إذا كنت من الأشخاص الذين عندما يقرؤون مثلاً قصة هود عليه السلام أو سورة الأحقاف تُحاصرهم أسئلة من قبيل: أين عاش هود؟ وأين الأحقاف والجودي؟ وأين كان أصحاب الأخدود وأصحاب القرية؟ فعليك قراءة كتاب (أطلس القرآن: أماكن، أقوام، أعلام) الذي عكف صاحبه الباحث الفلسطيني شوقي أبو خليل على قراءة كتاب الله العظيم قراءة تتبّع حتى استخرج لنا الآيات القرآنية التي ورد فيها ذكر الأماكن والأقوام والأعلام القرآنية.

ثم قام الباحث برسم مصوَّرات عن تلك الأعلام والأقوام والأماكن مع شرح مختصر لها، فصار كتابه (أطلس القرآن) بمثابة أطلس جغرافي للقرآن الكريم “يعين قارئ القرآن ودارسه على تحديد المواضع التي تتحدث عنها الآيات الكريمة، ويضع يده على أماكن وجود الأقوام الذين نزل فيهم قرآن يتلى، فضلا عن تحديده المواقع التي جرت فيها أحداث السيرة النبوية.

لقد أعلن الدكتور شوقي أبو خليل منذ البداية أن فكرة كتابه (أطلس القرآن) شغلت باله منذ عام 1990م وظلت تنمو حتى نضجت واكتملت تماماً، فقام بتأليف هذا الكتاب الذي يَدَّعي أن عمله فيه لم يُسْبَق إليه في العالم الإسلامي، لكن في الوقت نفسه يؤكد على وجود محاولات سابقة مهمة صرف أصحابها النظر عن الاهتمام بالمصوَّرات والخرائط، مثل كتاب الزمخشري (الجبال والأمكنة والمياه)، وكتاب الفريق يحيى عبد الله المعلمي (الأعلام في القرآن الكريم).

وللوقوف على جوانب من تاريخ الأعلام والأقوام والأماكن في القرآن الكريم، سنقوم بجولة في كتاب (أطلس القرآن) الذي يمكن القول إنه كتاب رائد في بابه جدير بالعناية والاهتمام، فالقارئ المتهم بجغرافيا القرآن الكريم يستطيع أن يتعرف من خلال هذا الكتاب “بسهولة على المساحة الجغرافية في القرآن الكريم ويعرف مداها، ويدرك المواضع التي تشير إليها الآيات وتهتم بها”.

الأعلام في القرآن

يحتوي القرآن الكريم على عدد هائل من الأعلام المختلفة، فهناك أعلام الأنبياء والرسل وأعلام الملائكة وأعلام الصالحين وأعلام المجرمين وأعلام النساء وأعلام الأزمنة وأعلام الكتب، ولأن المقام لا يتسع للحديث عن كل هذه الأعلام بالتفصيل سنركز في هذا المحور على أعلام الأنبياء والرسل عليهم صلوات الله وسلامه، على أن يتتبّع القارئ تاريخ ما أراد من بقية الأعلام في مصادرها.

بدأ الدكتور شوقي أبو خليل حديثه عن أعلام القرآن بأبي البشر آدم عليه السلام الذي ورد ذكره في القرآن (25 مرة)، واستعرض الروايات التي تتحدث عن طبيعة ومكان هبوط آدم، حيث ورد أنه هبط بأرض تسمى (دجنا) بين مكة والطائف، وقيل هبط بالصفا، وقيل بالهند، جاء في الطبراني عن عبد الله بن عمر: “لما أهبط الله آدم أهبطه بأرض الهند، ثم جاء مكة، ثم خرج إلى الشام فمات بها”، ونقل أبو خليل عن ابن بطوطة قوله في رحلته: ليس مرادي منذ وصلت هذه الجزيرة إلا زيارة القَدَم الكريمة، قَدَم آدم عليه السلام، وهم -في جزيرة سيلان- يسمونه (بابا) ويسمون حواء (ماما).

أما بخصوص المكان الذي دفن فيه آدم فيبدو أن الروايات اختلفت حوله، فقيل: دفن في جبل أبي قُبَيْس، وقيل: في جبل بوذ حيث هبط، وقيل: أعاد نوح دفنه بعد الطوفان ببيت المقدس، وقد رجح الدكتور شوقي أبو خليل الرأي القائل بدفن آدم في جبل أبي قُبَيْس.

والحديث عن آدم عليه السلام يُحيل بالضرورة إلى الحديث عن ابنيه (قابيل وهابيل) اللذَيْن حدثنا القرآن الكريم عن قصتهما في سورة المائدة في قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}، وقد ذهب أبو خليل إلى أن قصتهما حدثت بمكة المكرمة لعيش آدم وحواء بها، وترى بعض الروايات أن قابيل قتل أخاه هابيل عند مغارة تُدعى “مغارة الدم” تقع على جبل قاسيون المشرف على مدينة دمشق من جهة الشمال، أما قبر هابيل فيعتقد البعض أنه عند منطقة “التكيَّة” قرب وادي نهر بردى.

وبعد الحديث عن آدم وابنيه، انتقل شوقي أبو خليل إلى إدريس الذي ورد اسمه والثناء عليه مرتين في القرآن الكريم: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا}، {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ}، ويعتبر إدريس أول من أعطي النبوة من بني آدم بعد آدم وشيث عليه السلام، وهناك خلاف حول مكان مولد إدريس، فقيل: وُلِد بمصر وسموه هِرمس الهرامسة، وقيل: ولد ببابل وهاجر إلى مصر.

ويعتبر نوح بن لامَك من أكثر أعلام الأنبياء وروداً في القرآن الكريم حيث تم ذكره في (43 مرة)، وذهب شوقي أبو خليل إلى أن قوم نوح كانوا في جنوبي العراق حول موقع مدينة الكوفة حالياً، والجودي الذي جاء ذكره في القرآن جبل يقع قُبالة جزيرة بن عمر عند ملتقى الحدود السورية – التركية حالياً. أما هود عليه السلام فقد تم ذكره (سبع مرات) في القرآن الكريم، ويُروى عن ابن عباس أنه قال إن هوداً -الذي بعثه الله إلى عادٍ الأولى- كان أول من نطق العربية، ويذكر المؤرخون أن مساكن عادٍ كانت في أرض الأحقاف شمال حضر موت، وكانوا يعبدون الأوثان: (وداً، وسُواعاً، ويغوث، ويعوق، ونسراً)، أما عاد الثانية فقيل إنهم سكان اليمن من قحطان وسبأ، وقيل: هم ثمود.

الأقوام في القرآن

وللأقوام وتاريخهم منزلة معتبرة في القرآن الكريم، ومن أبرزهم أصحاب القرية(أهل أنطاكية) الذي جاء ذكرهم في قوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ}، وقد ذهب شوقي أبو خليل إلى أن أنطاكية تقع على نهر العاصي قبيل مَصَبّه في السويدية (في البحر المتوسط)، ونقل عن القرطبي قوله: وهذه القرية هي (أنطاكية) أرسل المسيح إليهم ثلاثة رُسُل وهم: صادق، ومصدوق، وشمعون، فقال أهلها: {مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ}.

ويعتبر أصحاب الكهف من الأقوام القرآنية المشهورة جداً لدى الجميع، فقد نزلت سورة تتحدث عن أخبارهم: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا}، وذكر شوقي أبو خليل أن الكهف الذي آووا إليه كان قرب طَرَسوس وفي رأي قرب البتراء بالأردن، أما الصابئون الذي جاء ذكرهم ثلاث مرات في القرآن الكريم فـ”هم حنفاء موحدون سبقوا اليهود والنصارى يعبدون الله وحده”، وكانوا يعيشون شمال العراق في (حرًّان – قضبة ديار مضر) ومنها انتقلوا إلى بغداد.

ولعل قصة أصحاب الأخدود من أكثر قصص الأقوام في القرآن دلالة على أهمية الصبر على الإيمان والاضطهاد في سبيله، وقد جاءت تفاصيلها في سورة البروج: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ}، ومفاد هذه القصة أن هناك “قوماً من المؤمنين أبوا الارتداد عن عقيدتهم وآثروا الموت قتلاً وحرقاً في أخدود أعده لهم ملك ظالم” في منطقة نجران، ويرى بعض المفسرين والمؤرخين أن هذا الملك الظالم يُدعى (يوسف ذو نواس) من ملوك حِمْيَر وكان متعصباً لليهودية.

وتحدثنا سورة الفيل عن جبروت جيش أبرهة بن الأشرم الحبشي الذي حكم اليمن بعد يوسف ذي نواس وخاض عام 571م حملة عدوانية لهدم الكعبة المشرفة من أجل صرف العرب عنها إلى كنيسة (القليس) التي بناها بصنعاء، فجاءَه الرد الصاعق من السماء: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ}.

أما سورة القلم فتحدثنا عن أصحاب الجنة الذي اختبرهم الله تعالى بجنة عظيمة غرسها رجل من أهل الصلاح والإيمان من أهل الكتاب فكفروا بنعم الله تعالى وحرموا الفقراء والمساكين من ثمار تلك الجنة “فَجَرَّ ذلك عليهم شرّ العواقب”، قال تعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ}، وقد ذهب شوقي أبو خليل إلى أن “أصحاب الجنة كانوا في ضَوران، وضَوران من حصون اليمن لبني الهَرْش (جنوب صنعاء)، وضَوران اسم جبل هذه الناحية فوقه وسميت به”.

الأماكن في القرآن

وللأماكن في القرآن الكريم مكانة لا تقل أهمية عن مكانة الأعلام والأقوام، ولهذا فقد حدثنا القرآن الكريم عن جملة من الأماكن العظيمة على رأسها الجنة والفردوس، وحدثنا عن أماكن من نوع آخر من أبرزها أدنى الأرض تلك البقعة التي افتتحت بها سورة الروم: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ}، قال شوقي أبو خليل معلقاً إن “بداية هذه السورة من معجزات القرآن الكريم الغيبية، وجاء الأحداث كما ذُكر، فهي من البيّنات الباهرة الشاهدة بصحة النبوة، وكون القرآن من عند الله تعالى، حيث أخبر عن الغيب الذي لا يعلمه إلا الله ووقع كما أخبر”، ثم أكد أن أدنى الأرض الأقرب والسّفل، والسفل (المنخفض) نقيض العلو، وبالتالي فإن أدنى الأرض يعني: الأرض القريبة المنخفضة، وهو هنا غور فلسطين – البحر الميت، أقرب أرض الروم إلى فارس والجزيرة العربية.

وقد أقسم الله تعالى بالبقاع المقدسة والأماكن المشرفة التي خصَّها بإنزال الوحي على أنبيائه ورسله فذكر عدة أماكن في وقت واحد، قال الله تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ}، وأكد أبو خليل أن المقصود بالتين والزيتون بلاد الشام عامة وبيت المقدس خاصة، والمقصود بطور سينين (سيناء) مكان نزول الرسالة على موسى، أما البلد الأمين فالمقصود به مكة المكرمة مكان نزول الرسالة على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله.

ومن الملاحظ تكرار ذكر مكة المكرمة في القرآن الكريم بصيغ مختلفة، فأحياناً يأتي اسمها المشهور {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ}، وأحيانا بكة {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ}، وأحياناً يشار إليها بالبلد الأمين {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ}، وأحياناً بأم القرى {وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا}، وأحياناً البيت الحرام {وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ}، والبيت العتيق {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}.

ويعتبر بيت المقدس وما حوله من الأماكن العظيمة التي حدثنا عنه القرآن الكريم: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ}، قال شوقي أبو خليل معلقا: “بارك الله بيت المقدس وما حولها بأنواع البركات الحسية والمعنوية، وما حولها: بلاد الشام، مقر الأنبياء، ومهبط الملائكة الأطهار”.

ومن الأماكن العظيمة التي تحدث عنها القرآن الكريم وحاول شوقي أبو خليل تحديد جغرافيتها في كتابه “أطلس القرآن” مسجد قباء (مسجد التقوى) الذي قال الله تعالى عنه: {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ}، ومن المعروف أن مسجد قباء هو أول مسجد بني في الإسلام وقباء تقع قرب المدينة المنورة.