نظمت كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر بالتعاون مع مركز نهوض للدراسات والبحوث بالكويت ندوة علمية بعنوان “المقاربات الغربية الحديثة للعلوم الإسلامية: مراجعات نقدية” وذلك يوم السبت 5 أكتوبر 2024. هدفت الندوة إلى استعراض وتحليل النقد الأكاديمي الغربي الموجه للدراسات الإسلامية، مع التركيز على تعزيز الحوار بين الباحثين حول المناهج والأسس التي تتبناها المقاربات الغربية تجاه العلوم الإسلامية. وشمل برنامج الندوة ثلاث جلسات رئيسة، بجانب الجلسة الافتتاحية.

الجلسة الافتتاحية

أدار د. عمر بوذينة من وحدة البحوث بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر والتي بدأت بتلاوة عطرة من الذكر الحكيم تلتها كلمة للدكتور إبراهيم الأنصاري عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر الذي رحب  بالحضور والمشاركين في برنامج الندوة مشيرا إلى أن عقد هذه الندوة تعد تجربة جديدة لكلية الشريعة بهدف الانفتاح على الدراسات الغربية للعلوم الإسلامية وتقديم رؤية نقدية لهذه المقاربات.

وأكد د. الأنصاري على أن هذه الندوة تفتح أفق جديد في تناول القضايا الإسلامية من منظور غربي، مع التركيز على النقد العلمي البناء بهدف تصحيح المغالطات واستكشاف الفوائد.

ثم ألقى د. محمد الشامري مدير مركز نهوض للدراسات والبحوث بالكويت كلمة أوضح فيها تركيز مركز نهوض بشكل أساس على قضايا التجديد الديني ودراسة العلاقة بين العلوم الإنسانية والشرعية.

وأشار د.الشامري إلى التحديات التي تواجه العاملين في هذا الحقل فيما يتعلق بالباحثين الغربيين في فهم النصوص الإسلامية نتيجة لنقص التكوين الشرعي أو فيما يتعلق بالمترجمين إما عدم تمكن المترجم باللغة الأجنبية أو عدم إلمام المترجم بالمصطلحات العلمية الدقيقة. كما شدد على أهمية عقد مثل هذه الندوات لمراجعة وتقويم المناهج الغربية المستخدمة في دراسة العلوم الإسلامية.

الكلمة الأخيرة المدرجة في الجلسة الافتتاحية كانت لمنسق الندوة د. عبد الرحمن حللي أستاذ التفسير والدراسات القرآنية المشارك في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر والتي قدم فيها لمحة تاريخية حول نشوء الدراسات الغربية المتعلقة بالعلوم الإسلامية، متطرقا إلى تأثيرها المتزايد على الساحة الأكاديمية العالمية.

وأوضح أن التحدي يكمن في تطوير بدائل علمية عربية قادرة على منافسة تلك الدراسات، مع الحفاظ على التراث الإسلامي الغني وتقديمه بأسلوب ينافس المستوى الأكاديمي العالمي، وهذه الندوة تأتي في إطار مراجعة نقدية للتوجهات الغربية في دراسة العلوم الإسلامية.

واستعرض د. حللي بعض الأفكار التي تناولها المفكر الراحل مراد هوفمان في كتابه “مستقبل الإسلام في الغرب والشرق، موضحا أن الدراسات الإسلامية المكتوبة بالإنجليزية قد أسهمت في نشر المعرفة بشكل أوسع بسبب الحرية الفكرية المتاحة في الدول الغربية.

ورغم انتقاده السابق لفكرة هوفمان في تراجع أهمية اللغة العربية في الدراسات الإسلامية مقابل الإنجليزية، أقر د. حللي بأن الكم الهائل من الدراسات المنشورة باللغة الإنجليزية وترجمتها إلى العربية فرض تحديات جديدة، تستوجب مراجعة منهجية لتلك الدراسات والبحث عن بدائل تنافسية تسهم في تطوير الدراسات الإسلامية.

الجلسة الأولى: الدراسات القرآنية والحديثية

ترأس الجلسة الأولى من برنامج الندوة الأستاذ الدكتور محمد المجالي، أستاذ التفسير وعلوم القرآن بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر وجاءت بعنوان ” الدراسات القرآنية والحديثية”. وشارك في الجلسة عدد من الأكاديميين المتخصصين الذين تناولوا المقاربات الغربية في دراسة القرآن الكريم والحديث النبوي، مع تحليل الفروق المنهجية بين الدراسات الإسلامية والغربية. وهم : أ.د. عبد الله الخطيب أستاذ علوم القرآن والتفسير بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية ، د. سامر رشواني أستاذ الدراسات القرآنية والتاريخ الإسلامي الفكري بجامعة حمد بن خليفة ، د. معتز الخطيب أستاذ مساعد في مركز التشريع الإسلامي والأخلاق بجامعة حمد بن خليفة، د. عبدالسلام أبو سمحة الأستاذ المشارك في الحديث النبوي الشريف وعلومه بجامعة قطر .

ومن خلال الجلسة الأولى، أظهرت الأوراق البحثية المقدمة عمق التحليل النقدي للمقاربات الغربية الحديثة في الدراسات القرآنية والحديثية. وقد تم تسليط الضوء على الفروق الجوهرية بين المنهجيات الغربية والإسلامية، مع التأكيد على ضرورة تطوير مناهج نقدية إسلامية تستفيد من الأدوات الحديثة ولكن تحافظ على خصوصية التراث الإسلامي.

الجهود الغربية في دراسة المصحف الشريف: مصاحف الأمويين أنموذجًا

قدم أ.د. عبد الله الخطيب عرضًا تفصيليًا عن تاريخ الاهتمام بدراسة المصاحف في الغرب وأتبعه بعرض ودراسة لآراء وأعمال المستشرق الفرنسي فرانسوا ديروش، الذي يُعد من أبرز العلماء المعاصرين حول المصاحف وجمعها. ركزت المحاضرة على المصاحف الأموية ودورها في فهم تطور النص القرآني.

تاريخ دراسة مخطوطات القرآن

وقال أ.د. عبد الله الخطيب إن علم دراسة تاريخ نص القرآن ومخطوطاته (Quranic Historiography) هو علم غربي نبع من دراسة لـ نولدكه كما يقول مرتضى كريمي نيا. أما الدراسات الإسلامية قبل نولدكه للنص القرآني من خلال المخطوطات فلايمكن اعتبارها دراسات مباشرة في هذا المجال.

وأوضح أ.د. عبد الله الخطيب أن استخدام علوم مثل الكوديكولوجيا والباليغرافيا وهما علمان غربيان بامتياز ساهما في تقديم فهم أعمق لتاريخ المصاحف ولذلك كان للغربيين الأسبقية في هذا المجال.

أشار أ.د. عبد الله الخطيب إلى أن أول دراسة مقارنة تختص بالمصحف كانت في القرن السابع عشر مع المستشرق أبراهام هنكلمان، الذي قام بطباعة أول نسخة من المصحف في ألمانيا عام 1694م.

طبعة إبراهام هنكلمان للقرآن الكريم 1649 م
طبعة إبراهام هنكلمان للقرآن الكريم 1649 م

وقام أ.د. عبد الله الخطيب بدراسة المخطوطات التي استند عليها هنكلمان في كتابه (القرآن الشرعة الإسلامية محمد بن عبدالله ) بعد زيارته لألمانيا في عام 2019 م.

عرج أ.د. عبد الله الخطيب على اهتمامات الغربيين المتزايدة بدراسة المصاحف:

  • من أواخر القرن السابع عشر وذلك بعد حملة نابليون على مصر 1798 م ثم اكتشفت المخطوطات القرآنية القديمة في القرن التاسع عشر في مسجد عمرو بن العاص وحصل المرافقين مع نابليون على آلاف النسخ ومنهم جان جوزيف مارسيل و أسلان دو شرفيل.
  • عالم اللاهوت الدانماركي جاكوب ج. كريستيان أدلر قام بفهرسة المصاحف القديمة الموجودة في المكتبة الملكية في كوبنهاجن.
  • كذلك من أوائل المستشرقين الغربيين في دراسة المصاحف المستشرق الإيطالي ميكيلي أماري (1806 – 1889 م) الذي قام بفهرسة المخطوطات العربية ومنها المصاحف في المكتبة الوطنية الفرنسية.
  • في عام 1865م اشترت المكتبة الامبراطورية الروسية بعض مخطوطات مصاحف مصر التي حصل عليها المستشرق مارسيل.

وذكر أ.د عبدالله الخطيب ما أورده المقريزي عن مخطوطات قرآنية عديدة كانت محفوظة في  جامع عمرو بن العاص بمصر  ” في سنة 403 للهجرة أنزل من القصر إلى الجامع العتيق  1298 مصحف “.

في ثمانينات القرن العشرين حدث تغيير أمرين مهمين :

  • توسع فهارس المخطوطات القرآنية الموجودة في المكتبات الغربية
  • اكتشاف مخطوطات مصاحف صنعاء حيث شكلت مادة جديدة للدراسة.

وأكد أ.د. عبد الله الخطيب على الدور الريادي الذي تلعبه كلية الشريعة بجامعة قطر في هذا المجال، مشيرًا إلى أن الكلية عقدت مؤتمرًا دوليًا في عام 2018 حول الاتجاهات الغربية المعاصرة في دراسة المصاحف.

 فرانسوا ديروش ودراسة المصاحف الأموية

انتقل أ.د. عبد الله الخطيب في القسم الثاني من محاضرته للحدث عن المستشرق الفرنسي فرانسوا ديروش الذي يعتبر المتربع على عرش دراسة المصاحف بحسب وصفه.

ركز أ.د. عبد الله الخطيب على دور فرانسوا ديروش في دراسة المصاحف الأموية، مشيرًا إلى أن ديروش أصدر كتابًا في عام 2013 حول هذا الموضوع بعنوان “ مصاحف الأمويين” ترجم إلى العربية من قبل مركز نهوض للدراسات والبحوث ، ويعد مرجعا رئيسا في دراسة المخطوطات القرآنية. وقد استخدم ديروش تقنيات حديثة مثل الكربون المشع لتحديد عمر المخطوطات، وقدم تصنيفات دقيقة للخطوط القرآنية مثل الخط الكوفي والخط الحجازي.

وأكد أ.د. عبد الله الخطيب أن ديروش استطاع إثبات أن النص العثماني كان مكتملًا منذ عهد الخليفة عثمان بن عفان، مما ينقض الادعاءات الاستشراقية القديمة بأن القرآن لم يُجمع إلا في القرن الرابع الهجري.

ناقش أ.د. عبد الله الخطيب أيضًا قضية نشأة القراءات القرآنية، موضحًا أن ديروش أكد أن القراءات لم تنشأ بسبب عدم وجود نقط وحركات في النص، كما يدعي بعض المستشرقين. بل كانت القراءات موجودة منذ عهد النبي ، ونقلها الصحابة. وأوضح أن تعدد القراءات يعكس تنوع اللهجات العربية، وليس خللًا في الرسم العثماني.

أعمال المستشرق الفرنسي فرانسوا ديروش
أعمال المستشرق الفرنسي فرانسوا ديروش

ذكر أ.د. عبد الله الخطيب عرضه بالتأكيد على الدور الريادي الذي تلعبه كلية الشريعة بجامعة قطر في هذا المجال، مشيرًا إلى أن الكلية عقدت مؤتمرًا دوليًا في عام 2018 حول الاتجاهات الغربية المعاصرة، وجمعت أكثر من 135,000 مخطوطة قرآنية من جامعة ليبسج لتسهيل دراسة هذه المخطوطات على الباحثين. هو المتربع على عرش دراسة المصاحف.

ركز أ.د. عبد الله الخطيب على دور فرانسوا ديروش في دراسة المصاحف الأموية، مشيرًا إلى أن ديروش أصدر كتابًا في عام 2013 حول هذا الموضوع ترجم إلى العربية من قبل مركز نهوض للدراسات والبحوث ، ويُعد مرجعًا رئيسيًا في دراسة المخطوطات القرآنية. وقد استخدم ديروش تقنيات حديثة مثل الكربون المشع لتحديد عمر المخطوطات، وقدم تصنيفات دقيقة للخطوط القرآنية مثل الخط الكوفي والخط الحجازي.

وأكد أ.د. عبد الله الخطيب أن ديروش استطاع إثبات أن النص العثماني كان مكتملًا منذ عهد الخليفة عثمان بن عفان، مما ينقض الادعاءات الاستشراقية القديمة بأن القرآن لم يُجمع إلا في القرن الرابع الهجري.

ناقش أيضًا قضية نشأة القراءات القرآنية، موضحًا أن ديروش أكد أن القراءات لم تنشأ بسبب عدم وجود نقط وحركات في النص، كما يدعي بعض المستشرقين. بل كانت القراءات موجودة منذ عهد النبي ، ونقلها الصحابة. وأوضح أن تعدد القراءات يعكس تنوع اللهجات العربية، وليس خللًا في الرسم العثماني.

بنية السورة القرآنية في الدراسات الغربية المعاصرة .. المناهج والمقاصد

ناقش د. سامر رشواني عرضًا تفصيليًا حول بنية السورة القرآنية في الدراسات الغربية، مسلطًا الضوء على تطور النقد الأدبي الغربي في هذا المجال منذ الثمانينيات وحتى اليوم. تناول أبرز المناهج الأدبية والفيلولوجية المستخدمة في التعامل مع النصوص القرآنية من منظور غربي، مشيرًا إلى التحولات المهمة التي حدثت في فهم السور القرآنية.

في بداية عرضه، أوضح د. سامر رشواني أن الدراسات الاستشراقية التقليدية كانت تميل إلى الاعتقاد بأن السور القرآنية، باستثناء بعض السور القصيرة، لا تتبع نظامًا واضحًا أو بنية منطقية. وذكر أن مستشرقين مثل هاملتون جيب وبيل وغيرهم اعتبروا أن السور القرآنية مجرد مجموعات من النصوص المجمعة دون ارتباط واضح بين موضوعاتها. هذه النظرة السائدة طغت على الدراسات الغربية لفترة طويلة، ما أدى إلى تقليل فهمهم للتنظيم الداخلي للسور.

لكن في الثمانينيات، ومع تزايد الاهتمام النقدي في الغرب بالنصوص الدينية عمومًا، بدأت هذه النظرة تتغير. أشار د. رشواني إلى دور المستشرقة الألمانية أنجيليكا نويفرت التي أحدثت نقلة نوعية في دراسة بنية السور القرآنية. في عام 1981، نشرت نويفرت كتابها الشهير “دراسات في بنية السور المكية”، حيث أعادت النظر في تقسيمات السور المكية وفق معايير جديدة.

استخدمت نويفرت منهج ألفريد بلوخ في تحليل القصيدة العربية القديمة لدراسة بنية السور المكية، معتبرة أن السور القرآنية تشكل بناءً أدبيًا معقدًا ومتقنًا. وركزت على كيفية تنظيم الآيات ضمن وحدات موضوعية متماسكة. قسمت نويفرت السور المكية إلى ثلاث فترات زمنية، مشيرة إلى أن كل فترة زمنية تمتاز بأنماط أسلوبية وأدبية محددة.

منهجية نويفرت في دراسة السور القرآنية

أشار د. سامر رشواني إلى أن المستشرقة الألمانية أنجليكا نويفرت قدمت دراسة منهجية تفصيلية لعدة جوانب من السور المكية:

  • القافية والوزن: درست نويفرت القافية (أو الفاصلة القرآنية) في 85 سورة، وخلصت إلى أن الوزن والإيقاع يلعبان دورًا أساسيًا في تنظيم السور المكية المبكرة.
  • تركيب الآيات: قامت نويفرت بتصنيف الآيات إلى مجموعات حسب عدد العبارات فيها، مشيرة إلى وجود أنماط مختلفة من الآيات: مكونة من عبارة واحدة، عبارتين، أو أكثر.
  • الأنماط الأدبية: قدمت نويفرت تصنيفًا لأنماط الجمل النصية في السور المكية، مثل القسم، الحديث عن الأخرويات، القصص، المقاطع الترتيلية، والجدال.
صورة مقال ندوة علمية بجامعة قطر تنقد المقاربات الغربية الحديثة للعلوم الإسلامية
بعض أعمال المستشرقة الألمانية أنجليكا نويفرت

وأشارت نويفرت إلى وجود بنية ثلاثية في السور المكية، حيث تبدأ السورة وتنتهي بالتأكيد على صحة الوحي، وتتوسطها القصص أو الأحداث. وأوضحت أن هذا النمط يظهر في العديد من السور المكية، رغم أنه ليس ثابتًا في جميع السور.

دراسات مستنصر مير والنظم القرآني

انتقل د. سامر رشواني إلى الحديث عن مستنصر مير، الباحث الباكستاني الذي تأثر بأعمال علماء مثل حميد الدين الفراهي وأحسن أصلاحي. قام مستنصر مير بتطوير مفهوم النظم القرآني، وركز على دراسة عمود السورة لفهم بنيتها الداخلية. وفقًا لمير، فإن السور القرآنية تحتوي على بنية أدبية معقدة، حيث ترتبط الآيات بشكل متسلسل ومنطقي.

قدم د. سامر رشواني شرحًا لأدوات التحليل الأدبي التي اقترحها مير في دراسة السور، مثل القافية، التنغيم، الوزن، وأنماط الخطاب مثل “يا أيها الذين آمنوا” و”يا أيها الناس”. وأوضح كيف تساعد هذه الأدوات في فهم التنظيم الداخلي للآيات والموضوعات المتكررة.

البلاغة السامية والاتجاهات الحديثة

في هذا الجزء من محاضرته، ناقش د. رشواني إسهامات الباحث البلجيكي ميشائيل كويبرس في مجال البلاغة السامية، حيث اقترح كويبرس أن البلاغة السامية تختلف عن البلاغة اليونانية في تنظيمها. بينما تعتمد البلاغة اليونانية على التسلسل الخطي للأفكار (الاستهلال، السرد، البرهنة، الخاتمة)، تعتمد البلاغة السامية على التوازي، سواء التوازي المعكوس أو المحوري.

رغم أن معظم أعمال كويبرس لم تُترجم بالكامل إلى العربية، إلا أن بعض دراساته الهامة، مثل دراسته لسورة المائدة وكتابه “منهج دراسة النظم القرآني”، أثرت بشكل كبير على الدراسات الحديثة في هذا المجال.

التطورات الحديثة في دراسة بنية السور

في السنوات الأخيرة، خاصة في عامي 2021 و2022، ظهرت دراسات جديدة تسعى إلى فهم ما يسمى بـ”نحو السورة”، وهو منهج ينظر في التكرار، أنواع المفاصل، والجمل النصية داخل السور. وأشار د. رشواني إلى أن هذه الدراسات تساعد في تقديم فهم أعمق لبنية السور القرآنية، خاصة السور المدنية التي تتسم بتعقيد بنيوي أكبر.

ناقش د. سامر رشواني مفهوم التسلسل النصي، حيث تربط الآيات ببعضها البعض عبر وحدات نصية متتابعة، أحيانًا دون روابط ظاهرة. ضرب مثالاً على ذلك بالآية “وحافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى”، التي تأتي في موضع يبدو مفاجئًا في سورة البقرة، ولكن يُمكن تفسير وجودها كجزء من تسلسل نصي أكبر.

الخلاصة والتوجهات المستقبلية

في ختام محاضرته، أشار د. سامر رشواني إلى أن الدراسات الغربية الحديثة تتجه نحو فهم القرآن والسور القرآنية من داخل النص نفسه، دون الاعتماد على التراث الكتابي (التوراة أو الإنجيل). وركز على أهمية استخدام المنهجيات الأدبية الجديدة لفهم النصوص القرآنية بطريقة أكثر شمولية، مما يعزز الفهم الأدبي للنصوص بعيدًا عن الافتراضات التاريخية التي تبناها المستشرقون التقليديون.

المنهج الغربي في نقد الروايات: مراجعة نقدية

ركز د. معتز الخطيب في ورقته على المنهج الغربي في دراسة الروايات النبوية، موضحًا الفروق بين منهج علم الحديث الإسلامي والمنهج الغربي في التعامل مع النصوص.

تناول د. معتز الخطيب هذا الموضوع من خلال ثلاثة محاور رئيسية:

  • السياق العام لنشوء الدراسات الغربية حول علم الحديث
  • البدايات الأولى لهذه الدراسات
  • والمنهج الغربي في نقد الروايات النبوية.

السياق العام لنشوء الدراسات الغربية حول علم الحديث

أشار د. معتز الخطيب إلى أن النقاش الغربي حول علم الحديث استند إلى مسارين رئيسيين:

  • المسار الأول: يركز على سؤال الموثوقية، وغلب عليه الشك في صحة الأحاديث النبوية، وهو ما دفع الباحثين الغربيين لمحاولة إثبات أو نفي الثبوت التاريخي للروايات الإسلامية. هذا المسار كان المهيمن في الدراسات الغربية، حيث اعتمد على نقد الأسانيد بهدف التشكيك في صحة النصوص المنقولة.
  • المسار الثاني: ظهر حديثًا، وبدأ التركيز على مضمون الروايات وتحليل محتواها الأخلاقي والديني. تطور هذا الاتجاه بشكل أكبر في العقدين الأخيرين، وبدأ الباحثون يهتمون بدراسة شروح الحديث والمحتوى الأخلاقي للنصوص، بدلاً من التركيز فقط على الأسانيد.

البدايات الأولى للدراسات الغربية حول علم الحديث

أوضح د. معتز الخطيب أن الغربيين تعرفوا على علم الحديث من خلال كتب علماء المسلمين المركزيين، مثل البخاري ومسلم وغيرهم. لكن النقد الجاد لعلم الحديث بدأ في أوائل القرن التاسع عشر، بسبب عاملين رئيسيين:

تطور الدراسات التاريخية في الغرب خلال تلك الفترة، والتي شجعت على البحث النقدي للنصوص الدينية.

الاهتمام الاستعماري بمعرفة تقاليد الشعوب الإسلامية وثقافاتها، مما أدى إلى محاولة نقد التراث الإسلامي وتفكيكه. ربط الكثير من الدارسين بين الاستشراق والاستعمار، واعتبروا أن النقد الغربي للحديث النبوي جاء ضمن هذا السياق.

كما أن الغربيين تأثروا بالدراسات النقدية للكتاب المقدس، وخاصة الدراسات الإسرائيلية، التي فتحت الباب لنقد الإسلام كأقرب الديانات إلى المسيحية واليهودية. وفقًا لهذا السياق، كان الهدف الأساسي للمستشرقين هو نقد التقاليد الدينية للإسلام، مستفيدين من أدوات النقد التاريخي التي تم تطبيقها على الكتاب المقدس.

المنهج الغربي في نقد الروايات النبوية

استعرض د. معتز الخطيب تطور المنهج الغربي في نقد الروايات النبوية منذ منتصف القرن التاسع عشر، مع ظهور تساؤلات مركزية حول مصادر الروايات، طرق نقلها، وقيمتها التاريخية. طرح المستشرقون أسئلة حول مدى دقة الروايات المنقولة، وما إذا كانت الروايات خضعت لأي تحريف أو تعديل بمرور الزمن.

أبرز الباحثين الغربيين في هذا السياق هم:

  •  جوزيف شاخت وإجناز غولدزيهر: وضعا أسس هذا المنهج، وشككا في مصداقية الكثير من الأحاديث النبوية. خلص شاخت، على سبيل المثال، إلى أن الأحاديث لا يمكن اعتبارها مصدرًا موثوقًا لنقل الأحداث التاريخية في عهد النبي ، وأن جزءًا كبيرًا من الأحاديث نشأ في فترة لاحقة، وخاصة في القرنين الثاني والثالث الهجريين. هذا التشكيك كان له تأثير كبير على الدراسات الغربية اللاحقة. رغم تأثير جوزيف شاخت الكبير، لم يتفق الباحثون الغربيون جميعًا على خلاصاته. بعضهم، مثل هارالد موتسكي، قدموا مراجعات لأطروحاته، محاولين تقديم تحليل أكثر دقة للروايات النبوية.
المستشرق الألماني جوزيف شاخت
المستشرق الألماني في الدراسات العربية والإسلامية جوزيف شاخت
  • هارالد موتسكي: أحد الباحثين الذين طوروا منهجًا أكثر تعمقًا في نقد الأحاديث، معتمدًا على دراسة دقيقة للسند. من خلال منهجه، حاول إعادة النظر في بعض أطروحات شاخت، وركز على دراسة سند الكتب الأساسية مثل سنن أبي داود وصحيح البخاري، بهدف تحليل الأسانيد بشكل منهجي.

الاختلاف بين المنهج الغربي والمنهج الإسلامي

أوضح د. معتز الخطيب أن المنهج الغربي في نقد الروايات يعتمد بشكل كبير على افتراضات تاريخية تختلف جذريًا عن المقاربة الإسلامية، التي تعتمد على إسناد الرواية وموثوقية الرواة. في حين يعتمد المسلمون على علم الرجال لتوثيق الروايات والتحقق من صحة الأسانيد، يركز الباحثون الغربيون على نقد المحتوى التاريخي للرواية، وأحيانًا يركزون فقط على المتن دون إيلاء الأهمية اللازمة للسند.

على الرغم من التطورات التي حدثت في المنهج الغربي، فإن التشكيك المبدئي في صحة الأحاديث ظل حاضرًا، خاصة تلك المتعلقة بالأحكام الشرعية. هذا المنهج تعرض لكثير من النقد، خاصة من قبل الباحثين المسلمين، الذين أشاروا إلى أن العديد من الروايات النبوية تتمتع بموثوقية عالية، وأن المنهج الغربي لا يأخذ في الاعتبار العوامل الداخلية للدراسات الإسلامية.

قراءة نقدية لكتاب “قال رسول الله : شرح الحديث في 1000 عام”

في محاضرته حول نقد كتاب “قال رسول الله : شرح الحديث في 1000 عام”، قدّم د. عبد السلام أبو سمحة تحليلًا نقديًا مستفيضًا لهذا الكتاب، الذي أثار جدلًا واسعًا في الأوساط الأكاديمية والبحثية. يركز الكتاب على دراسة الحديث النبوي من منظور نقدي حديث، ويطرح رؤية جديدة لفهم الحديث النبوي عبر القرون.

نقلة نوعية في دراسة الحديث النبوي

أشار د. أبو سمحة إلى أن الكتاب يمثل نقلة نوعية في تناول الحديث النبوي، حيث يحاول الكاتب الخروج من الأساليب التقليدية في دراسة الحديث، مقدمًا منظورًا نقديًا جديدًا يعتمد على مناهج حديثة مستمدة من العلوم الاجتماعية والإنسانية. تناول الكتاب قضايا مهمة مثل الموثوقية التاريخية للحديث وكيفية تكوين الشروح الحديثية على مدار التاريخ الإسلامي. ويهدف الكاتب إلى فهم الحديث في سياق تطوراته على مدار ألف عام، مع التركيز على التأثيرات السياسية والاجتماعية التي لعبت دورًا في تشكيل الفهم الفقهي للحديث.

الإشكالات المنهجية في الكتاب

رغم الأفكار الجديدة التي يطرحها الكتاب، إلا أن د. أبو سمحة لفت الانتباه إلى العديد من الإشكالات المنهجية التي ظهرت في طريقة التعامل مع الحديث النبوي. أشار إلى أن المؤلف يستخدم أساليب نقدية غربية قد تكون صالحة لدراسة النصوص الدينية الأخرى، مثل الكتاب المقدس، ولكنه يطبقها بطريقة غير منسجمة مع التراث الإسلامي. هذا التداخل بين المناهج النقدية الغربية والإسلامية قد يؤدي إلى نتائج غير دقيقة في فهم الحديث النبوي، حيث لا تأخذ بعض هذه المناهج في الاعتبار السياقات التاريخية والفقهية التي نشأت فيها الأحاديث.

أوضح د. أبو سمحة أن المؤلف يحاول تقديم قراءة جديدة تعتمد على التاريخ السياسي والاجتماعي لفهم كيفية تشكل الفقه الإسلامي عبر التاريخ. لكنه أكد أن هذه المقاربة تغفل في بعض الأحيان تعقيد السياقات الفقهية والشرعية التي تشكلت فيها هذه الشروح، مما يجعل النتائج غير متوافقة تمامًا مع الفهم الإسلامي التقليدي.

البعد التاريخي والفقهي في دراسة الشروح

انتقد د. أبو سمحة تعامل الكتاب مع الشروح الحديثية من منظور تاريخي بحت، مشيرًا إلى أن المؤلف ركز على البعد التاريخي لتكوين الشروح، لكنه أغفل الجانب التكويني الفقهي والشرعي الذي يُعد جزءًا أساسيًا من فهم الحديث النبوي في التراث الإسلامي. هذا النقص في التعامل مع الفقه جعل النتائج التي توصل إليها الكتاب تخرج أحيانًا عن السياق الذي كان من المفترض أن يتم دراسته.

تناول المؤلف في الكتاب أيضًا تحليل السلطة وعلاقتها بالنصوص الدينية، حيث حاول فهم كيف أثرت السلطة السياسية على تفسير وتطوير الأحاديث. ورغم أن هذا الموضوع يمثل أحد جوانب البحث الهامة، إلا أن د. أبو سمحة أشار إلى أن المؤلف ركز على بعض المقاربات التحليلية دون الاهتمام الكافي بالسياقات الشرعية التي تفسر هذه النصوص.

أهمية تطوير المناهج الدراسية

على الرغم من الملاحظات النقدية، أشار د. أبو سمحة إلى أن الكتاب فتح بابًا مهمًا للنقاش حول كيفية تطوير المناهج الدراسية في علم الحديث. دعا الباحثين المسلمين إلى الاستفادة من بعض الأدوات النقدية الحديثة، ولكن بحذر، مع مراعاة خصوصية التراث الإسلامي. وأكد على ضرورة عدم إسقاط المناهج النقدية الغربية بشكل غير متوافق مع الدراسات الإسلامية، موضحًا أن التطور المنهجي يجب أن يتم بوعي عميق بمبادئ علم الحديث وإسناد الروايات النبوية.

الجلسة الثانية: دراسات العقيدة وعلم الكلام

أسفرت الجلسة الثانية من برنامج ندوة “المقاربات الغربية الحديثة للعلوم الإسلامية: مراجعات نقدية” عن نقاشات معمقة حول التوجهات الاستشراقية في دراسة العقيدة وعلم الكلام.

 ترأس الجلسة الثانية د. يوسف بنلمهدي، رئيس قسم العقيدة والدعوة بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر. شارك في الجلسة كل من: الدكتور عزيز بيطوي، أستاذ مشارك بقسم العقيدة والدعوة في كلية الشريعة بجامعة قطر، والدكتور سمير قدوري، الأستاذ المساعد في تاريخ الأديان بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، والدكتور عمر الخطيب، أستاذ مساعد بقسم العقيدة والدعوة في كلية الشريعة بجامعة قطر.

افتتح د. يوسف بنلمهدي الجلسة بتقديم مدخل لموضوع الجلسة، مسلطًا الضوء على الاهتمام الكبير الذي تحظى به دراسات العقيدة وعلم الكلام في الأوساط الأكاديمية الغربية، أوضح الدكتور يوسف أن هناك العديد من المقاربات الغربية التي تنظر إلى العقيدة وعلم الكلام من زوايا متعددة: فيلولوجية، فلسفية، اجتماعية، وإنسانية. وأكد على ضرورة أن يدرس الأكاديميون والباحثون العرب هذه المقاربات بعمق، ليس فقط للرد عليها، ولكن أيضًا للاستفادة من بعض جوانبها التحليلية المفيدة.

الأصول الاجتماعية لتشكل لعلم الكلام في دراسات المستشرق فان إس

تناولت ورقة د.عزيز بيطوي موضوع ” الأصول الاجتماعية لتشكل لعلم الكلام في دراسات المستشرق فان إس : دراسة تحليلية نقدية “، حيث استعرض فيها تطور هذا العلم من منظور غربي، مشيرًا إلى أن علم الكلام كان دائمًا موضوعًا مثيرًا للاهتمام ليس فقط في الدراسات الإسلامية ولكن أيضًا في الاستشراق الغربي. استند الدكتور عزيز إلى كتابات المستشرق الألماني جوزيف فان إس، الذي يُعتبر من أبرز الباحثين في الدراسات الكلامية.

أشار د.عزيز بيطوي إلى قضية سؤال نشأة علم الكلام، والتي ترتبط بشكل مباشر بالأصول الاجتماعية والسياسية لهذا العلم. ذكر أن المستشرقين، مثل فان إس، غالبًا ما ركزوا على تأثير العوامل السياسية في نشأة علم الكلام وتطوره، مستدلين بذلك على العلاقة بين السلطة السياسية والفكر الكلامي، خاصة في عهد الخلفاء الأوائل.

ومع ذلك، أكد د.عزيز بيطوي على أن هذا الربط بين علم الكلام والسياسة لا يمكن تعميمه، حيث أن العديد من أصول هذا العلم تعود إلى نقاشات دينية ولاهوتية داخلية، بعيدة عن التدخلات السياسية. كما أشار إلى أن التحليل الاجتماعي وحده لا يكفي لفهم نشأة علم الكلام، بل يجب أيضًا توظيف المناهج الفلسفية والتاريخية لفهم تطور هذا العلم.

أوضح د.عزيز بيطوي أن دراسة هذه العوامل ليست فقط من اختصاص المستشرقين الغربيين، بل أيضًا من الضروري أن يتم تناولها من قبل الباحثين المسلمين لفهم السياقات التي ساهمت في تطور الفكر الكلامي.

وأكد د.عزيز بيطوي أن المستشرق فان إس ركز بشكل خاص على التفاعل بين الدولة والفقهاء والمتكلمين، مشيرًا إلى أن الحياة السياسية لعبت دورًا في تطور بعض القضايا الكلامية، مثل قضية القدر والجبر، التي ظهرت بشكل واضح أثناء حكم الدولة الأموية. ومع ذلك، لفت بيطوي الانتباه إلى ضرورة عدم تسييس علم الكلام بشكل مفرط كما يفعل بعض المستشرقين، وأنه من الضروري فهم أن تطور الفكر الكلامي كان أيضًا نتيجة للنقاشات الدينية والفلسفية الداخلية التي لم تكن جميعها ذات أبعاد سياسية.

صورة مقال ندوة علمية بجامعة قطر تنقد المقاربات الغربية الحديثة للعلوم الإسلامية
جانب من تكريم المشاركين في جلسات الندوة

ركز د.عزيز بيطوي أيضًا على أهمية المنهج النقدي في التعامل مع الأدبيات الغربية، وأكد على ضرورة تطوير منهجية جديدة تمكن الباحثين المسلمين من قراءة الدراسات الاستشراقية حول علم الكلام بنظرة نقدية. بدلاً من رفض هذه الدراسات كليًا أو قبولها بدون تحفظ، دعا بيطوي إلى تحليل الخلفيات الفلسفية التي توجه هذه الدراسات، والتفكير في إعادة صياغة المفاهيم التي طرحها المستشرقون بطريقة تتناسب مع المنهج الإسلامي.

مناهج المستشرقين المعاصرين في بحث مسألة صحة الوثائق الإسلامية في الجدل مع أهل الكتاب

تحدث د.سمير قدوري عن “مناهج المستشرقين المعاصرين في بحث مسألة صحة الوثائق الإسلامية”، مسلطا الضوء على اهتمام المستشرقين بالجدل بين المسلمين وأهل الكتاب. أوضح الدكتور قدوري أن المستشرقين أولوا اهتمامًا كبيرًا بتحديد مدى صحة نسبة الوثائق الإسلامية إلى مؤلفيها، سواء كانت هذه الوثائق تتعلق بالنصوص الجدلية أو التاريخية.

أعطى د.سمير قدوري أمثلة على المستشرقين الذين درسوا هذا المجال، مثل موريس شتاينشنايدر وديفيد توماس، مشيرًا إلى مشروع ضخم يتناول الأدبيات الإسلامية والمسيحية. أوضح أن منهج المستشرقين يعتمد على تحليل النصوص التاريخية وتدقيق نسبة المؤلفات إلى أصحابها من خلال أدلة موجبة وسالبة.

أضاف د.سمير قدوري في ورقته حول “مناهج المستشرقين في التحقق من صحة الوثائق الإسلامية” تفاصيل دقيقة حول كيفية تعامل المستشرقين مع الوثائق التاريخية المتعلقة بالجدل بين المسلمين وأهل الكتاب. وناقش الدكتور قدوري كيف أن المستشرقين مثل سارة سترومسا استخدموا التحليل النقدي لنفي نسبة بعض النصوص إلى شخصيات إسلامية بارزة، مشيرًا إلى قضية رسالة ابن حزم، التي اعتبرتها سترومسا غير صحيحة بناءً على معايير نقدية غربية، لكنها تجاهلت في الوقت نفسه التقاليد الإسلامية في التوثيق.

أوضح د.سمير قدوري أيضًا أن المنهج الغربي في هذا الصدد يعتمد على أدلة داخلية مثل الأسلوب والتاريخ، ولكن يغفل عن الأدلة الإسلامية التقليدية مثل السند، وهو ما يفتح بابًا للنقاش حول الفجوة المنهجية بين المقاربات الإسلامية والغربية.

في نهاية مداخلته، قدم د.سمير قدوري نماذج من التحقيقات الغربية حول نصوص جدلية، مثل رسالة ابن حزم ورسالة عبد المسيح الكندي، مبينًا كيف حاول المستشرقون تحليل هذه النصوص بناءً على معايير نقدية غربية تختلف عن المنهج الإسلامي في التوثيق.

تطور الاستشراق للتصوف بين القديم والمعاصر

اختتم د. عمر الخطيب الجلسة بمداخلته حول “تطور الاستشراق في دراسة التصوف بين القديم والمعاصر”، مسلطًا الضوء على كيفيّة تطور الاهتمام الغربي بعلم التصوف على مدار القرون الماضية. أشار الخطيب إلى أن المستشرقين تعاملوا مع التصوف الإسلامي من زوايا مختلفة، بداية من وصف التصوف على أنه انعكاس للفكر المسيحي وصولًا إلى دراسات أكثر عمقًا وموضوعية في العصر الحديث.

وأشارد. عمر الخطيب إلى لويس ماسينيون كمثال على المستشرقين الذين أعادوا الاعتبار للتصوف الإسلامي باعتباره جزءًا أصيلًا من التراث الديني والفكري الإسلامي، مع تحليل عميق لشخصيات مثل الحلاج. ومع ذلك، أشار إلى أن بعض الدراسات الحديثة لا تزال تعاني من تحيزات سياسية، حيث يتم إبراز التصوف كوجه ودّي ومتسامح من الإسلام لتحقيق أهداف معينة في الغرب.

وناقشد. عمر الخطيب كيفية تعامل المستشرقين مع التصوف الإسلامي، وخصوصًا كيف تطورت دراسة التصوف من مجرد وصف ظاهري للظاهرة الصوفية إلى دراسة تأويلية عميقة للنصوص الصوفية.

وبين د. عمر الخطيب إلى أن المستشرقين مثل آرثر أربري وآن ماري شميل قدموا دراسات نقدية وتحليلية للنصوص الصوفية، مع التركيز على الجوانب الروحية والفلسفية للتصوف.

سلط د. عمر الخطيب الضوء على الخصوصية الألمانية في الاستشراق من زاوية تميز الاستشراق الألماني بالعمق ف التحقيقات النصية والاهتمام بدقة التوقيث. وضرب الخطيب مثالا بالمستشرق الألماني فان إس الذي قدم نموذجًا استثنائيًا في تحليل الوثائق الكلامية والصوفية، حيث اعتمد على التحليل الفلسفي والاجتماعي، دون إغفال التأثيرات الدينية والسياسية التي شكلت فكر المتكلمين والصوفية.

الجلسة الثالثة : دراسات الفقه الإسلامي وأصوله

شهدت الجلسة الثالثة نقاشًا غنيا حول التحديات التي تواجه دراسة الفقه الإسلامي في الأكاديميا الغربية. وأكد المتحدثون على أهمية تطوير المناهج البحثية المعاصرة للتعامل مع التراث الفقهي الإسلامي بصورة تتناسب مع تعقيداته، مع ضرورة النقد المنهجي والتفاعل مع الدراسات الغربية بشكل موضوعي. كانت هناك دعوات واضحة للاستفادة من الأدوات الحديثة في تحليل النصوص الفقهية، مع التأكيد على أهمية مراعاة الخصوصيات الفقهية والشريعة الإسلامية في سياقاتها التاريخية والاجتماعية.

رأس الجلسة د. إياد النمر، رئيس قسم الفقه وأصوله بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر. كان عنوان الجلسة “دراسات الفقه الإسلامي وأصوله”، وشارك فيها عدد من أساتذة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر وهم : الأستاذ الدكتور عبد القادر جدي أستاذ الفقه وأصوله، الدكتور محمد الساعي عضو هيئة التدريس بقسم الفقه وأصوله ، الدكتور مراد العبدي الأستاذ المساعد بقسم العقيدة والدعوة والباحث الأكاديمي الأستاذ حسن الرميحي.

مقاربات الأكاديميا الغربية الفقهية كدراسات سابقة: نظرة تقويمية

في ورقته العلمية “مقاربات الأكاديميا الغربية الفقهية: نظرة تقويمية”، قدم أ.د عبدالقادر جدي تحليلاً عميقًا لتطور دراسات الفقه الإسلامي في الأكاديميات الغربية. يُظهر أن هذه الدراسات لم تعد محصورة ضمن إطار الاستشراق التقليدي الذي ساد لعقود، بل تطورت لتشمل مساهمات من باحثين مسلمين وأكاديميين غربيين يعتمدون مناهج متنوعة. ركزت الورقة على أهمية التفاعل الإيجابي والنقدي مع هذه الدراسات بدلاً من رفضها، مؤكدة على ضرورة الاستفادة منها لتطوير البحث الفقهي.

تطور الدراسات الفقهية في الأكاديميات الغربية

أوضح أ.د عبدالقادر جدي  أن الفقه الإسلامي لم يعد يُدرس في الأكاديميات الغربية بنفس النهج الاستشراقي التقليدي الذي ساد قبل السبعينات. هذا التحول جاء نتيجة لمساهمات جديدة من باحثين مسلمين وجامعات غربية.

أشار أ.د عبدالقادر جدي  إلى أن بعض الدراسات الفقهية الغربية تعتمد بشكل كبير على التحليل المعمق للقضايا الفقهية الإسلامية، مستفيدة من مناهج العلوم الإنسانية المختلفة.

كما بين أن الجامعات الغربية تضم مئات الأقسام والمقررات التي تُدرّس فيها الدراسات الإسلامية، مما يعكس حجم الأبحاث والإنتاج العلمي في هذا المجال. هذا التنوع الأكاديمي يشير إلى التزايد المستمر في الاهتمام بالفقه الإسلامي من قبل الأكاديميين الغربيين والمسلمين العاملين في هذه الجامعات.

المناهج المستخدمة في الدراسات الغربية

تحدث أ.د عبدالقادر جدي عن مناهج جديدة تعتمدها الأكاديميات الغربية في دراسة الفقه الإسلامي، ومن أبرزها المنهج الأنثروبولوجي والمنهج التاريخي. هذه المناهج ساعدت الباحثين في تفسير التشريعات والفتاوى الفقهية بشكل أكثر دقة، حيث تتناول هذه المناهج القضايا الفقهية ضمن إطارها الاجتماعي والتاريخي، وهو ما يتيح فهماً أعمق للتغيرات الفقهية عبر العصور.

اختار أ.د عبدالقادر جدي مثالًا لدراسة تاريخية وأنثروبولوجية تتعلق بالمحاكم الإسلامية في الجزائر خلال فترة الاستعمار الفرنسي. هذه الدراسة عالجت تأثير الاستعمار على تطبيق الشريعة الإسلامية، ما فتح مجالًا لفهم العلاقة بين السياسة والقانون والفقه الإسلامي من منظور اجتماعي وتاريخي.

 أهمية التفاعل النقدي مع الدراسات الغربية

أكد أ.د عبدالقادر جدي على ضرورة التفاعل الإيجابي مع الدراسات الغربية المتعلقة بالفقه الإسلامي، محذرًا من تجاهل هذا المخزون العلمي. ورأى أن الاكتفاء بالاعتراض أو نقد هذه الدراسات دون تحليلها والاستفادة منها يعيق تقدم البحث العلمي في العالم الإسلامي.

ودعا إلى جعل نقد الدراسات الغربية جزءًا من الأبحاث الفقهية في كليات الشريعة، مؤكداً على أهمية عدم إصدار أحكام عامة دون دراسة منهجية معمقة لهذه الأعمال.

أشار أ.د عبدالقادر جدي إلى وجود مصادر علمية موثوقة في الجامعات الغربية، مثل موقع جامعة هارفارد الذي يتضمن دراسات حول فقه الأسرة، فقه الطعام، الحسبة، وغيرها من المسائل الفقهية الدقيقة. هذه الدراسات تُكتب من قبل باحثين مسلمين وغير مسلمين، وتتميز بتخصصها العالي ودقتها العلمية.

الإفادات المنهجية والعلمية

من خلال الاطلاع على عدد من الدراسات الغربية، أشار د. جدي إلى إفادات منهجية هامة يمكن أن يستفيد منها الباحثون المسلمون، مثل استخدام المنهج التاريخي لفهم تطورات التشريعات الفقهية.

استعرض أ.د عبدالقادر جدي دراسة عزة حسين حول “سياسات تقنين الشريعة” في ماليزيا، والتي أظهرت أن حركة تقنين الشريعة مرتبطة بشكل وثيق بحركات الاستعمار، حيث أن التقنين أصبح أداة تستخدمها الدولة لتنظيم الشريعة بطريقة معينة. هذه الدراسة تعتمد على المنهج التاريخي لفهم تأثيرات السياسة على الفقه.

استعرض أ.د عبدالقادر جدي بعض الإضافات العلمية المهمة التي جاءت بها الدراسات الغربية، مشيرًا إلى أن هذه الدراسات تجاوزت الشبهات الاستشراقية التقليدية، وبدأت تتناول الفقه الإسلامي من منظور أكثر توازنًا.

أشار أيضًا إلى أن بعض الباحثين الغربيين بدؤوا في نقد الاستشراق التقليدي نفسه، حيث يتمحور النقد حول فكرة الفصل بين الفقه والوحي والاعتقاد بأن الفقه الإسلامي تابع للأعراف السابقة.

تحدث أ.د عبدالقادر جدي عن دراسات تناولت مسائل فقهية حديثة مثل التلقيح الصناعي، التبرع بالأعضاء، وأحكام القضاء، مبينًا كيف أن هذه الدراسات استندت إلى مناهج مشابهة لتلك التي يستخدمها الفقهاء المسلمون. هذه الأبحاث تُظهر أن هناك تشابهًا كبيرًا في تناول القضايا الفقهية، ما يفتح آفاقًا للحوار العلمي بين الباحثين المسلمين والغربيين.

 التحديات والصراعات المنهجية

سلط أ.د عبدالقادر جدي الضوء على الصراعات التي تواجه الباحثين في تطبيق المناهج الغربية، خاصة المنهج الأنثروبولوجي. هناك جدل حول تأثير العرف على التشريع الإسلامي، وما إذا كان العرف مكونًا رئيسيًا في التشريع أو أنه يلعب دورًا محدودًا.

كما أشار إلى تأثير تكوين النخب النسوية في الجامعات الغربية على الدراسات الفقهية، حيث بدأت تظهر اتجاهات جديدة تتعلق بالاجتهاد والتفسير الفقهي، خاصة فيما يتعلق بقضايا المرأة.

توصيات

في نهاية محاضرته، أكد أ.د عبدالقادر جدي على أن الأكاديميا الغربية قدمت إضافات مهمة في مجال الفقه الإسلامي، حيث تجاوزت التوجهات الاستشراقية التقليدية وركزت على دراسة الفقه بطريقة علمية دقيقة.

دعا إلى التعامل مع هذه الدراسات بطريقة تفاعلية نقدية بدلاً من التجاهل أو الرفض. كما أوصى بإنشاء دوائر بحثية تهدف إلى تتبع الإنتاج الأكاديمي الغربي وتحليل نتائجه، مما يساهم في إثراء البحث الفقهي الإسلامي.

تعزيز التفاعل مع الدراسات الغربية: يجب على الجامعات الإسلامية والباحثين في الفقه الإسلامي الانفتاح على الدراسات الغربية، والتفاعل معها نقديًا وتحليليًا لتحقيق تقدم علمي في هذا المجال.

استخدام مناهج جديدة: ضرورة تبني مناهج حديثة مثل الأنثروبولوجيا والتاريخ الاجتماعي في دراسة الفقه الإسلامي، لفهم أفضل للسياقات التي أدت إلى تطور الأحكام الفقهية.

تنمية البحث في الجامعات الإسلامية: تشجيع طلبة الدراسات العليا على تناول الدراسات الغربية كموضوعات بحثية أساسية، مما يفتح آفاقًا جديدة لفهم الفقه وتطوره.

البحث الدلالي والتأويلي في التراث الإسلامي من منظور الدراسات الأكاديمية الغربية

جاءت ورقة د. محمد الساعي بعنوان “البحث الدلالي والتأويلي في التراث الإسلامي من منظور الدراسات الأكاديمية الغربية” تتناول موضوعًا حيويًا يركز على الدراسات الدلالية والتأويلية للنصوص التراثية الإسلامية، خاصة في ضوء البحوث الغربية الحديثة التي تركز على فهم النصوص الإسلامية وفق مناهج لغوية وتأويلية حديثة.

محاور البحث الدلالي والتأويلي في التراث الإسلامي

ركز د. محمد الساعي في ورقته على ثلاث محاور رئيسية تتعلق بالدلالات اللغوية والتأويلية في النصوص الإسلامية:

  • المحور الأول: البحوث الدلالية التي تهتم بدراسة المعنى في النصوص الإسلامية، وكيف تُفهم الكلمات في سياقها، وكيف تطورت معانيها عبر الزمن.
  • المحور الثاني: التأويل، حيث يستعرض مناهج التأويل المختلفة في التراث الإسلامي، وكيف تعامل العلماء المسلمون مع النصوص الدينية لفهم ما ورائيات المعاني المباشرة.
  • المحور الثالث: العلاقة بين الفهم الدلالي والتأويلي، وهو المحور الذي يتناول كيفية تفاعل المناهج الدلالية والتأويلية مع بعضها في تفسير النصوص وفهم التراث.

تأثير الدراسات الغربية على التأويل الإسلامي

أوضح د. محمد الساعي يوضح في ورقته أن المناهج الغربية في الدراسات الدلالية والتأويلية أثرت على دراسة التراث الإسلامي بطرق متعددة.

ثم استعرض د. الساعي بعض النظريات الغربية الحديثة في علم اللغة الدلالي والتأويل، مثل التفكيكية (deconstruction) التي أسسها جاك دريدا، والهرمينوطيقا التي طورها الفيلسوف الألماني هانز جورج غادامر.

  •     التفكيكية: تطرح فكرة أن النصوص لا تحمل معنى ثابتًا أو نهائيًا، وأن المعنى يتغير وفقًا للسياق والقراءة، وهذا يمثل تحولًا جوهريًا في كيفية فهم النصوص الإسلامية من منظور غربي.
  • الهرمينوطيقا: تعتمد على أن التأويل ليس مجرد كشف عن معاني النصوص، بل هو جزء من فهم القارئ لعلاقته بالنص، وهذه المقاربة أثرت على دراسات القرآن والأحاديث من منظور غربي.

مناهج التأويل الحديثة وتأثيرها على التراث

ناقش د. الساعي كيف اعتمدت الدراسات الأكاديمية الغربية على مناهج لغوية وتأويلية حديثة لدراسة النصوص الإسلامية، مع التركيز على نقاط القوة والضعف في هذه المناهج:

  •  التأويل السياقي: الذي ينظر إلى النصوص الإسلامية من منظور السياق التاريخي والاجتماعي الذي كُتبت فيه. يستعرض الدكتور الساعي كيفية استخدام المستشرقين لهذه المناهج لفهم النصوص القرآنية والحديثية بعيدًا عن السياق العقائدي أو الفقهي الذي تبناه العلماء المسلمون التقليديون.
  • التأويل الأدبي: وهو منهج يعتمد على البنية اللغوية والجمالية للنصوص، مثل دراسة التكرار، والرمزية، والأسلوب الأدبي. يشرح الدكتور الساعي كيف وظف الباحثون الغربيون هذا المنهج لدراسة البلاغة القرآنية، والتراكيب اللغوية المعقدة في النصوص الإسلامية.

التحديات المنهجية في دراسة التأويل الإسلامي

ركز د.محمد الساعي في ورقته على التحديات المنهجية التي تواجه الدراسات الغربية في تأويل التراث الإسلامي:

  •     التحيز الثقافي: يرى الدكتور أن العديد من الدراسات الغربية تقع في فخ التحيز الثقافي، حيث تُفهم النصوص الإسلامية ضمن معايير وقيم غربية، مما يؤدي إلى تفكيك بعض معانيها الأصلية.
  • غياب السياق الفقهي: من المشاكل التي أشار إليها الدكتور الساعي هي تجاهل بعض الباحثين الغربيين السياق الفقهي أو العقائدي للنصوص، مما يؤدي إلى قراءات مجزأة أو غير متسقة مع المعاني التي قصدها الفقهاء أو المفسرون المسلمون.

 إسهامات الباحثين الغربيين في التأويل الدلالي للنصوص الإسلامية

أشاد د. محمد الساعي بالإسهامات الإيجابية المفيدة من قبل الباحثين الغربيين بالرغم من وجود تحديات منهجية حول البحث الدلالي والتأويلي للنصوص الإسلامية منها :

  • التحليل المقارن: وهو تحليل يركز على مقارنة التأويلات الإسلامية بنظيرتها في الأديان الأخرى (مثل المسيحية واليهودية). يذكر الساعي أن هذه المقارنات قد تكون مفيدة أحيانًا لفهم بعض الجوانب المشتركة في التأويلات الدينية.
  • إعادة قراءة النصوص التراثية: بعض الباحثين الغربيين قدموا قراءات جديدة للنصوص التراثية بطرق حديثة، مثل دراسة الدلالة القرآنية باستخدام نظريات اللسانيات الحديثة، مما يفتح أفقًا جديدًا للبحث في التأويلات المختلفة.

ملاحظات نقدية على الدراسات الغربية

ختم د. محمد الساعي ورقته بتقديم ملاحظات نقدية على المقاربات الغربية في دراسة الدلالة والتأويل في التراث الإسلامي:

  •     التعميم غير الدقيق: أشار الدكتور الساعي إلى أن العديد من الباحثين الغربيين يقومون أحيانًا بتعميمات غير دقيقة حول النصوص الإسلامية، خاصة عند التعامل مع التأويلات الفقهية أو العقائدية التي قد تختلف باختلاف المدارس الفقهية والمذاهب.
  • إسقاط المفاهيم الحديثة: حذر الساعي من خطورة إسقاط المفاهيم الحديثة على النصوص الإسلامية التراثية، حيث يقوم بعض الباحثين الغربيين بتطبيق مناهج تأويلية حديثة على نصوص قديمة دون مراعاة الفوارق الزمنية والثقافية.

توصيات لطلبة الدراسات العليا

اختتم د. محمد الساعي ورقته بتقديم توصيات لطلبة الدراسات العليا حول كيفية الاستفادة من الدراسات الأكاديمية الغربية:

  • ضرورة الإلمام بالتراث الإسلامي وتطوير قدرة نقدية قوية لتمييز القراءات المناسبة من غير المناسبة.
  • الاستفادة من المناهج الغربية الحديثة مثل التحليل الدلالي والتأويل، ولكن مع الحرص على فهم النصوص التراثية في سياقها التاريخي والفقهي.
  • العمل على تطوير منهجيات تأويلية إسلامية جديدة تنطلق من التراث الإسلامي، مع الانفتاح على المناهج الحديثة التي تثري البحث دون أن تفرض عليه إسقاطات غير مناسبة.

المقاربات النقدية للاستشراق عند وائل الحلاق: دراسة تحليلية نقدية

ركز الأستاذ حسن الرميحي في ورقته على تتبع المقاربات النقدية التي قدمها وائل الحلاق للاستشراق، وخاصة فيما يتعلق بـدراسات الفقه الإسلامي حيث يعتبر وائل الحلاق من أبرز من اشتبك مع المستشرقين. كما أن أوراقه ومقالاته اليوم تُعتبر مناهج تُدرس في الجامعات الغربية في دراسات الشرق الأوسط، واسمه اليوم من الأسماء الكبرى إلى جانب شاخت وغيره من كبار المستشرقين.

النقطة الأساسية التي ركز عليها الباحث الرميحي عليها في دراسته هي أن وائل الحلاق لم يكتفِ بالاشتباك مع الاستشراق ضمن إطاره التقليدي، بل انتقد حتى المنظومة الإبستمولوجية للاستشراق، ومن أهم النقاط التي أثارها هي مسألة “الاستمداد الثقافي”. الاستشراق الكلاسيكي كان يرى أن المسلمين استمدوا فقههم من الرومان أو الفرس أو حتى اليهود.

قدم البحث تحليلا للنقودات التي قدمها وائل الحلاق للمستشرقين المهتمين بتاريخ الشريعة والذين شكلوا محطات مهمة في الدراسات الغربية حول الإسلام مثل جولدزيهر وشاخت وموتسكي. اهتم الباحث الرميحي بالمقاربات المتعلقة بتاريخ الفقه وأصول الفقه المشكل الرئيس للشريعة.

ثلاثة نماذج رئيسة

تناولت دراسة الباحث الأستاذ حسن الرميحي ثلاثة نماذج رئيسة للمجالات التي اشتبك فيها حلاق مع السردية الاستشراقية:

  • مسألة جمود الشريعة في زمن مابعد الإمام الشافعي
  • قصور الشريعة عن مواكبة التحولات الاجتماعية (الشخصية المعنوية نموذجا)
  • الاستمداد الإسلامي من الثقافات المجاورة في ومن التكوين.

وائل الحلاق يعد من أبرز من اشتبك مع المستشرقين، خاصة يوسف شاخت. كما أن أوراقه ومقالاته اليوم تُعتبر مناهج تُدرس في الجامعات الغربية في دراسات الشرق الأوسط. يُعتبر اسمه اليوم من الأسماء الكبرى إلى جانب شاخت وغيره من كبار المستشرقين.

نقد وائل حلاق لـ إبستمولوجيا الاستشراق

وأوضح الأستاذ حسن الرميحي أن النقطة الأساسية التي ركز عليها في ورقته هي أن وائل الحلاق لم يكتفِ بالاشتباك مع الاستشراق ضمن إطاره التقليدي، بل انتقد حتى المنظومة الإبستمولوجية للاستشراق. ومن أهم النقاط التي أثارها هي مسألة “الاستمداد الثقافي”.

وحول سؤال: كيف استمد الفقه الإسلامي أحكامه؟ الحلاق في هذه المسألة يتساءل: لماذا يطرح الاستشراق هذا السؤال عند دراسة الفقه الإسلامي ولا نجده عند دراسة الفقه الروماني أو اليهودي؟ لماذا يُفترض أن كل شيء في الفقه الإسلامي مستمد من ثقافات أخرى ولا يُعتبر جزءًا أصيلًا من الشريعة؟ وبهذا، يطالب الحلاق الاستشراق بأن يكون أكثر تواضعا عند دراسة الثقافات الأخرى.

كتاب قصور الاستشراق لوائل حلاق
كتاب قصور الاستشراق لوائل حلاق

وأضاف الأستاذ حسن الرميحي أن المحور الذي ركز عليه الحلاق هو الاستماع إلى المنطق الداخلي الخاص بالحضارة الإسلامية فمن خلال فهمه يمكن فهم التشابه بين الإسلام والحضارات الأخرى في بعض الأحكام، أما المحور الآخر في تحليل الحلاق يتعلق بفكرة فاعلية الشريعة، فالاستشراق كثيرًا ما ردد مقولة أن الشريعة غير صالحة لتسيير الحياة المعاصرة، لكن الحلاق استطاع قلب الطاولة، وإظهار أن الشريعة الإسلامية كانت تعمل بشكل فعال عبر مؤسسات كالوقف والشخصية الاعتبارية، التي تعطي للوقف صلاحيات قضائية مستقلة.

واختتم الباحث حسن الرميحي ورقته بأن الحلاق جزء من مشروع أكبر في الدراسات الغربية التي تتناول الشريعة الإسلامية بشكل تاريخي، ويجب النظر بعين الاعتبار إلى الدراسات المتناولة لهذا المجال، خصوصًا في ظل الاهتمام المتزايد بقراءة التحولات التاريخية للشريعة.

تاريخ الدراسات الإسلامية والفقهية في الجامعات الغربية: تحديات المنهج والمفهوم

ورقة الدكتور مراد العبدي بعنوان “تاريخ الدراسات الإسلامية والفقهية في الجامعات الغربية: تحديات المنهج والمفهوم” قدمت تحليلًا مفصلًا حول التطور التاريخي للدراسات الإسلامية في الجامعات الغربية، وناقشت التحديات التي تواجه هذه الدراسات على مستوى المنهج والمفهوم.

مراحل تطور الدراسات الإسلامية والفقهية في الجامعات الغربية

بدأ د. مراد العبدي بتقسيم تاريخ الدراسات الإسلامية والفقهية في الغرب إلى ثلاث مراحل رئيسة:

  1. مرحلة الدراسات المسيحية التبشيرية (القرون الوسطى – القرن التاسع عشر): هذه المرحلة تعود إلى بداية اهتمام الغرب بالإسلام من منظور ديني تبشيري. كانت الدراسات الإسلامية في هذا الوقت تسعى أساسًا إلى مواجهة الإسلام من منظور ديني، حيث كان الدافع الرئيسي لهذه الدراسات هو الدفاع عن المسيحية في مواجهة الإسلام. ومن الأمثلة المبكرة: ترجمة معاني القرآن إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر بهدف فهم النصوص الإسلامية للرد عليها. التركيز على الجدل الديني ومحاولة إثبات تفوق المسيحية على الإسلام.
  2. مرحلة الاستشراق الكلاسيكي (القرن التاسع عشر – منتصف القرن العشرين): شهدت هذه المرحلة ظهور الاستشراق الكلاسيكي، حيث بدأ الباحثون الغربيون بدراسة الإسلام من منظور علمي وأكاديمي، لكن الكثير من هذه الدراسات كانت مرتبطة بأهداف استعمارية. أهم ملامح هذه المرحلة: الاهتمام بالنصوص الفقهية والشرعية الإسلامية لفهم المجتمع الإسلامي وتحليله. الدراسات الاستشراقية كانت تهدف إلى فهم المجتمع الإسلامي للتمكن من السيطرة عليه خلال فترة الاستعمار. النقد اللاذع الذي تعرضت له هذه الدراسات بسبب التحيزات الثقافية والسياسية، حيث كان الهدف من دراسة الإسلام هو الترويج لفكرة تفوق الثقافة الأوروبية.
  3. مرحلة الدراسات الإسلامية المعاصرة (منذ السبعينيات): في هذه المرحلة، بدأ يظهر اتجاه جديد في الدراسات الإسلامية في الجامعات الغربية: بدأت الجامعات الغربية تُنشئ مراكز متخصصة لدراسة الإسلام، مثل مركز هارتفورد للدراسات الإسلامية في الولايات المتحدة. زيادة في مشاركة الباحثين المسلمين في هذه الدراسات، مما ساهم في تقديم مقاربات أكثر توازنًا. بالإضفة إلى إدخال مناهج علمية جديدة مثل الأنثروبولوجيا والعلوم الاجتماعية لدراسة الفقه الإسلامي والنصوص التراثية، مما أدى إلى تطوير فهم جديد للإسلام.

تحديات المنهج في الدراسات الفقهية والإسلامية الغربية

ناقش الدكتور مراد العبدي التحديات المنهجية التي تواجه الدراسات الإسلامية والفقهية في الجامعات الغربية، وركز على عدة تحديات رئيسة:

  1. التركيز المفرط على المناهج الفيلولوجية : المناهج الفيلولوجية هي مناهج تحليل نصية تعتمد على دراسة النصوص اللغوية والتاريخية بشكل منفصل عن سياقها الاجتماعي والديني. في هذا السياق، أشار الدكتور العبدي إلى أن الدراسات الفقهية الغربية غالبًا ما تعتمد على تحليل النصوص الفقهية دون ربطها بالسياق التاريخي والفقهي الذي نشأت فيه.
  2. التحدي الثقافي والتحيز : مركزية العقل الأوروبي لا تزال تؤثر على الدراسات الإسلامية في الغرب، حيث يتم التعامل مع النصوص الإسلامية من منظور غربي بحت. وأوضح الدكتور العبدي أن هذا يؤدي إلى إسقاطات ثقافية تجعل من الصعب فهم النصوص الإسلامية بالطريقة التي قصدها علماء المسلمين.
  3. إشكالية تفسير الفقه الإسلامي كقانون وضعي : أوضح الدكتور العبدي أن أحد التحديات التي تواجه الدراسات الإسلامية الغربية هي محاولة تفسير الفقه الإسلامي كأنه مجرد قانون وضعي، دون الأخذ بعين الاعتبار أنه نظام شامل يحكم الحياة الروحية والاجتماعية للمسلمين. هذا النوع من التفسير يؤدي إلى تجزئة الفقه الإسلامي وفهمه بشكل سطحي، بعيدًا عن شموليته وتكامله.

التحديات المفهومية في دراسة الفقه الإسلامي في الغرب

ثم ناقش د. مراد العبدي التحديات المتعلقة بالمفاهيم التي يستخدمها الباحثون الغربيون في دراسة الفقه الإسلامي:

  • فصل الوحي عن الفقه: أشار الدكتور العبدي إلى أن بعض الباحثين الغربيين ينظرون إلى الفقه الإسلامي كمجرد نتاج اجتماعي وقانوني بدون الأخذ بعين الاعتبار مصدره الإلهي، أي الوحي. هذه الرؤية تتناقض مع فهم المسلمين للفقه على أنه جزء من الشريعة، وبالتالي فإن الفقه ليس مجرد مجموعة من القوانين وإنما هو جزء من الدين نفسه.
  • الأعراف والتقاليد: الكثير من الدراسات الغربية تحاول ربط الفقه الإسلامي بالأعراف والتقاليد المحلية، معتبرة أن الفقه مجرد تعبير عن أعراف المجتمعات التي نشأ فيها. يرفض الدكتور العبدي هذا التصور باعتباره تجزئة للفقه وتقليل من دوره الديني.

إسهامات الدراسات الغربية والتفاعل معها

أشار د. مراد العبدي إلى بعض الإسهامات الإيجابية التي قدمتها الدراسات الغربية في فهم الفقه الإسلامي:

  •   استخدام المناهج التاريخية والأنثروبولوجية لدراسة الفقه، حيث ساعدت هذه المناهج في تسليط الضوء على تطور الفقه عبر الزمن وكيفية استجابة الفقهاء للتحديات الاجتماعية والسياسية في مختلف العصور.
  • الاستفادة من المناهج الأكاديمية: أوضح الدكتور العبدي أن الجامعات الغربية تقدم مناهج بحثية متقدمة يمكن للباحثين المسلمين الاستفادة منها لتطوير دراسة الفقه الإسلامي في الجامعات الإسلامية.

أهمية التعاون بين الباحثين المسلمين والغربيين

اختتم د.مراد العبدي ورقته بالتأكيد على أهمية التعاون بين الباحثين المسلمين والغربيين. وأشار إلى أن هذا التعاون يمكن أن يؤدي إلى:

  •  إنتاج بحوث مشتركة تسهم في تطوير الفهم الأكاديمي للفقه الإسلامي بشكل متوازن ودقيق.
  • الاستفادة من الأدوات الأكاديمية الغربية في تحليل النصوص الفقهية، ولكن مع مراعاة السياق الديني والاجتماعي الإسلامي الذي نشأت فيه هذه النصوص.

 توصيات لطلبة الدراسات العليا

وقدم د. مراد العبدي توصيات لطلبة الدراسات العليا الذين يهتمون بدراسة الفقه الإسلامي في الغرب:

  1. الإلمام الكامل بالتراث الإسلامي، وعدم الاعتماد فقط على الدراسات الغربية في فهم الفقه الإسلامي.
  2. تطوير أدوات نقدية للتفاعل مع الدراسات الغربية بشكل إيجابي، بحيث يتمكن الباحثون المسلمون من الاستفادة منها دون الوقوع في إسقاطات منهجية أو تحيزات ثقافية.