تُرى، ما هي المهارات التي يجب على الوالدين أن يتحلوا بها تجاه التعامل مع سلوك أطفالهم؟ كأن يكون مستمعًا جيدًا لابنه، وأن يكون عادلاً في تعامله مع جميع أبنائه. لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد. فنحن بحق بحاجة لمعرفة المزيد من المهارات والخبرات للتعامل مع أبنائنا.

خبرات الوالدين الصحيحة مهارة، ومهارتهم ليست باليسيرة، فيصدق عليها أنها السهل الممتنع، لسهولتها لما في الأمر من فطرة، وصعوبتها لما تحتاجه من بناء مهارات، بل وتعديل سلوكيات الوالدين نفسهما.

علوم التربية

وما نسأل عنه في حديثنا عن مهارات الوالدين إنما هو علوم التربية بكاملها، ولا يمكن أن يدعي أحد أنه أحاط بجميع جزئياته علمًا؛ ولذا سنجعل حديثنا عن هذا الموضوع أشبه بالدردشة التي لا نبغي من ورائها حلولاً قاطعة لمشكلات محددة، وإنما الوقوف على بعض الجوانب لتسيير رحلة الحياة مع أبنائنا كما نتمنى، وتثمر ما نسأل الله تعالى أن يعطينا من ثمرة نافعة.

يجب أن نؤكد في بداية الأمر أنه لا بد من أن يكون هناك هدف نربِّي لأجله، وهذه نقطة هامة، لأنه غالبًا ما نبدأ رحلة التربية مفتقدين لهدف نأتيه من بعد تربيتنا تلك، وبالتالي نجهل وسائل هذه التربية، ولكن حين يكون الهدف واضحًا نستطيع أن نحدِّد له من الوسائل الواضحة ما يحققه، فماذا عسانا أن يكون هدفنا الذي نربي لأجله؟

التربية لوجه الله عزل وجل

نستطيع أن نقول إنما نربِّي لوجه الله عز وجل، نربِّي طفلاً ليكون خير من يمثل الإسلام، نربِّي طفلاً يحب الله ورسوله، ويصبح هدفه في حياته رفعة الإسلام.  نربِّي طفلاً ليصبح مسلمًا عاملاً لبناء حضارة إسلامية، بل قل: ليعيد حضارة إسلامية عظيمة.. نربِّيه ليحقق عمارة الأرض التي أمر الله سبحانه بها آدم وبنيه.  لو حدَّدنا أهدافًا فسيكون من الأيسر علينا حينئذ تحديد الوسائل، حتى خطابنا مع الطفل سيكون أوضح، وقانوننا معه سيكون أوضح، وتعاملنا معه سيكون من خلال هدف واضح.

فمثلاً إذا أردنا أن يقبل على العلم فسنجد الكلمات المناسبة التي تدفعه لذلك، فقد بدأنا البناء من الهدف من وجوده في الحياة ودوره فيها.  وإذا أردناه أن يأكل جيدًا مثلاً وهي المعركة مع الطفل فسنقول له: “إن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.

هذه الجزئية هامة جدًّا: تحديد الهدف، وربط الطفل في كل حركاته وسكناته بالله تعالى؛ ليصبح لديه قانون يقيس عليه أفعاله، وهذا أصل التربية الثابتة الهادئة.

كم أتمنى أن أسترسل في هذه الجزئية وكيفيتها وطرق تحقيقها، ولكن للأسف لا يتسع المقام للحديث عن ذلك، وعسى أن تَجديه فيما بعد مفصلاً في موضوع آخر مستقل.

أين تكمن مهارات الوالدين؟

المهارة التي نطلبها إنما تكون في:

القدوة

فخط التربية الأول هو القدوة، مواجهة النفس بصدق بإيجابياتها وسلبياتها؛ ولا مجال للشك في ذلك؛ فإذا رغبنا أن يفعل الطفل سلوكًا ما علينا أن نريه هذا السلوك، ونحن نأتيه فينتقل إليه دون عناء.

الصبر

هي أعظم مهارة يمنّ الله سبحانه وتعالى بها على المربي، وما أعظم أثره في رحلة التربية، ونحن نحاول جميعًا أن نصل لهذا الصبر؛ ليسهل المسيرة! فالصبر يعلمنا أن نكرر مرة بعد مرة دون يأس. وهو ما يجعلنا نعلم الشيء الواحد مرة بعد مرة، وبطريقة وبأخرى إلى أن نصل.

كذلك هو الذي يجعلنا ننصت لأطفالنا إنصاتًا يبني لديهم الثقة بأنفسهم، ويشعرهم بأنهم أهل للاحترام، ويشعرهم بأنهم على درجة من الأهمية لأنكم تسمعون ما يقولونه.. وهذه النقطة الأساسية لتكوين صورة جيدة عن الذات؛ فالطفل يرى نفسه في مرآة الأهل، فإذا ما قلنا إنه طفل رائع اقتنع بذلك، وإذا ما وصمناه بالغباء والجبن وغيرها من الصفات السلبية صدَّق أنه كذلك، وتصرف على أساس قناعته تلك.

الرحمة

إنها المنة الثانية من الله -عز وجل- في رحلة التربية؛ فالرحمة تجعلنا نتسامح مع أطفالنا فيتعلمون التسامح، ورحمتنا بهم تعلمهم الرحمة بجميع مخلوقات الله تعالى؛ تعلمهم التعاطف، والحب، والرأفة، وذلك يدفعهم للتعامل السوي مع الناس، ويعول على ذلك جانب كبير من النجاح في الحياة، فضلاً عن العيش بنفس هادئة مطمئنة؛ فالراحمون يرحمهم الرحمن الرحيم سبحانه.

العلم

كلما نما علمنا وفهمنا بأطفالنا وطبيعتهم وسلوكهم ومبرراتها زاد ابتهاجنا بهم، وزادت قدرتنا على التعامل السليم معهم.

وقد يكون هذا محور ما سألت عنه: ما الذي ينبغي أن تعرفه كل أم، وهو ما أسميتِه بالمهارات؟

بمهارة الوالدين .. ماذا نفعل مع أطفالنا؟

  • قد يحتاج كل هذا لمؤلفات ومجلدات، ولكن هذه بعض النقاط القصيرة الموجزة:
  • إظهار الحب للطفل بمشاركته في أنشطته، واللعب معه، والحديث إليه؛ فقد قال رسول الله --: “لاعبه سبعًا، وأدبه سبعًا، وصاحبه سبعًا، ثم اترك له الحبل على الغارب.
  • أنصتي له جيدًا لتفهميه وتدركي ما يفكِّر به وما يعتمل في نفسه.
  • ابتكري الوسائل التي تبدئين بها الحديث واتركيه يتحدث هو، وأدلك على القصة؛ فالقصة أحد أهم الوسائل لصنع أحاديث مشتركة ولإيجاد موضوعات تتحدثان حولها، فضلاً عن أحاديث الأسرة الدافئة وعن أحوالها، وعن حكاياتك وذكرياتك وغيرها مما تزرعين أثناءه ما تودين من قيم، ومبادئ، وأخلاق، وسلوك.
  • حاولي أن توفِّري لأولادك بيئة ثريَّة، ولا أقصد –بالطبع- الثراء المادي، وإنما أقصد أن يجدوا حولهم نشاطات متعددة، ووسائل تنمية متعددة تستطيعين من خلالها التعرف على ميولهم لتنميتها.
  • اسألي عما يصادفك من مشكلات أولا فأولا، ولا تدعيها تتراكم.
  • الأطفال يعشقون الابتسامة كما يعشقون خفَّة الظل؛ فإن استطعت ذلك كسبت قلوبهم، وعليك أن تفتحي بابًا للصداقة بينكم.
  • دوِّني ملاحظاتك حول كل طفل وأسئلتك المتعلقة به، والهواية التي تودين تنميتها، وهكذا كل ما يدور بذهنك حول الطفل؛ فذلك ييسر عليك أن تصلي لحلول سريعة، كذلك لأفكار واضحة مرتبة.

الدعاء ثم الدعاء ثم الدعاء

إن كون الإنسان أبًّا أو أمًّا منذ 10 أعوام أو 50 يكسبه دون شك مهارات وخبرات على مر السنين، هي مهارات الوالدين للتعامل مع أبنائهم..هذا صحيح،  ولكن في كل الأحوال والظروف يمكن أن ينتفع بها في كل الأزمنة والأمكنة، فهي عبارة عن جملة من الامتحانات التي نجح أو فشل فيها الوالدان، ومن الضوروي الاستفادة منها. فالإنسان إنما ينصح بما نجح في اجتيازه من مشكلات، إضافة لنصحه بتجنب ما كان سببًا في بعض العثرات.