مراجعة كتاب : موت الميتافيزيقيا بين اللاهوت والفلسفة .. تأليف جورج عوض – 2022

تحاول هذا الدراسة دحض فكرة تسود الفكر العربي في معظمه – حسب الكاتب- وبعض الفكر الغربي مؤداها أن الفلسفة شيعت جنازة الميتافيزيقيا وأن علوم اللاهوت توارت نتيجة لذلك، أما حانوتي هذه الجنازة – بتعبير الكاتب أيضا- فهم سلسلة من الفلاسفة  الذين ساهموا بفكرهم في ذلك مثل جاك دريدا وتلاميذ مدرسته التفكيكية أو هابرماس،  ثم الفلاسفة الذين تمت إساءة فهم رؤيتهم لعلاقة الفلسفة والميتافيزيقيا بدءا من الفلاسفة اليونان المبكرين إلى هايدغر ودلتاي وغيرهم.

 لكن الدراسة تعيد قراءة هذا التراث كله بتركيز على كل من هايدغر وباننبرغ لإثبات أن الميتافيزيقيا لم تمت رغم مزاحمة ” الكائن” للاله. ذلك يعني أن الدراسة تتمحور حول مكانة الميتافيزيقيا بين اللاهوت والفلسفة، وتضع هذه المكانة بين يدي مفكر ألماني معاصر هو باننبرغ  الذي أعاد تأهيل الميتافيزيقيا اللاهوتية  بدءا من الفلسفة اليونانية ما قبل السقراطية، وأعاد النظر في تراث فكري طويل، استنبط منه عدم دقة فكرة ” موت الميتافيزيقيا.

إذا استثنينا ما أورده الكاتب من شروحات وآراء لباننبرغ ، فإن كل ما أورده منشور ومعروف في الأدبيات العربية المعاصرة، فالفلاسفة مثل هيغل وأرسطو وهايدغر ( وردت الإشارة له في الدراسة في صفحة 189 )  ودلتاي ( وردت الإشارة له في صفحة 97) وغيرهم مما ورد في الكتاب،  أو المناهج الفكرية مثل: الهرمينوطيقيا والتفكيكية وغيرها، أو المفاهيم المجردة مثل الذات أو الكينونة أو العدم  أو الوجود…الخ، متداول في كتب الثقافة العامة وفي أقسام مكتبات الجامعة بخاصة لتخصص الفلسفة.

 أما شروحات وآراء باننبرغ فهي أقل تداولا من غيره، دون أن يعني ذلك الغياب التام عن الأدبيات التي أثارها كاتبنا ـ فكتاب جوزيف معلوف، بعنوان «محنة الفكر الديني، مفكّرو الإصلاح في القرن العشرين» (منشورات المكتبة البولسية – 2011 ) ، يعرض لأفكار باننبرغ ضمن الفلاسفة الألمان المعاصرين ويلامس في عرضه بعض ما أورده كاتبنا، ومع ذلك غابت المراجع العربية  تماما (رغم أنها موضع نقد واضح من الكاتب) عن قائمة مراجع الكاتب بما في ذلك كتاب جوزيف معلوف.

وفي تقديري أن مساهمة الكاتب محدودة من حيث إثراء الموضوع ، لكنه كان قادرا على تكثيف افكار فلاسفته موضع البحث ، بل إن حواراته ومراسلاته الثنائية مع باننبرغ والتي يورد قبسات منها فيها بعض الإضاءات الجديدة لكن محدوديتها لا لبس فيها.

ورغم أن الكاتب اشار إلى دور العلوم الطبيعية ( التي يمكن شرحها) والإنسانية (التي يمكن فهمها) في موضوعه من خلال بعض الفلاسفة (دلتاي)، إلا أن الكاتب غيب العلماء الإنسانيين والطبيعيين الذين قدموا مساهمات مهمة في هذا الجانب لكنها معاكسة لأطروحة كاتبنا، ففرويد على سبيل المثال وردت الإشارة له في صفحة 26 كاسم فقط وفي صفحة 78 كأحد من تناول موضوع العقلانية السيكولوجية، وكان على الكاتب التأمل في دعوته لاستبدال مفهوم “النفس “الميتافيزيقي، بمفهوم الجهاز النفسي باعتباره آلية إجرائية تمكن من معرفة موضوعية بحقيقة الحياة والتعاطي مع ” الكائن ” والاله. كذلك فإن رموز الوضعية المنطقية (موريتز شليك Moritz  Schlick وغيره) تم استبعاد موقفهم من المناقشة.

إن مشكلة هذه الدراسة أنها انتقائية وظفت من يساندها واستبعدت من اعتمد مناوأة رؤيتها ومنهجها التحليلي، أو أعادت تفسيرات تلك الرؤى بقصد تقريبها من فكرة الباحث.

يقع متن هذه الدراسة في 276 صفحة موزعة على توطئة ومقدمة وخاتمة و4 فصول، وبعد اتهام أغلب الفكر العربي بالقصور في إدراك  التيار الفكري الغربي الذي لا يوافق على فكرة القطيعة بين اللاهوت والفلسفة ، ويشير لأحد هؤلاء –وهو الموضوع الرئيسي للكتاب- وهو فولفهارت باننبرغ الذي يرى أن لا قطيعة بين الفلسفة واللاهوت بل “تمايز واختلاف” لأن كليهما من ” منبع فكري واحد”، كما أنه يتعامل مع اللاهوت كعلم يتركز على الله والإيمان وتطورهما في السياق المسيحي اليهودي، وعمل على كشف علاقة اللاهوت –كعلم- ببقية فروع المعرفة الأخرى بخاصة التاريخ أو السيرورة التاريخية للوجود الانساني.

ويتأسس فكر باننبرغ  وهو الموضوع المركزي في هذه الدراسة على قواعد ست هي:

  1. الإيمان كمقدمة لمعرفة الله
  2. الكونية أي أن اللاهوت ليس محصورا بالمسيحية ولا بعلم جزئي محدد بل بكل العلوم.
  3. التأمل الذي ينظم تفاعل الانسان مع الله وبالتالي التأسيس للكشف (كَشَفَ الله ذاته في اليسوع المسيح).
  4. الالتزام بمنهجيات ووسائل الفهم العلمي دون الاقتصار على منهج “كشف” واحد.
  5. السيرورة التاريخية في معرفة الإنسان لله تكتمل في المستقبل طبقا للنص في الكتاب المقدس لحظة أن يجعل الله ذاته معروفا للبشر.
  6. الهرمينوطيقيا الكتابية، فالكتاب المقدس هو فعل غير مباشر قام به الله يعلن به أسبابه وغاياته وسيكتمل في الآخرة.

وينتقل الكاتب لتحليل موقف باننبرغ من فلسفة هيغل وكانط ليعود من جديد لمقارنة بين باننبرغ وهايدغر لينفي نهاية الميتافيزيقيا  ثم يستعرض أهم مضامين الفصول الأربعة اللاحقة.

الفصل الأول

في الفصل الاول (البداية فيلهلم دلتاي) ويستعرض أهم اسهامات دلتاي وهي:

  1. مفهوم الحياة الإنسانية من خلال الوعي العقلي بالذات البشرية ورموزها وتفسير هذه الرموز من خلال الهرمينوطيقيا لا من خلال منظومات قيم.
  2. علاقة العلوم الإنسانية بالطبيعية عبر العلاقة بين المادة والعقل.
  3. نهاية الميتافيزيقيا ، فمع أن المعرفة هي علاقة بين العارف والمعروف فإن الفكر الغربي شرع رحلته المعرفية من نقطة “قبلية أسست للميتافيزيقيا.
  4. وشكلت هذه النقاط أسسا لمناقشات باننبرغ وهايدغر.

الفصل الثاني

الفصل الثاني (الميتافيزيقيا بصفتها علم الكائن) يستعرض فيه تأثير هايدغر على جاك دريدا من خلال نقد هايدغر للميتافيزيقيا  وتوظيفه مفهوم الحضور (الذي سماه دريدا التأجيل) ومفهوم الكائن عند هايدغر (العلامة عند دريدا)، ثم يناقش الأثر السلبي للتراث الأرسطي على الخطاب المسيحي وتحديدا فكرة كينونة الله الثالوثية .

الفصل الثالث

الفصل الثالث (الميتافيزيقيا وفكرة الله)،  فبعد تناول فكرة الله في مرحلة ما قبل السقراطية لإثبات الجذور اللاهوتية للفلسفة الإغريقية العتيقة، يحاول إسناد ذلك من أفكار ” فيرنر ياغير”  الذي أكد العلاقة الوطيدة بين الثقافة والدين استنادا للخبرة اليونانية وبخاصة من خلال “التنشئة”، ويحاول باننبرغ  تفكيك الرفض الفلسفي للميتافيزيقيا اعتمادا على الفلسفة اليونانية العتيقة التي ترى أن جوهرها هو:”الإلهي المقدس”، لينتهي الى تحديد الأفق المشترك بين الفلسفة واللاهوت مجيبا بأنه “الله”. ولن تتمكن الفلسفة من فهم الكلي والجزئي  دون الله.

الفصل الرابع

وفي الفصل الرابع (الزمان/التاريخ-كشف الذات-الترقب نحو تشارك محتمل)، يوظف الكاتب الهرمينوطيقيا  لمقارنة هايدغر وباننبرغ في الثالوث الوارد في العنوان، وينتهي إلى ربط باننبرغ بدلتاي وبمقاربات هايدغر الذي تأثر بلاهوت مارتن لوثر بخاصة في علاقة الفلسفة باللاهوت.

وفي الملاحظات الختامية يعود لنقد الفكر العربي ويؤكد دور هايدغر في إحياء الميتافيزيقيا ناقدا فكرة موت الله وارتباطها بالتفكيكية ، داعيا فلاسفة العرب إلى أخذ ذلك في الاعتبار.