اختلف العلماء في تحديد المقصود بالذهب والفضة في أحاديث الربا، حيث ذهب البعض إلى جواز تعليل الحديث وبالتالي يدخله التعليل والقياس لغرض التعدية بالحكم، وعلى هذا يجوز إلحاق النقود الورقية في عصرنا بحكم الذهب والفضة، بينما اختار آخرون عدم التعليل، وبناء على هذا الاختلاف في اجتهاد العلماء تباينت آراؤهم في حكم بيع حلي الذهب والفضة المصوغ، وقد بين ذلك الدكتور رفيق المصري في ورقته بعنوان أحكام بيع وشراء حلي الذهب.

ما المقصود بالذهب والفضة في أحاديث الربا؟

1 – بعضهم يرى أنهما مذكوران في الحديث لأنهما ذهب وفضة لا غير، فلا تعليل عندهم ولا قياس، أي لا يلحق بهما غيرهما، إذ لا علة لأجل أن يتم الإلحاق بموجبها.
2 – وبعضهم يرى أنهما مذكوران في الحديث باعتبارهما موزونين، فالعلة عندهم هي الوزن فيلحق بهما كل موزون.
3- وبعضهم يرى أنهما مذكوران في الحديث لأنهما أثمان (نقود) فالعلة عندهم هي الثمنية (النقدية) ولكنها قاصرة عليهما فلا يلحق بهما غيرهما.
4 – وبعضهم يرى أن الذهب والفضة مذكوران في الحديث لأنهما أثمان، فالعلة عندهم هي الثمنية ولكنها متعدية، فيلحق بهما كل ثمن، كالنقود الورقية في عصرنا، وهذا المذهب هو الراجح والمعتمد في هذا البحث.

ومذهب الثمنية سواء أكانت العلة قاصرة أم متعدية هو مذهب الشافعية والمالكية وابن تيمية وابن القيم ورواية ثانية عن الإمام أحمد.

التفاضل لأجل الصنعة

هل يجوز بيع ذهب بذهب أكثر منه، أو فضة بفضة أكثر منها، والزائد في مقابل الصياغة والصنعة – البيع معجل – ؟

قد يكون لدى أحد الأفراد أو التجار ذهب يريد مبادلته بذهب آخر، وبينهما فرق في الصنعة فيجد ذهبا مصبوغا لدى آخر، تاجرا أو فردا، ليس لديه نقود يشتري بها الذهب الأقل صنعة، ثم يبيعه الذهب الأكثر صنعة، لا سيما إذا كان المبلغ كبيرا، كما في تجارة الجملة، فهل يجوز أن تتم المبادلة مباشرة بين الذهبين مع زيادة لقاء فرق الصنعة؟

أجاز ذلك بعض العلماء:

قال ابن رشد: «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» (3/ 212):

«إلا ‌معاوية فإنه كان يجيز التفاضل بين التبر والمصوغ، لمكان زيادة الصياغة، وإلا ما روي عن مالك أنه سئل عن الرجل يأتي دار الضرب بورقه، فيعطيهم أجرة الضرب ويأخذ منهم دنانير، ودراهم وزن ورقه أو درهمه، فقال: إذا كان ذلك لضرورة خروج الرفقة، ونحو ذلك، فأرجو أن لا يكون به بأس، وبه قال ابن القاسم من أصحابه».

وقال ابن قدامة: «المغني لابن قدامة – ط مكتبة القاهرة» (4/ 9):

«إن قال لصائغ: ‌صغ ‌لي خاتما وزنه درهم، وأعطيك مثل وزنه، وأجرتك درهما. فليس ذلك ببيع درهم بدرهمين. وقال أصحابنا: للصائغ أخذ الدرهمين؛ أحدهما في مقابلة الخاتم، والثاني أجرة له».

وقال الشيخ عبد الله بن منيع، عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، والقاضي بمحكمة التمييز بمكة المكرمة: “بيع الذهب بالقيمة إذا كان مشغولا، أي فيه صنعة وصياغة. لا يخفى أن الذهب قد يباع بذهب، وقد يباع بنقد آخر، من فضة، أو ورق نقدي، أو فلوس، فإذا كان الذهب المبيع مشغولا، كأن يكون حليا، فإن بيع بذهب فلا بأس أن يكون الثمن أكثر وزنا من وزن الذهب الحلي، وتكون الزيادة في الوزن في مقابلة الصياغة والعمل”.

وقال ابن تيمية: يجوز بيع المصوغ من الذهب والفضة بجنسه من غير اشتراط التماثل، ويجعل الزائد في مقابل الصنعة، سواء كان البيع حالا أو مؤجلا، ما لم يقصد ثمنها.

وجاء في المقنع:

وقال ابن القيم«إعلام الموقعين عن رب العالمين» (2/ 108 ط العلمية):

«أما إن كانت الصياغة مباحة – كخاتم الفضة وحلية النساء وما أبيح من حلية السلاح وغيرها – فالعاقل لا يبيع هذه بوزنها من جنسها فإنه سفه وإضاعة للصنعة. والشارع أحكم من أن يلزم الأمة بذلك، فالشريعة لا تأتي به، ولا تأتي بالمنع من بيع ذلك وشرائه لحاجة الناس إليه؛ فلم يبق إلا أن يقال: لا يجوز بيعها بجنسها ألبتة، بل يبيعها بجنس آخر، وفي هذا من الحرج والعسر والمشقة ما تتقيه الشريعة؛ فإن أكثر الناس ليس عندهم ذهب يشترون به ما يحتاجون إليه من ذلك، والبائع لا يسمح ببيعه ببر وشعير وثياب؛ وتكليف الاستصناع لكل من احتاج

إليه إما متعذر أو متعسر، والحيل باطلة في الشرع وقد جوز الشارع بيع الرطب بالتمر لشهوة الرطب، وأين هذا من الحاجة إلى بيع المصوغ الذي تدعو الحاجة إلى بيعه وشرائه؟ فلم يبق إلا جواز بيعه كما تباع السلع؛ فلو لم يجز بيعه بالدراهم فسدت مصالح الناس، والنصوص الواردة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ليس فيها ما هو صريح في المنع (..)

يوضحه أن الحلية المباحة صارت بالصنعة المباحة من جنس الثياب والسلع، لا من جنس الأثمان (..) فلا يجري الربا بينها وبين الأثمان كما لا يجري بين الأثمان وبين سائر السلع، وإن كانت من غير جنسها، فإن هذه بالصناعة قد خرجت عن مقصود الأثمان، وأعدت للتجارة، فلا محذور في بيعها بجنسها، ولا يدخلها: ” إما أن تقضي وإما أن تربي ” إلا كما يدخل في سائر السلع إذا بيعت بالثمن المؤجل، ولا ريب أن هذا قد يقع فيها، لكن لو سد على الناس ذلك لسد عليهم باب الدين، وتضرروا بذلك غاية الضرر».

وما تقدم يعبر عن المذهب الذي اختاره الدكتور يونس رفيق المصري في مسألة بيع حلي الذهب والفضة إذا دخلته الصنعة، حيث يرى الحلي ليست أثمانا فلا يدخل في تبادله مع جنسه الربا بل هو من قبيل عروض للتجارة فيقبل الزيادة والتأجيل.


* مستفاد من بحث أحكام بيع وشراء حلي الذهب والفضة للدكتور رفيق يونس المصري رحمه الله تعالى.