إن ما تواجهه أرض فلسطين عامة وغزة بالخصوص في الفترة الأخيرة جريمة إنسانية متكاملة الأركان والشروط.

حيث تتعرض قضية فلسطين إلى مؤامرة عالمية يشجعها ضعف وتخاذل عربي وتآمر أطراف عديدة منه، وما يحدث هذه الأيام في فلسطين يعد تحديا سافرا للمسلمين، وخرقا للقانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان..

قال الإمام الشّيخ محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله: “إن فلسطين وديعة محمد عندنا، وأمانة عمر في ذمتنا، وعهد الإسلام في أعناقنا، فلئن أخذها اليهود منّا ونحن عصبة إنّا إذاً لخاسرون.

إن نصرة فلسطين والفلسطنيين المظلومين والمستضعفين واجب أخلاقي وإنساني وشرعي، توجبه علينا الظروف القاسية التي يمر بها إخواننا، من قصف متواصل؛ وتقتيل وتشريد العزل، وهدم بيوتهم وسلب أرضهم ومحاولة تهجيرهم، حيث لا يمكن وصف ذلك إلا بالإبادة الجماعية والعالم “المتحضر” كله يتفرج مع الأسف.. بل يسارع إلى مد يد العون للمعتدي الغاصب.

ونعني بالنصرة تلك الغيرة الإيمانية التي تدفع المسلم لرفع الظلم عن أخيه المسلم المستضعف، أو لمدّ يد العون إليه. وقد أمر رسول الله بسبع كان منها (نصر المظلوم) ففي الحديث الشريف: “أمرنا النبي بسبع ..، فذكر عيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، وردّ السلام، ونصر المظلوم، وإجابة الداعي، وإبرار القسم.

والقادر على النصرة لأخيه المسلم بكلمة أو شفاعة أو إشارة بخير، إن لم يقدّمها مع قدرته على ذلك وهو يرى بعينه إذلال أخيه، ألبسه الله لباس ذلّ أمام الخلق يوم القيامة؛ لتقصيره في نصرة أخيه، ورفع الذل عنه قال رسول الله : “مَن أُذلّ عنده مؤمن فلم ينصره – وهو قادر على أن ينصره – أذله الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة.

لقد تقرر في نصوص الكتاب والسنة، أن من مقتضيات الموالاة بين المؤمنين أن يتناصروا، وأن يتظاهروا على عدوهم؛ فهم يد واحدة على من سواهم. قال صلى الله عليه وآله وسلم: “المسلمونَ تتكافأُ دماؤهُم ويسعى بذمَّتِهم أدناهُم ويردُّ عليهم أقصاهُم وهم يدٌ على من سواهم”.

وقال عليه الصلاة والسلام: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.

إننا نناشد الأمة العربية والإسلامية بضرورة استنهاض هممها وتوحيد طاقاتها وتوجيه بوصلتها تجاه فلسطين، والشروع في تجنيد كل قواهم وأنشطتهم؛ دفاعًا عن أولى القبلتين وثالث المسجدين.‏

يجب على الأمة الإسلامية دعم القضية الفلسطينية ماديا ومعنويا وإعلاميا، وتثبيت قوتِها، والتواصل الرسمي والشعبي معها؛ ومساندتها في الرفع الكامل للظلم والاعتداءات المتكررة على الآمنين العزل، ورفع للحصار، وإعادة إعمار قطاع غزة الأبيّ، حتى لا تظلَّ هذه الجبهةُ المقاومةُ وحيدةً في ميْدانِ المعركة.

قلة من اليهود تدنس الأقصى وتقتل المسلمين وتذيقهم ألوانا من الذل والهوان على مرأى ومسمع من العالم كله عامة والإسلامي خاصة ومع ذلك فلم نستطع أن نحمي إخواننا منهم وكأننا شاركنا في تسليمهم إليهم وهذا ما نهانا عنه النبي في قوله : ” المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه – أي إلى عدوه – من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة “.

فالواجب أن يسارع المسلمون لدعم الفلسطينيين ماديا ومعنويا، بالقوة وبالمال، فيجب الإنفاق على أهل فلسطين، إنفاقا يغنيهم عما بأيدي الكفار، ويكسر الحصار عنهم، فهذا فرض عظيم، والتخاذل عنه إثم جسيم، وتركهم يجوعون من أعظم المحرمات، وأشد الموبقات.

قال سبحانه:{ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.

وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: “ما من امرئٍ يخذل امرأً مُسْلِمًا في موضع تُنتهك فيه حُرمته، وينتقص فيه من عرضه، إلاّ خذله الله في موطن يحبّ فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلمًا في موضع يُنتقص فيه من عرضه، ويُنتهك فيه من حرمته، إلاّ نصره الله في موطن يحبّ نصرته”.

والدعوةُ مُوجَّهةٌ إلى المُسلمين جميعًا بالواجِبِ المُتحتِّمِ في مثلِ هذه الظُّروفِ العَصِيبة للوحدة الإسلاميَّة قولا وفعلا، يقول تعالى:(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ )، ويقول سبحانه: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) ، وإلى ودَعمِ ونُصرةِ إخوانِنا المُرابِطِين في فلسطين وغزة، وأكنافِ بيت المقدِس بكل ما تيسَّر مِن سُبُل؛ السياسية والإعلامية والمادية والإغاثية، واللَّهَج بالدعاء لهم بالنصرِ والثَّباتِ.

وواجب على أهل العلم أن ينشروا هذه المفاهيم وأن يذكروا المسلمين بأدنى حقوق الأخوة في الإسلام وبيان حكم الشرع في هذه النصرة وأنه لا يجوز التخلف أو التأخر في النجدة والمساعدة.