يعتبر قطاع التكافل وصناعة التأمين الإسلامي من الصناعات غير الحديثة حيث تأسست أول شركة تأمين تكافلي في السودان سنة 1979 من قبل بنك فيصل الإسلامي ، وتزامن ذلك تقريبا مع ظهور البنوك الإسلامية ثم انتشرت شركات التأمين التكافلي بعد ذلك في العالم كله. ولم يقف انتشار شركات التأمين على الدول الإسلامية في الشرق الأوسط، بل انتشرت في دول العالم، سواء في قارة إفريقيا أو آسيا أو أوربا، أو حتى في أمريكا.

ومن الملاحظ أن قطاع التأمين يأخذ طريقه للنمو، وإن لم يكن بشكل أو حجم المصارف الإسلامية، وتشير الإحصائيات إلى أن أرقام التأمين الإسلامي (التكافلي) بلغت 7 مليار دولار عام 2009م، ثم 11 مليار عام 2011م، ثم 17 مليار عام 2015م، ثم بلغ حجم أقساط التأمين التكافلي 23.7 مليار دولار على مستوى العالم، وفقًا لأحدث تقرير صادر عن مجموعة IMARC بعنوان “سوق التكافل: اتجاهات الصناعة العالمية ، والحصة ، والحجم ، والنمو ، والفرص ، والتوقعات 2020-2025”.

بل يلاحظ تزايد الطلب على التأمين التكافلي من غير المسلمين، وذلك بسبب زيادة الطلب على منتجات المالية الإسلامية بشكل عام، مما يجعل هناك تحديا كبيرا على شركات التأمين التكافلي لاستيعاب السوق.

ومن حيث الانتشار، تحتل منطقة الخليج العربي المرتبة الأولى في التأمين التكافلي حيث تستحوذ على 64% من السوق العالمية، وفيها أكثر من 90 شركة تأمين تكافلي ، وتليها جنوب شرق آسيا، حيث تستحوذ على 34% من السوق العالمية، وفيها أكثر من 55 شركة تأمين تكافلي ، ثم أفريقيا والدول الأخرى على 2%، وفي إفريقيا 15 شركة تأمين تكافلي.

تحديات صناعة التأمين التكافلي

ورغم تصاعد وتنامي صناعة التأمين التكافلي في العالم، إلا أن هناك عوائق وتحديات تقابل تلك الصناعة، ومن أهمها:

ضعف منافسة التأمين التقليدي

فرغم ما توصل إليه التأمين التكافلي وتصاعده في السوق المالي، إلا أنه – حتى الآن- ليس قادرا على منافسة التأمين التقليدي، فالمقارنة بينهما صعبة، خاصة إذا استصحبنا (معركة تكسير الأسعار) من قبل شركات التأمين التقليدي التي تستحوذ على غالب السوق والعملاء وبفائض مالي كبير.

العجز عن الحفاظ على العملاء

ما زالت صناعة التأمين التكافلي صناعة غير محترفة، وينقصها كثير من الأدوات والإجراءات، وهذا يدفع بعض الشرائح من العملاء بعد التعامل والإقبال على التأمين التكافلي، أن يتركوه، ويلجئوا إلى التأمين التقليدي، لأسباب عديدة، يجب النظر والبحث عنها، ومعالجتها.

ضعف ثقافة التأمين التكافلي

فرغم تغيير وجهة نظر ملايين من البشر مسلمين وغير مسلمين تجاه الصيرفة الإسلامية، وقناعة الناس أن هناك مصارف إسلامية بديلة ومنافسة للمصارف الربوية، إلا أن النظرة السائدة في التأمين بكل أنواعه أنه حرام، وساعد في ذلك اتجاه في الفتاوى والاجتهاد الفقهي الذي يغلب عليه القول بتحريم التأمين.

كما أن قطاع التأمين التكافلي ليس لديه الجهاز الإعلامي الذي يقوم بتغيير قناعات الناس حول التأمين التكافلي، ونشر ثقافته والتعريف به وبمكوناته وخصائصه وبيان الفروق بينه وبين التأمين التقليدي.

ضعف التأهيل المهني

ومن المعوقات في صناعة التأمين الإسلامي (التكافلي) ضعف التأهيل المهني للعاملين في مجال التأمين التكافلي من ناحية التثقيف الشرعي ومعرفة الأحكام الشرعية التي تتعلق بالتأمين التكافلي، مع عدم وجود رقابة شرعية ملزمة في كثير من الدول، إلا بعض التجارب الحديثة، وكذلك ضعف الإجراءات التي تتعلق بصناعة التأمين، مع مزاوجتها بالجانب الشرعي، وعدم تمايز منتجات التأمين التكافلي عن التأمين التقليدي.

ولعل هذا ما حدا ببعض الدول إلى إلزام شركات التأمين التكافلي برقابة شرعية وتعيين مدقق داخلي، كما هو الشأن فيما قامت به وحدة تنظيم التأمين بالكويت في لائحتها التنظيمية عام 2019م.

إشكالات الاجتهاد الفقهي

ومن الصعوبات التي تقابل صناعة التأمين التكافلي عدم حسم الرأي في عدد من الإشكالات التي تقابل العاملين في قطاع التأمين التكافلي من الناحية الشرعية، وأولها: تكييف التأمين التكافلي على أنه عقد تبرع وليس معاوضة، ومحاولة الاجتهاد بناء على الاجتهادات القديمة، وأحسب أن الخلل ليس في الحكم بقدر ما أنه في عدم وجود التصور الكامل لماهية التأمين اليوم، وما يعرف عند الفقهاء بمرحلة التصوير كأحد أهم مراحل الاجتهاد في النوازل مع التكييف والتنزيل.

وكذلك الحال في كيفية التصرف في الأموال الفائضة من عقود التأمين، وإعادة التأمين التكافلي، وغيرها من الإشكالات التي تقابل صناعة التأمين التكافلي.

ضعف منتجات التأمين التكافلي

ولعل ضعف منتجات التأمين التكافلي هو ما يلاحظ أيضا في الصيرفة الإسلامية مع الفارق، فغالب الصناعة المالية اليوم هي مجاراة للصناعة التقليدية، لكن بعقود شرعية، وغلبة التمويل – مثلا- على الصيرفة الإسلامية، فكذلك الشأن في التأمين التكافلي، فالمنتجات فيه ضعيفة، وربطه باقتصاد الدول وقضايا التنمية ليس ظاهرا بالشكل المطلوب.

وعلى كل، فمن الأهمية بمكان رصد حركة صناعة التأمين التكافلي، وإدراك مراحلها المتعددة من الميلاد إلى النمو ثم النضج والاستواء، فنحن الآن في مرحلة النمو بعد مرحلة الميلاد، ولعل هناك مساحات يجب الانتباه لها لإكمال مرحلة النمو بصحة وعافية  دون تأخر وتراخ، والنظر المستقبلي والاستعداد لمرحلة النضج والاستواء.

كما أنه يجب الانتباه إلى أن انتشار التأمين التكافلي سيأخذ مرحلته ويتبوأ مكانته كما هو الحال مع المصارف الإسلامية إن قام أهل الاختصاص بالعناية به وبتطوير صناعته ومنتجاته وتسويقه بالشكل الذي يليق به، وكذلك بربطه بقضايا التنمية.