ماهي الآثار السلبية للدلال الزائد على شخصية الطفل وماهي وسائل المعالجة ؟

مازال الولد يحتل مكانة التفضيل في كثير من البيوت العربية فأحيانا لا يُسأل عما يفعل وأحيانا نلتمس له الأعذار إلى غير ذلك من صور الحب القاتل للمواهب والإحساس بالمسؤولية وقد تحظى بعض البنات بذلك أيضا.

إن للأبناء مكانتهم في قلوب الوالدين فهم كما يقول الأحنف بن قيس: ( ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا ونحن لهم ارض ذليلة وسماء ظليلة فإن طلبوا فأعطهم وإن غضبوا فأرضهم يمنحونك ودهم ويحبونك جهدهم ولاتكن عليهم ثقيلا فيملوا حياتك ويتمنوا وفاتك ) لكن السؤال الذي يطرح نفسه باستمرار هل هناك حدود للعطاء والإرضاء فكل شيء زاد عن حده انقلب إلى ضده، وكم رأينا من نماذج للعقوق أعطاهم آبائهم كل ما يستطيعون بل فوق ما يستطيعون سعى آبائهم وأمهاتهم لإرضائهم بكل وسيلة مشروعة أو ممنوعة ومع ذلك تجد النفور ومجازاة الإحسان بكل إساءة ووقاحة.

بداية لا يشك إنسان في حاجة بني آدم صغارا وكبارا إلى الرعاية والحب مما يؤدي إلى الشعور بالطمأنينة والاتزان النفسي  والانفعالي، وبعض الآباء لضعف خبراتهم بالتربية من جانب ولانشغالهم بالعمل من جانب آخر لا يفرقون بين الحاجات الضرورية للطفل من غذاء ومأكل وملبس ومسكن بما يتناسب مع دخل الأسرة وحاجته إلى الشعور بالانتماء والقدرة على التعبير عن رأيه والحاجات غير الضرورية التي تعبر عن رغبة الطفل في التسلط.

لذا تجدهم يلبون كل طلبات أبنائهم مهما كانت غير معقولة ولا مقبولة بالنسبة للإطار الديني أو الاجتماعي حتى لا يشعروا بالحرمان ولا يتطلعوا إلى ما في يد الآخرين.  

ومن هنا يظهر الخلل وتختفي ردود الأفعال المتوقعة من الأبناء بالود والإحسان والمكافأة على المعروف أو بعضه هل ساهمنا في هذه النتيجة الطبيعية رغم ما فيها من سوء.

يقدم الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين نصيحة للمربي فيقول: ” اعْلَمْ أَنَّ الطَّرِيقَ فِي رِيَاضَةِ الصِّبْيَانِ مِنْ أَهَمِّ الْأُمُورِ وَأَوْكَدِهَا والصبيان أَمَانَةٌ عِنْدَ وَالِدَيْهِ وَقَلْبُهُ الطَّاهِرُ جَوْهَرَةٌ نَفِيسَةٌ سَاذَجَةٌ خَالِيَةٌ عَنْ كُلِّ نَقْشٍ وَصُورَةٍ وَهُوَ قَابِلٌ لِكُلِّ مَا نُقِشَ وَمَائِلٌ إِلَى كُلِّ مَا يُمَالُ بِهِ إِلَيْهِ فَإِنْ عُوِّدَ الْخَيْرَ وَعُلِّمَهُ نَشَأَ عَلَيْهِ وَسَعِدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وشاركه في ثوابه أبوه وَكُلُّ مُعَلِّمٍ لَهُ وَمُؤَدِّبٍ وَإِنْ عُوِّدَ الشَّرَّ وَأُهْمِلَ إِهْمَالَ الْبَهَائِمِ شَقِيَ وَهَلَكَ وَكَانَ الْوِزْرُ في رقبة القيم عليه والوالي له وقد قال الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً} وَمَهْمَا كَانَ الْأَبُ يَصُونُهُ عَنْ نَارِ الدُّنْيَا فَبِأَنْ يَصُونَهُ عَنْ نَارِ الْآخِرَةِ أَوْلَى وَصِيَانَتُهُ بِأَنْ يُؤَدِّبَهُ وَيُهَذِّبَهُ وَيُعَلِّمَهُ مَحَاسِنَ الْأَخْلَاقِ وَيَحْفَظَهُ من القرناء السُّوءِ وَلَا يُعِوِّدُهُ التَّنَعُّمَ وَلَا يُحَبِّبُ إِلَيْهِ الزينة والرفاهية فَيَضِيعُ عُمْرُهُ فِي طَلَبِهَا إِذَا كَبِرَ فَيَهْلِكُ هَلَاكَ الْأَبَدِ. “

كم من الناس أهلكهم الرغبة في الرفاهية وتقليد الآخرين بما لا يناسب إمكاناتهم المادية وصارت الدنيا أكبر همهم فلا يسعون إلى لها.

ولا يعني ذلك أبدا أن يعيش الطفل في شظف من العيش وتقتير من الوالدين بل التوسط هو الدواء الناجع لفساد الإسراف والتقتير.  

وللدلال المفرط آثاره النفسية والاجتماعية الخطيرة منها:

أن ينتقل الوالد بالدلال من بيته إلى ساحات الدرس فيطلب من المعلم أن يدلل أولاده وبناته وإذا لم يلق الولد أو الفتاة ما يلقاه داخل البيت سيكره هذه الأماكن وإذا أمكن للوالد أن يجبر المعلم على تدليل ابنائه فكيف سيكون حال هذا الولد وهذه الفتاة عندما تعمل أو عندما يموت الوالد.  

والأسرة والمجتمع يجنون غدا ثمار ما يزرعونه اليوم في أبنائهم، إذ يكبر هؤلاء وينتظرون من الجميع أن يكونوا طوع أمرهم، فإن لم يجدوا من يشعر بهم ولا يسمع لطلباتهم أصيبوا بصدمة تدفعهم إلى الانسحاب من المجتمع، وإن وجدوا من يلبيها جزئيا اتكلوا عليه كما تجعلهم يتمردون على الأنظمة الاجتماعية.  

مؤشرات

هناك مؤشرات تدل على وجود هذه الظاهرة السلبية التي تحرم المجتمع من شخصية فاعلة وتحرم صاحبها من القيام بواجباته.

1- الأنانية: تلك الصفة السلبية التي تدفع صاحبها إلى حب الاستئثار والرغبة القاتلة في الظهور، وتجعله يتقاتل مع الآخرين على ما ليس له لأنه يريد أن يظهر وحده في كل مشهد.

2- قلة الصبر: فطلباته مجابة باستمرار دون أن يدرك كم المعاناة التي يتكبدها الوالدن وقد تعود على ان تلبى طلباته بأقصى سرعة ويشتد غضبه عندما تتأخر  تلبية طلبه و لا يقدر ظروف الآخرين.

3- متقلب المزاج: فهو لطيف ساعة أن يطلب شيئا ما، عنيف ساعة أن تتأخر تلبية طلبه، لا يملك الحكمة التي تجعله يزن الأمور قبل التصرف.

4- يجد صعوبة في التآلف مع الآخرين: فالحياة أخذ وعطاء وقد تعود على الأخذ فقط.

5- يعد شراء الهدايا بمناسبة وغير مناسبة أحد مظاهر الدلال المفسد  فلابد من مراعاة الوقت المناسب لتقديم الهدية.

بعض الآباء يلجأون إلى إغداق الهدايا على أولادهم ويظنون أن ذلك أفضل وسيلة للتعبير عن حبهم. إن التعبير عن الحب لا يعني بالضرورة أن يكون بهدية مادية بل العاطفة الصادقة هي أدق تعبير عن الحب

من السبب في مشكلة الدلال؟

هل المسؤول عن هذه المشكلة الوالدان أو الجد والجدة أو الأسرة الكبيرة التي رأت فيه أول من أنجبت أو الولد الذي جاء بعد طول انتظار.

رغبة الوالدين في الحصول على حب ولدهما أو ابنتهما لذلك تركا لها الحبل على الغارب، رغبة الوالدين في تمكين الطفل من الاستمتاع بما لم يتوافر للوالدين من فرص ومتع.

وسائل المعالجة

هذه مشكلة اجتماعية وجماعية بمعنى ان كل من يتأذى منها لابد أن يقوم بجهد في سبيل تقويمه، وأن يتعاون الجميع على تطبيق ما يصلح هذا الطفل بصرامة وحذر وأن يراقبوا تصرفاته أثناء تعديل سلوكه.

ولابد من وضع الطفل المدلل كجزء من العلاج كما أنه جزء من المشكلة، بمعنى أن يدرك ما هو عليه من خطأ، وما هو مقدم عليه من أخطار تهدد كيانه النفسي والاجتماعي، وأن يتم الاتفاق معه على خطوات يسير فيها الجميع، وعليه أن يعلن عن طلب المساعدة متى ما احتاج وعلى الجميع أن يمدوا ايديهم ساعة ان يطلب.  

– من المناسب أن تحدد العائلة عقوبات مناسبة تطبقها في حالة  مخالفة ما اتفقوا عليه، يودرك الأطفال جيدا مدى قدرة الوالدين على الممانعة، وهذا الإدراك يتم من خلال اختبار صبرهم وطاقتهم لذلك فالحزم مهم  جدا والإصرار والصبر من قبل الوالدين والعائلة.

الهدوء في استقبال ردود أفعال الطفل : لا بد من الهدوء في استقبال ردود أفعال الطفل عندما يمنع من شيء يحبه،ونحنقد لا ندرك ما يعانيه الآخرون من تصرفات أبنائنا، ونصفهم بقليلي التحمل أو عديمي الخبرة في التعامل مع الأطفال.  على الطفل أن يسمع من والديه والمحيطين به “لا” كما يسمع “نعم”، فمهما كانت إمكانات الوالدين ستأتي عليهما لحظة لا يمكنهما تلبية مطالب أبنائهما، كما يخلط الترغيب والترهيب بمقادير متوزانة لكي نحافظ على الدوافع والروادع.

– الصيام كجزء من علاج الاستسلام لمطالب الجسد وإن بصورة جزئية عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَصُومَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ» فَكُنَّا نَصُومُهُ وَنُصَوِّمُهُ صِبْيَانَنَا، وَنَعْمَلُ لَهُمُ اللُّعَبَ مِنَ الْعِهْنِ، وَنَذْهَبُ بِهِمْ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا بَكَوْا أَعْطَيْنَاهُمْ إِيَّاهَا [مستخرج أبي عوانة]

– الصلاة والالتزام بمواقيتها طردا للكسل والخمول وحثا على النظام.

يقول الأستاذ محمدرشيد رضا: للتربية عندنا إحدى طريقتين: ( إما القسوة أو التدليل وكلاهما ضار، فالقسوة ترهق الطفل وتعلمه الذل، والتدليل يطوح به في مهواة الغرور، فمن دلائل قسوتنا تخويفنا الأطفال وتصوير صور مخيفة لهم من الظلمة وملء أذهانهم بتُرَّهات لا أصل لها (كالبعبع والمزيرة إلخ) وضربهم عند مخالفتهم لنا. ومن تدليلنا إياهم أن نعلمهم الأنانية وتعطيهم ما يشتهون عند بكائهم بعد منعهم إياه قبل البكاء فيتعلمون من ذلك أن الصياح ميسر العسير ومقرب البعيد فلا يتأخرون عن البكاء عند أي شيء نمنعه عنهم وقد رأيت كثيرًا أن طفلا ينصح أخاه أو أخته الأصغر منه سنًا بأن يبكي حتى يأخذ كيت وكيت مما كان منع عنه. أما الإفرنج فطريقتهم في تربية الأطفال خير من طريقتنا أضعافا فيعاقبون الطفل الذي يبكي لطلب شيء بالحرمان منه فيعلم أن البكاء لا يجدي ويطلبه بالطرق المشروعة وأن منع منه فلا يعود يتشبث به، ويعدون في المنزل ما تمس إليه حاجة الأولاد من الحلوي واللعب خوفا عليهم من قذارة ما في الأسواق واقتصادًا للمال والزمن) . [مجلة المنار]

كم من فتاة كبرت على الدلال فأفسدت حياتها الزوجية، وكم من شاب تربى على الدلال فلم يستطع تحمل مسؤلية نفسه ولا تكوين أسرة جديدة، إننا نتحدث كثيرا عن تدليل الآباء للأبناء فهل يمكن أن نتحدث عن تدليل الآباء للأبناء مكافأة لهم على ما قدموه وترطيبا للجفاف الذي تمتلأ به الحياة.  

.