فاقد الشيء لا يعطيه: من لا يحترم نفسه ويقدرها لا يستطيع أن يحترم الآخرين ويقدرهم؛ ولذلك فمهارة التوكيد الفعال تعتبر من أهم المهارات لدعم الاحترام المتبادل بين الزوجين التي تعيننا على زرع الاحترام والتقدير المتبادل في جنبات حياتنا الزوجية.

التوكيد: هو أن تقول ما تريده أو تقتنع به بطريقة تجعل الآخرين يستمعون لك بوضوح، وهو يعتبر صفة وقدرة مهمة جدًّا من أجل حل المشكلات؛ لأنه ييسر أن يحصل كل من الزوجين على احتياجاتهما بالطريقة التي تحفظ وتُحَسِّن احترام النفس وتدعم الاحترام المتبادل وتغذي العلاقة الزوجية.

أما البديل، وهو أن تعتمد على الافتئات أو التعدي (حيث تجبر الآخرين على إعطائك احتياجاتك بدون رضاهم) أو الخضوع (حيث تتنازل عن احتياجاتك لأجل الآخرين)، ففي كلتا الحالتين هناك على الأقل طرف خاسر؛ ومن ثم غير راض عن العلاقة.فما هي أهم المهارات لدعم الاحترام المتبادل بين الزوجين.

حتى تمارس مهارة التوكيد بفعالية تحتاج لما يأتي:

  1. الوضوح والثبات فيما يتعلق بحقوقك الشخصية.
  2. كن مقتنعًا بأن حقوقك واحتياجاتك واحترامك مهمة جدًا مثل أهمية احتياجات وحقوق الآخرين.
  3. تدرب جيدًّا على مهارات التواصل السابقة التي تعلمناها في دروس الباب الأول.
  4. كن واضحًا جدًّا ومحددًا فيما تريده من شريك حياتك.
  5. تعامل مع المقاومة المتوقعة من الشريك عن طريق الاستماع التعاطفي.

خطوات التوكيد الفعال:

تخيل نفسك مع شريكك في أصعب المواقف التي تمر بها والتي تسبب لك الكثير من الضيق، واتبع الخطوات التالية حتى تصبح عادة ويتم تطبيقها أوتوماتيكيًّا:

1. استخدم الوعي للتعرف على احتياجاتك الحقيقية، وتأكد من أنها بالفعل احتياجاتك الحقيقية وليست احتياجات سطحية أو متخيلة، وأن حصولك على هذه الاحتياجات سيحقق لك الرضا.

وسأضرب مثالاً على ما أقول: إحدى الزوجات كانت تحتاج للشعور بالأمان مع زوجها، وأن حبه لها لن يتغير بحيث تكون الفرصة مهيأة لأن تفقده؛ ولأنها لا تدرك احتياجها -والزوج أيضًا لا يدرك هذه الاحتياجات- بدأ مسلسل النكد الزواجي بمهاجمة كل ما من شأنه أن يهدد هذا الأمان، وكانت البداية بمهاجمة زميلات عمل زوجها، وحجتها أنه يرتكب محرمًا عندما يتحدث معهن ويتبادلون الضحكات، وأخذت تضغط في هذا الاتجاه حتى وعدها بأنه سيكف عن هذا، واعترف بالخطأ واستغفر ربه عن أي تصرف يغضبه متصورًا أن الهدوء قادم، ولكنها لم تهدأ؛ لأنها تحتاج للأمان، فبدأت تبحث مرة أخرى عن أي قضية تهدد أمانها لتخوض فيها حربًا ضارية بلا هوادة، فمرة تطلب أن تُكَتَب الشقة باسمها، ومرة تُطَالبه بأن يقاطع أهله لأنهم سيستحوذون عليه دونها ويدفعونه دفعًا لطلاقها. والكارثة تكمن في أنها لا تدرك احتياجاتها الحقيقية رغم كل هذا التصعيد، والنتيجة انهيار الزواج.

2. قبل التوكيد على احتياجاتك راجع ما يلي:

– تأكد من وصولك للوضع الذي تعتبر فيه أن احتياجاتك مساوية في الأهمية لاحتياجات شريكك.

– تأكد من مشاعرك الداخلية ومن أن احتياجاتك هي حق لك، ومن أنه لا يوجد عندك أي شعور بالذنب أو الخجل لأنك تطلب حقوقك.

– تأكد من قدرتك على استيعاب تفاعلات شريكك تجاه ما تطلبه (مثل الغضب والرفض والصراع والإيلام والدفاع والهجوم). الممارسة المستمرة تكسبك المزيد من القدرة على استيعاب الانفجارات الشعورية للشريك.

– توقعاتك بالنسبة لنتيجة التوكيد، وهل تشعر أن احتياجاتكما سوف يتم تلبيتها بصورة تحقق لكما الرضا.

3. حدد وتعرف على حقوقك الشخصية: عندما نتلقى الرعاية في أسر مستقرة تنتهج السلوكيات التربوية، يؤدي بنا لدخول مرحلة النضج بشخصيات تتمتع بقدر مقبول من الكرامة الشخصية والقيمة الذاتية، والعكس يحدث في الأسر التي تسحق أبناءها، فهؤلاء يتقدمون لمرحلة النضج بنفوس متزعزعة ومهتزة مع فقد الإحساس بقيمة النفس وكرامتها، وهذا يؤدي إلى الكثير من التأثيرات السامة، وأهمها على الإطلاق ما يلي:

– عدم قدرة هذا الإنسان على الاحتفاظ بقيمة الاحترام المتبادل الحقيقية، والتي تعني كما قلنا مسبقًا أن كرامة وقيمة وحقوق شريك الحياة مساوية لكرامتي وقيمتي وحقوقي.

– عدم القدرة على تأكيد شرعية احتياجاته وآرائه وحدوده مع المحيطين به بفعالية.

ومن أجل هذا فإن وضع قائمة للحقوق الشخصية ستجعلنا نتذكر حقوقنا كأناس طبيعيين ذوي كرامة وقيمة ذاتية، والتأكيد على هذه المعاني سيعيننا كثيرًا على التخلص من المثبطات القديمة والمعتقدات الخاطئة؛ وبالتالي تمكننا من أن نؤكد على احتياجاتنا وحقوقنا بطريقة واضحة، وإيجابية ومحترمة، مع تجنب التعدي والافتئات أو الخضوع والخنوع، فأنا أحترم حقوقي وأقدرها كما أحترم وأقدر حقوق الآخرين، ويمكنني أن أحصل على حقوقي بدون أن أمنع الآخرين من الحصول على حقوقهم.

ومن المهم أيضًا أن أدرك تفردي كإنسان، فأنا مثل أي إنسان آخر، لي قدراتي ومهاراتي ومعارفي ودوافعي، أنا أحترم تفردي كما أحترم تفرد الآخرين المحيطين بي، ومن حقي أن أكون “أنا” وأن يتقبلني من حولي كما أنا.

وقائمة الحقوق الشخصية يمكن أن تشمل ما يلي:

  1. من حقي أن أعايش مشاعري المختلفة بكل تنويعاتها؛ لأنها جزء طبيعي من إنسانيتي.
  2. من حقي أن أعبر عن هذه المشاعر لمن أريد، وقتما أريد، وكيفما أريد.
  3. أستطيع أن أقول: “نعم”.. “لا”.. “لا أستطيع”.. “لا أعرف”، دون إحساس بالذنب أو الخجل أو التوتر، مع تحملي لكافة تبعات اختياراتي. فمقام الاختيار هو المنزلة التي ارتضاها الحق جل وعلا لنا، فنحن نختار عبادته وتوحيده وعدم الإشراك به وطاعته، ونسعد بهذا الخيار في الدنيا والآخرة لأننا اخترناه، ولقد ضرب الحق سبحانه ورسوله وأمهات المؤمنين لنا المثل في هذا، فعندما طلبت أمهات المؤمنين من الرسول التوسعة في النفقة لم يجبرهن الله ورسوله على قبول الوضع القائم، ولكن تُرك لهن الخيار، فاخترن الله ورسوله وسعدوا بصحبة الحبيب المصطفى في الدنيا والآخرة.
  4. أختار متى وكيف ألبي توقعات الغير مني، وإذا اخترت ألا ألبيها فلابد ألا أشعر بالذنب إلا إذا كنت التزمت بتلبيتها، ولكنني في المقابل مسئول عن اختياراتي وعن عواقبها.
  5. من حقي أن أقع في الخطأ، وأن أتعلم من أخطائي.
  6. من حقي أن يكون لي أصدقاء، وأن أقضي معهم بعض الوقت بالكيفية التي تسعدني.
  7. على أن أختار كيف ومتى أخبر الآخرين عن تأثير سلوكياتهم عليّ، مع ملاحظة أهمية أن يتسم حديثي بكل الاحترام.
  8. سأطلب وأتقبل العون إذا احتجته، بدون خجل أو توتر أو شعور بالذنب.
  9. الترفيه حق من حقوقي، فأوقات الراحة والترفيه والهدوء تعتبر أوقاتًا مثمرة لي مثلها مثل أوقات العمل والحركة.
  10. من حقي أن أقدر مجهوداتي، وأن أستمتع بإنجازاتي.
  11. عليَّ أن أسعى لإشباع حاجاتي بدلاً من أن أتوقع من الآخرين أن يلبوها لي.
  12. سوف أعمل فقط ما يمكنني عمله في وقت معين، وسأخبر الآخرين عندما أشعر أنني مزدحم جدًا ولا يمكنني القيام بما يطلبونه مني، ولن أكلف نفسي فوق طاقتها.
  13. من حقي أن آخذ وقتي عند اتخاذ القرارات المصيرية في حياتي.
  14. مسئولية شرح توقعاتي لشريكي تقع على عاتقي أنا.

وللحصول على احتياجاتنا من شريك الحياة، نعتمد على رسالة “أنا” التوكيدية. وهي تسمى رسالة “أنا” لأنها تركز على مشاعر وأفكار وأحاسيس المتحدث، بعكس رسالة “أنت” التي تركز على لوم الشريك والحكم عليه، وبالتالي تثير عنده الرغبة في الانتصار للنفس وترفع من درجة العداء.

الأجزاء الثلاثة لرسالة “أنا”

1. جزء يصف مشاعر المتحدث.

2. جزء يصف الحدث أو التصرف الذي أثار هذه المشاعر.

3. جزء يفسر سبب إثارة هذه المشاعر.

مثال: بدلاً من أن تقول: “أنت ضايقتني عندما ذكرت والدي بسوء” ستقول:

          لقد شعرت بالضيق،  (مشاعر المتحدث)

          عندما ذكرت والدي بسوء؛  (الحدث)

          لأنهما يمثلان لي قيمة كبرى في حياتي. (التفسير)

التدريب:

  • حدد تصرفًا معينًا من شريكك يضايقك.
  • ما الذي يسببه لي هذا التصرف؟
  • الرسالة التي أستقبلها أثناء هذا التصرف من شريكي هي:

          1-احتياجاته أهم.

          2- احتياجاتي أهم.

          3- نحن متساويان في الاحتياجات.

  • التغيرات السلوكية التي أريدها منه.
  • ما هو السلوك المتوقع مني عندما يتصرف معي هذا التصرف؟
  • الرسالة التي تصله عندما أتصرف هذا التصرف هي:

         1- احتياجاته أهم.

         2- احتياجاتي أهم.

          3- نحن متساويان في الاحتياجات.

  • ما هو العائد الذي يعود على من هذا السلوك؟
  • من منا الذي يرضى عن تواصلنا سويًّا؟

          أنا – هو – نحن الاثنين – لا أحد منا.

والآن، هل يمكن أن تقوم بصياغة رسالة “أنا” التي يمكنك استخدامها في هذه الظروف؟

بعد أن تعرفنا على مفهوم الاحترام والتقدير المتبادل، والكيفية التي نضمن بها أن يكون الاحترام والتقدير المتبادل هو الضابط لعلاقتنا الزوجية، لنتساءل كيف نتعرف على أهمية الاحترام والتقدير المتبادل كطريق آخر للحب. وبعد أن نتعرف على مفهوم الاحترام الحقيقي وأهميته المهارات لدعم الاحترام المتبادل بين الزوجين ..كيف نتعرف على آثار غياب تقدير شريك الحياة.