كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله ويدعوه بعد الانتهاء من الصلاة، وثبت أنه علّم عددا من الصحابة رضوان الله عليهم ما يقولونه من أذكار بعد الصلاة مما ورد في أحاديث الكتب الستة الصحيحة، وكان الصحابة يواظبون عليها عقب الصلوات الخمس المكتوبة.

وقد جرد أئمة الكتب الستة وغيرهم لهذه الأذكار فصولا وأبوابا من كتبهم يدلّ على هذا الأمر؛ ففي البخاري: “باب الذكر بعد الصلاة”، وفي مسلم: “باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته”، وفي سنن أبي داود “باب ما يقول الرجل إذا سلم”، وعند الترمذي: “باب ما يقول إذا سلم من الصلاة”، وعند النسائي باب الأمر بقراءة المعوذات بعد التسليم من الصلاة، وباب الاستغفار بعد التسليم، وباب التهليل بعد التسليم، وباب التعوذ في دبر الصلاة، وبوّب ابن ماجه بــ: “باب ما يقال بعد التسليم”، وغير ذلك. فيما يلي هذه أذكار بعد الصلاة من أحاديث الكتب الستة الصحيحة.

الأذكار والأدعية بعد الصلاة

1 – التسبيح والتحميد والتكبير: يدل عليه حديث “أهل الدثور” كما في البخاري، وفيه: “تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِين”. وتؤيده أحاديث أخرى في الباب.

2 – الذِكر الآتي: عن وَرَّادٍ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ أَمْلَى عَلَيَّ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فِي كِتَابٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ. أخرجه البخاري وغيره.

3 – الاستغفار: ودليله حديث ثوبان كما في مسلم، حيث قال:  كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا، وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ذا الجلال والإكرام قال الوليد فقلت للأوزاعي كيف الاستغفار قال تقول أستغفر الله أستغفر الله.

4 – حديث ابن الزبير: كان بن الزبير يقول في دبر كل صلاة حين يسلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة. أخرجه الإمام مسلم.

5 – المعوذتين: ودليله ما صحّ عند النسائي في سننه عن عقبة بن عامر قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أقرأ المعوذات دبر كل صلاة.

6 – دعاء علي: فقد أخرج أبو داود عَنْه أنه قَالَ كَانَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا سَلَّمَ مِنَ الصَّلاَةِ قَالَ « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَفْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّى أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ ».

7 – دعاء ابن عباس: ففي سنن أبي داود أنه قَالَ كَانَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- يَدْعُو « رَبِّ أَعِنِّى وَلاَ تُعِنْ عَلَىَّ وَانْصُرْنِى وَلاَ تَنْصُرْ عَلَىَّ وَامْكُرْ لِى وَلاَ تَمْكُرْ عَلَىَّ وَاهْدِنِى وَيَسِّرْ هُدَاىَ إِلَىَّ وَانْصُرْنِى عَلَى مَنْ بَغَى عَلَىَّ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِى لَكَ شَاكِرًا لَكَ ذَاكِرًا لَكَ رَاهِبًا لَكَ مِطْوَاعًا إِلَيْكَ مُخْبِتًا أَوْ مُنِيبًا رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِى وَاغْسِلْ حَوْبَتِى وَأَجِبْ دَعْوَتِى وَثَبِّتْ حُجَّتِى وَاهْدِ قَلْبِى وَسَدِّدْ لِسَانِى وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِى ».

8 – دعاء الاستعانة بالله: عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ « يَا مُعَاذُ وَاللَّهِ إِنِّى لأُحِبُّكَ وَاللَّهِ إِنِّى لأُحِبُّكَ ». فَقَالَ « أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لاَ تَدَعَنَّ فِى دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ تَقُولُ اللَّهُمَّ أَعِنِّى عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ». أخرجه أبو داود.

9 دعاء الاستعاذة: عن مسلم بن أبي بكرة قال: كان أبي يقول في دبر الصلاة: “اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر” فكنت أقولهن، فقال أبي أي بني عمن أخذت هذا؟ قلت عنك! قال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقولهن في دبر الصلاة. أخرجه النسائي.

10 – التسبيح: عن بن عباس عن جويرية بنت الحارث: أن النبي صلى الله عليه و سلم مر عليها وهي في المسجد تدعو، ثم مر بها قريبا من نصف النهارـ فقال لها ما زلت على حالك؟ قالت نعم. قال ألا أعلمك، يعني كلمات تقولينهن؛ سبحان الله عدد خلقه، ثلاثا، سبحان الله رضا نفسه، ثلاثا، سبحان الله زنة عرشه، ثلاثا، سبحان الله مداد كلماته، ثلاثا، أخرجه النسائي.

11 – حديث أم سلمة: فقد روت أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقول إذا صلى الصبح حين يسلم ( اللهم إني أسألك علما نافعا ورزقا طيبا وعملا متقبلا ).

يضاف إلى ما قيل مسألة، هل يقول المنفرد والإمام أو المأموم هذه الأذكار سرّا أم جهرا؟ بيّن بدر الدين العيني الحنفي في عمدة القاري شرح صحيح البخاري أربعة أقوال في ذلك: جواز الجهر مطلقا، قاله بعض السلف وابن حزم من المتأخرين. الإسرار مطلقا، قاله أصحاب المذاهب المتبعة وغيرهم. جواز الجهر لغرض التعليم، قاله الشافعي. مشروعية جهر العساكر مطلقا أو بعد الفجر والعشاء فقط. قاله ابن حبيب في (الواضحة)  وهو قول الطبري.

أختم بأمرين: أولهما أنه لم أقف في الكتب الستة على قراءةآية الكرسي والإخلاص، لكن جاء في السنن الكبرى للنسائي عنوان: ثواب من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة. وأضاف بدر الدين العيني في شرحه على البخاري “من قرأ آية الكرسي وقل هو الله أحد”.  

وثانيهما ما بينه ابن حجر في الفتح أن المراد من حديث عائشة: ” كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ذا الجلال والإكرام” نفي استمراره جالسا على هيئته بعد السلام إلا بقدر أن يقول ما ذكر، عملا بهذه الأحايث أعلاه.