اليوم التاسع من ذي الحجة هو يوم عرفة ، وهو يوم مغفرة الذنوب، يوم يجتمع فيه حجاج بيت الله الحرام من كافة أرجاء الدنيا، على صعيد واحد، يلبون دعاء ربهم، ويؤدون ما فرضه عليهم، يرجون رحمة الله ومغفرته، ويدعونه أن يعتقهم من النار.

إنه يوم إكمال الدين وإتمامه، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً من اليهود قال: يا أمير المؤمنين، آية في كتاب الله تقرؤونها، لو علينا نزلت- معشر اليهود- لانخذنا ذلك اليوم عيداً.

قال عمر: وأي آية؟ قال: { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً } (المائدة: 3) ، فقال عمر رضي الله عنه: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه، والمكان الذي نزلت فيه، نزلت على رسول الله وهو واقف بعرفة يوم جمعة. رواه البخاري ومسلم.

يوم عرفة يوم مغفرة الذنوب، والتجاوز عنها، والعتق من النار، والمباهاة بأهل الموقف.

عن عائشة رضى الله عنها عن النبي ، قال: ” ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار، من يوم عرفة، وأنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء” رواه مسلم.

يوم عرفة هو معظم الحج ومقصوده، والمعول عليه، يقول عليه الصلاة والسلام: “الحج عرفات” رواه أحمد وأبو داود.

في هذا اليوم يستحب الإكثار من الدعاء والذكر، والاجتهاد في ذلك، وينبغي للإنسان أن يستفرغ وسعه بذكر الله، روي عنه عليه الصلاة والسلام: “خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير” رواه الترمذي.

وينبغي الإكثار من الذكر وتكراره بخشوع وحضور قلب، ويدعو الله تعالى. مما أراد من خيري الدنيا والآخرة، فيدعو لنفسه، ووالديه، وأقاربه، وذريته،- وأصحابه، وأصدقائه، وسائر من أحسن إليه، وجميع المسلمين، والسنة أن يخفض صوته بالدعاء، ويتضرع إلى الله تعالى، ويدعو وهر موقن بالإجابة.

فمن الأدعية المستحبة في هذا اليوم: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم.

اللهم اغفر لي مغفرة تصلح بها شأني في الدارين، وارحمني رحمة أسعد بها في الدارين، وتب علي توبة نصوحاً، وألزمني سبيل الاستقامة، وانقلني من ذل المعصية إلى عز الطاعة، وأغنني بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عن سواك، ونوّر قلبي وقبري، وأعذني من الشر كله، راجع لي الخير كله.

اللهم إني أسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى.

اللهم يسر لي اليسرى، وجنبني العسرى، وارزقني طاعتك ما أبقيتني.

اللهم متعني بسمعى وبصري أبدا ما أبقيتني، واجعلها الوارث مني، واجعل ثأري على من ظلمني، وانصرني على من بغى عليَّ.

يا أرحم الراحمين، أستودعك ديني، وأمانتي، وقلبي، وبدني، وخواتيم عملي، وجميع ما أنعمت به عليّ، وعلى جميع المسلمين.

ومن الأدعية المختارة، ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان فيما دعا النبي في حجة الوداع: “اللهم إنك تسمع كلامي، وترى مكاني، وتعلم سري وعلانيتي، ولا يخفى عليك شيء من أمري، أنا البائس الفقر، المستغيث المستجير، الوجل المشفق، المغرور المعترف بذنبه، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير،

من خضعت لك رقبتُه، وفاضت لك عبرتُه، وذلّ لك خدُّه، ورغم لك أنفُه. اللهم لا تجعلني بدعائك شقياً، وكن بي رؤوفاً رحيماً، يا خير المسؤولين، ويا خير المعطين” رواه الطبراني.

وفي هذا اليوم العظيم، يدنو الله تعالى، ويباهي بأهل الموقف الملائكة، فيقول: ” انظروا إلى عبادي، أتوني شُعْثًا غُبْراً من كل فج عميق، أشهدكم أني قد غفرت لهم” رواه ابن خزيمة.

فعلى المسلم أن يحرص على الدعاء في هذا اليوم، وليكثر الاستغفار، والتلفظ بالتوبة، والبكاء من خشية الله تعالى. فعلى صعيد عرفات، تسكب العبرات، وتقال العثرات، وترتجى الطلبات، وتضاعف الحسنات، وتمحى الذنوب والسيئات، وترفع الدرجات.

حقاً إنه لمشهد عظيم يعجز القلم عن وصفه، وموقف كريم طوبى لمن وقفه، وخرج منه وقد غُفِر ذنبه، وكان مقبولاً عند ربه، حاجات العباد في هذا الموقف منوعة، فمن نادم على حقوق لله رفضها، ومن باك على توبة عقدها ثم نقضها، ومن خائفٍ سطوة الملك الديان، ومن راج بسطة الكرم من المنان، أولئك يباهي الله بهم ملائكة السماء، ويشملهم برحمته الواسعة، وهو أرحم الرحماء.

اللهم يا من يلجأ إليه المذنبون، ويستغيث به المفرطون، ويسجد لعظمته الخائفون، ويخضع لجلاله المخبتون، اللهم يا من خلق الإنسان وبناه، واللسان وأجراه، يا من لا يخيب مَنْ دعاه، ولا يطرد من لاذ في حماه، اللهم هاهم عبادك رفعوا أيديهم ولاذوا بجنابك، اللهم أعطهم سؤالهم، واغفر ذنوبهم، وتجاوز عن سيئاتهم، ونقهم من الذنوب والخطايا، واحفظهم من المحن والبلايا، اللهم وأعتقهم من نيرانك، واجعلهم من أهل جنانك، اللهم لا تردهم خائبين، برحمتك يا أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين.