه الاية من قول ابن عباس في تفسيرها: ” هي رؤيا عين أريها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة أسري به، والشجرة الملعونة شجرة الزقّوم» (رواه البخاري في صحيحه ) ، والترمذي، والنسائي في سننهما. ومراد ابن عباس- برؤيا العين- جميع ما عاينه صلّى الله عليه وسلّم ليلة أسري به من العجائب السماوية والأرضية.

وابن عباس هو حبر الأمة، وترجمان القران، ومن أعلم الناس بالعربية، وكان إذا سئل عن لفظ من القران ذكر له شاهدا من كلام العرب، فكلامه حجة في هذا، والرؤيا كما تطلق على المنامية تطلق على البصرية أيضا. ومن شواهد ذلك من كلام العرب الذين يحتج بكلامهم قول الراعي يصف صائدا:

وكبّر للرؤيا وهشّ فؤاده وبشر قلبا كان جما بلابله

على أن بعض المفسرين يرى أن الاية نزلت عام الحديبية بسبب رؤيا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه دخل المسجد الحرام، وعلى هذا فلا تكون الاية دليلا لهم قط، ولكن الصحيح هو الأول.

وأيضا لو كان الإسراء والمعراج في المنام لم يكن فيهما شيء يستعظم، ولما بادر كفار قريش إلى تكذيب الرسول والتعجب مما قال، ولما ارتد بعض ضعفاء الإيمان.

 إذ كثير من الناس يرون في منامهم مثل ذلك، فيرى الرائي أنه ذهب إلى أقصى المعمورة، أو صعد إلى السماء، فاستبعادهم لذلك ومسارعتهم إلى تكذيب النبي عقب إخباره لهم من أظهر الأدلة على أنهم فهموا من إخبار النبي صلّى الله عليه وسلّم أنهما كانا في اليقظة لا في المنام.

متى كان الإسراء والمعراج؟

يكاد يجمع العلماء المحققون على أن الإسراء والمعراج كانا بعد البعثة المحمدية، وأنهما كانا في اليقظة لا في المنام، وقد تظاهرت على ذلك الروايات المتكاثرة في كتب الحديث المشهورة، وكتب السير الموثوق بها.
وأما ما روي من أنهما كانا مناما كما في حديث شريك بن عبد الله ، عن أنس فهو غلط من شريك، وقد خالف فيه شريك أصحاب أنس في إسناده ومتنه بالتقديم والتأخير والزيادة المنكرة، وأشد أوهامه- أغلاطه- قوله: سمعت أنس بن مالك يقول: «ليلة أسري برسول الله صلّى الله عليه وسلّم من مسجد الكعبة أن جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه” .

والإمام البخاري قد أخرج في صحيحه الرواية التي اتفق عليها الرواة عن أنس- ما عدا شريك- في عدة مواضع من كتابه، وهي الرواية الصحيحة، وذكر أيضا الرواية التي وقع فيها الغلط من شريك، ولعل ذلك لينبهنا إلى ما فيها من غلط، وللإمام البخاري في سوق الروايات والمتون المكررة شفوف نظر، ومقاصد دقيقة لا يقف عليها إلا من أطال النظر في هذا الكتاب الجليل.

وقد نبه على غلط شريك بن عبد الله في روايته الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه، فقد قال بعد ذكر سند رواية شريك: «وساق الحديث بقصته نحو حديث ثابت البناني، وقدّم فيه شيئا وأخّر وزاد ونقص» .

وأنكر ما في حديث شريك من أوهام أيضا الأئمة: الخطابي، وابن حزم، والقاضي عياض، والنووي وغيرهم.

وقد اختلف في أي سنة كانا؟ وفي أي شهر؟

فذهب البعض إلى أنهما كانا قبل الهجرة بسنة، وإلى هذا ذهب الزهري وعروة بن الزبير وابن سعد، وادعى ابن حزم الإجماع على هذا، وقيل قبل الهجرة بسنتين، وقيل بثلاث.

والذي عليه الأكثرون والمحققون من العلماء أنهما كانا في شهر ربيع الأول، وقيل في ربيع الاخر، وقيل في رجب، وهو المشهور بين الناس اليوم، والذي تركن إليه النفس بعد البحث والتأمل أنهما كانا في شهر ربيع الأول في ليلة الثاني عشر منه أو السابع عشر منه.

وقد ذكر ابن كثير في «البداية والنهاية» أثرا عن جابر وابن عباس- رضي الله عنهما- يشهد لذلك، قالا: “ولد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عام الفيل يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، وفيه بعث، وفيه عرج به إلى السماء، وفيه هاجر» ثم قال: «وقد اختاره الحافظ عبد الغني بن سرور المقدسي في سيرته، وقد أورد هنا حديثا لا يصح سنده ذكرناه في فضائل شهر رجب: أن الإسراء كان ليلة السابع والعشرين منه والله أعلم” .

ماهي الأحاديث الواردة في الإسراء والمعراج ؟

لقد روى أحاديث الإسراء والمعراج كثير من الصحابة– رضوان الله عليهم- وتلقّاها عنهم الرواة العدول الضابطون، وخرّجها أئمة الحديث والتفسير بالمأثور في كتبهم، كالأئمة: البخاري، ومسلم، وأحمد، والترمذي، والنسائي، والبيهقي، وابن جرير الطبري، وغيرهم، وذكرها الإمامان محمد بن إسحاق، وعبد الملك بن هشام في سيرتيهما.

قال العلّامة ابن كثير في تفسيره: «قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية في كتابه «التنوير في مولد السراج المنير» بعد أن ذكر حديث الإسراء والمعراج من طريق أنس بن مالك، وتكلم عليه فأفاد وأجاد: ” وقد تواترت الروايات في حديث الإسراء عن عمر بن الخطاب، وعلي، وابن مسعود، وأبي ذر، ومالك بن صعصعة، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وابن عباس، وشدّاد بن أوس، وأبيّ بن كعب، وعبد الرحمن بن قرظ، وأبي حبة  ، وأبي ليلى الأنصاريين، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وجابر، وحذيفة، وبريدة، وأبي أيوب الأنصاري، وأبي أمامة، وسمرة بن جندب، وأبي الحمراء، وصهيب الرومي، وأم هانىء بنت أبي طالب، وعائشة وأسماء ابنتي أبي بكر الصديق– رضي الله عنهم أجمعين- منهم من ساقه بطوله، ومنهم من اختصره على ما وقع من المسانيد، وإن لم تكن رواية بعضهم على شرط الصحيح، فحديث الإسراء أجمع عليه المسلمون، وأعرض عنه الزنادقة، والملحدون يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.

الإسراء والمعراج برواية البخاري ومسلم

أوثق روايات الأحاديث وأصحها هي التي اتفق عليها الإمامان الجليلان البخاري، ومسلم في صحيحيهما:

روى الشيخان في صحيحيهما بسندهما عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة- واللفظ للبخاري- أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حدّثهم عن ليلة أسري به قال: “بينما أنا في الحطيم، وربما قال: في الحجر  مضطجعا إذ أتاني ات، فقدّ  قال- أي قتادة-: وسمعته يقول: فشقّ ما بين هذه إلى هذه، فقلت للجارود  : ما يعني به؟ قال: من ثغرة نحره إلى ثنته  ، فاستخرج قلبي، ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا وحكمة  ، فغسل قلبي، ثم حشي ثم أعيد، ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض. فقال له الجارود: هو البراق  يا أبا حمزة- كنية أنس-؟ قال أنس: نعم، يضع خطوه عند أقصى طرفه  ، فحملت عليه، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا، فاستفتح  ، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل وقد أرسل إليه؟  قال: نعم، قال: مرحبا به فنعم المجيء  جاء، ففتح» فلما خلصت فإذا فيها آدم عليه الصلاة والسلام، فقال: هذا أبوك ادم، فسلّم عليه، فسلّمت عليه، فرد السلام ثم قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح  .

ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت إذا يحيى وعيسى- عليهما الصلاة والسلام- وهما ابنا الخالة  ، قال: هذا يحيى وعيسى فسلّم عليهما، فسلّمت، فردا، ثم قالا: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح.

ثم صعد بي إلى السماء الثالثة، فاستفتح، قيل من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت إذا يوسف، قال: هذا أخوك يوسف فسلّم عليه، فسلّمت عليه فرد، ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح، والنبي الصالح.

ثم صعد بي إلى السماء الرابعة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل ومن معك؟ قال: محمد، قيل وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت فإذا إدريس، قال: هذا إدريس فسلّم عليه، فسلّمت عليه فرد، ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح.

ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء، فلما خلصت فإذا هارون، قال: هذا هارون فسلّم عليه، فسلّمت عليه فرد، ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح.

ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قال: مرحبا به فنعم المجيء جاء، فلما خلصت فإذا موسى قال: هذا موسى فسلّم عليه، فسلّمت عليه، فردّ، ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، فلما تجاوزت بكى، قيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاما  بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلون من أمتي.

ثم صعد بي إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قال: مرحبا به فنعم المجىء جاء، فلما خلصت فإذا إبراهيم، قال: هذا أبوك فسلّم عليه، قال: فسلّمت عليه، فرد السلام ثم قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح.

ثم رفعت إلى سدرة المنتهى ، فإذا نبقها مثل قلال هجر ، وإذا ورقها كاذان الفيلة  ، قال: هذه سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار: نهران باطنان،  ونهران ظاهران، فقلت: ما هذان يا جبريل؟ قال: أما الباطنان فنهران في الجنة  ، وأما الظاهران فالنيل والفرات .

ثم رفع لي البيت المعمور، ثم أتيت بإناء من خمر، وإناء من لبن، وإناء من عسل، فأخذت اللبن، فقال: هي الفطرة  التي أنت عليها وأمتك.

ثم فرضت عليّ الصلوات خمسين صلاة كل يوم، فرجعت، فمررت على موسى، فقال: بم أمرت؟ قال: أمرت بخمسين صلاة كل يوم قال: إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم، وإني قد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فرجعت فوضع عني عشرا. فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى، فقال مثله، فرجعت فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم، فرجعت إلى موسى، فقال: بم أمرت؟ قال بخمس صلوات كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم، وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال: سألت ربي حتى استحييت، ولكن أرضى وأسلّم، قال: فلما جاوزت ناداني مناد : أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي” .

وقد تكفّلت بعض روايات الإمام مسلم في صحيحه ببيان مجيء النبي بيت المقدس، ودخوله به، وصلاته فيه ركعتين، وعرض جبريل عليه بعد خروجه إناءين: إناء من خمر، وإناء من لبن، فاختار اللبن.

وأن الله تبارك وتعالى قال: «يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة، لكل صلاة عشر- يعني حسنات- فذلك خمسون صلاة، ومن همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشرا، ومن همّ بسيئة ولم يعملها لم تكتب شيئا، فإن عملها كتبت سيئة واحدة» .