مما شاع من المسائل بين الناس أن يخرج الوالد عن أهل بيته جميعا زكاة الفطر دون النظر إلى كسب زوجته أو أولاده، بل في بعض البيئات مازال الرجل يخرج عن كل أولاده حتى المتزوجين منهم، بل ربما أخرج عن بناته المتزوجات دون إخباره أو الرجوع إليهم، لأنه اعتاد فعل هذا منذ صغرهم، وجعلها عادة عنده.

وإخراج الرجل زكاة الفطر عن نفسه وعن أهله فيها صور، كالتالي:

الصورة الأولى: أن يخرج الرجل عن نفسه، وهو واجب، بإجماع الفقهاء.

الصورة الثانية: أن يخرج الرجل عن ولده الصغير الذي لا مال له، وهذا واجب عليه باتفاق الفقهاء أيضا.

ودليل ذلك ما ورد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال:  فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة ”  وفي لفظ آخر: “فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعا من شعير، أو صاعا من تمر، على الصغير والكبير، والحر والمملوك [1].

وورد عن نافع قال: (كان ابن عمر يعطي عن الصغير والكبير، حتى إن كان يعطي عن بني) [2]

وقال ابن المنذر: (أجمعوا على أن صدقة الفطر تجب على المرء، إذا أمكنه أداؤها عن نفسه، وأولاده الأطفال الذين لا أموال لهم). [3]

وقال ابن عبد البر: (قد أجمعوا أن عليه أن يؤدي عن ابنه الصغير إذا لزمته نفقته) [4].

وقال ابن رشد: (اتفقوا على أنها تجب على المرء في نفسه، وأنها زكاة بدن لا زكاة مال، وأنها تجب في ولده الصغار عليه إذا لم يكن لهم مال، وكذلك في عبيده إذا لم يكن لهم مال). [5].  

هل يجوز إخراج زكاة الفطر عن الغير بدون إذن؟

وقال ابن قدامة: (زكاة الفطر تجب على كل مسلم، مع الصغير والكبير، والذكورية والأنوثية، في قول أهل العلم عامة، وتجب على اليتيم، ويخرج عنه وليه من ماله، لا نعلم أحدا خالف في هذا، إلا محمد بن الحسن؛ قال: ليس في مال الصغير من المسلمين صدقة) [6].  

خالف ابن حزم هذا الإجماع، وذهب إلى أن الأب إنما يجب عليه إخراج زكاة الفطر عن ولده إذا كان للولد مال، وفي ذلك يقول: (أما الصغار فعليهم أن يخرجها الأب، والولي عنهم من مال إن كان لهم، وإن لم يكن لهم مال فلا زكاة فطر عليهم حينئذ، ولا بعد ذلك… والحق في هذا أن الله تعالى فرضها على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم على: الكبير والصغير، فمن فرق بين حكميهما فقد قال الباطل، وادعى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله، ولا دل عليه، ثم وجدنا الله تعالى يقول: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم))، فوجدنا من لا مال له من كبير أو صغير، ليس في وسعه أداء زكاة الفطر؛ فقد صح أنه لم يكلفها قط، ولما كان لا يستطيعها لم يكن مأمورا بها, بنص كلامه عليه الصلاة والسلام) [7].

الصورة الثالثة: أن يكون للولد مال، وهنا اختلف الفقهاء في هذه المسألة على رأيين:

الرأي الأول: أن تخرج زكاة الفطر من مال الصبي.

الرأي الثاني: أن يخرج الوالد زكاة الفطر من ماله وليس من مال ولده.

قال النووي رحمه الله : “فإذا كان الطفل موسراً كانت نفقته وفطرته في ماله لا على أبيه ولا جده , وبه قال أبو حنيفة ومحمد وأحمد وإسحاق[8].

«وحكى ابن المنذر عن بعض العلماء أنها على الأب ‌فإن ‌أخرجها ‌من ‌مال ‌الصبي ‌عصي وضمنه» [9].

الصورة الرابعة: إخراج زكاة الفطر عن الزوجة

اختلف الفقهاء في إخراج الرجل زكاة الفطر عن زوجته على رأيين:

الرأي الأول: لزوم زكاة الفطر على الزوج تجاه زوجته

 وهو مذهب جمهور الفقهاء، من المالكية والشافعية والحنابلة، وعللوا ذلك أن النكاح هو سبب النفقة، فوجبت به زكاة الفطر؛ لقيام الزوجية.

قال ابن عبد البر: (وأما اختلافهم في الزوجة؛ فقال مالك والشافعي والليث وأحمد وإسحاق وأبو ثور: على زوجها أن يخرج عنها زكاة الفطر، وهي واجبة عليه عنها وعن كل من يمون ممن تلزمه نفقته، وهو قول ابن علية؛ أنها واجبة على الرجل في كل من يمون ممن تلزمه نفقته) [10]..

وقال ابن حجر: (وقال مالك والشافعي والليث وأحمد وإسحاق: تجب على زوجها إلحاقا بالنفقة، وفيه نظر؛ لأنهم قالوا: إن أعسر وكانت الزوجة أمة وجبت فطرتها على السيد، بخلاف النفقة، فافترقا) [11].

الرأي الثاني: لا يلزم الرجل أن يخرج زكاة الفطر عن زوجته، بل تجب عليها:

 وهو مذهب الحنفية والظاهرية.

قال ابن حزم: (ليس على الإنسان أن يخرجها عن أبيه، ولا عن أمه، ولا عن زوجته، ولا عن ولده، ولا أحد ممن تلزمه نفقته، ولا تلزمه إلا عن نفسه، ورقيقه فقط. ويدخل في الرقيق أمهات الأولاد، والمدبرون، غائبهم وحاضرهم. وهو قول أبي حنيفة، وأبي سليمان، وسفيان الثوري، وغيرهم) [12].. وقال أيضا: (إيجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر على الصغير والكبير، والحر والعبد، والذكر والأنثى: هو إيجاب لها عليهم، فلا تجب على غيرهم فيه إلا من أوجبه النص، وهو الرقيق فقط) [13]

وقد اختار مذهب عدم وجوب الزكاة على الزوج لزوجته من المعاصرين الشيخ ابن عثيمين والشيخ يوسف القرضاوي وغيرهما.

قال ابن عثيمين: (الصحيح أن الزكاة واجبة على الإنسان بنفسه، فتجب على الزوجة بنفسها، وعلى الأب بنفسه، وعلى الابنة بنفسها، وهكذا، ولا تجب على الشخص عمن يمونه من زوجة وأقارب) [14]  

وقال القرضاوي: (أرجح رأي أبي حنيفة وغيره ممن أوجبها على الزوجة في مالها؛ لما فيه من إشعار المرأة المسلمة بهذا الواجب السنوي، وتعويدها البذل من مالها الخاص، لا مجرد الاعتماد على الزوج؛ فإذا تطوع الزوج فأخرج عنها، جاز). [15]

الترجيح:

الذي يترجح لدي ما يلي:

أولا- الزكاة عن الولد:

إذا كان الولد صغيرا ولا مال له؛ فزكاة فطرته على والده قولا واحدا، وإن كان له مال،  فيفرق بين الصغير والبالغ.

فإن كان صغيرا وله مال، فالذي يترجح لدي أن الزكاة على الوالد؛ لأنه مطالب بالنفقة عليه حتى وإن كان عنده مال.

أما إن كان بالغا مكتسبا، فلا تجب على الوالد، بل تجب على البالغ المكتسب من ماله؛ لأنه  زكاة عن بدنه، ولا تصح فيه الإنابة.

كما أن الأبناء المتزوجين لهم حياة مستقلة عن آبائهم، ولا يجب على الوالد النفقة عليهم مع غناهم، فوجبت عليهم، ولأنه مطالب بإخراج الزكاة عن زوجته إن لم يكن لها مال، لأنه أصبح رب أسرة منفصلة عن أسرة والده.

فإن أراد الوالد أو غيره إخراج الزكاة عنه؛ استأذنه في ذلك قبل إخراج الفطرة عنه، فإن أذن له؛ لأنها هبة منه ووكالة، وإن لم يأذن لم يصح.

ثانيا- إخراج زكاة الفطر عن الزوجة:

الذي يترجح لدي أنه يجب التفريق بين المرأة التي لها مال من كسب أو ميراث أو غيرهما، فيجب عليها إخراج زكاة الفطر من مالها ولا تجب على الزوج؛ لأنها بالغة مخاطبة بفروع الشريعة، وقد أوجب النبي صلى الله عليه وسلم عليها الزكاة بنص الحديث.

أما المرأة التي لا مال لها، فتكون زكاة فطرها على زوجها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فرضها على الصغير والكبير والذكر والأنثى، فلا تسقط الزكاة عن الصغير بعدم كسبه؛ فتجب على وليه، ولا تسقط عن الأنثى لعدم كسبها؛ فتجب على زوجها.

والقاعدة هنا: أن كل بالغ مكتسب أو له مال؛ وجبت زكاة الفطر في حقه، وكل من لم يكن مكتسبا؛ وجبت على وليه أو من ينفق عليه.

كما أن المرأة لها استقلالية في كثير من شؤون حياتها، وولاية الرجل عليها إنما تتعلق بالنكاح دون غيره، فلا ولاية له على مالها، ولا تجب عليه النفقة تجاهها في كل شيء، وإنما الواجب فيما تستقيم به الحياة الزوجية، وما سواها فتفضل منه، وهو من باب المعاشرة بالمعروف.

وفي هذا التفصيل إعمال للحديث النبوي الوارد في وجوب زكاة الفطر عن الجميع، لكن يكون الوجوب مع القدرة والبلوغ، وعند انعدامهما؛ وجبت على الولي إعمالا للوجوب.

خلاصة القول:

1- يجب على الرجل إخراج زكاة الفطر عن نفسه وعمن يعولهم إن لم يكن معهم مال، ولا يجب عليه أن يستأذنهم في ذلك.

2- تجب زكاة الفطر من مال الوالد في ولده الصغير وإن كان معه مال.

3- لا تجب زكاة الفطر على الوالد في ولده البالغ إن كان يعمل ويتكسب أو كان معه مال.

4- تجب زكاة الفطر على الزوج تجاه زوجته إن لم يكن معها مال.

5- لا تجب زكاة الفطر على الزوج تجاه زوجته إن كان معها مال أو تعمل.

6- يجوز لأي شخص أن يدفع زكاة الفطر لأي شخص آخر بعد استئذانه.

7- من كان دفع زكاة الفطر لأولاده أو زوجته وكان معهم مال؛ صح فيما مضى مراعاة للخلاف، ولا يصح فيما هو آت.