السنة بيان للقرآن، وشرح لأحكامه، وبسط لأصوله، وتمام لتشريعاته، والسنة متى ثبتت، فهي تشريع وهداية، وواجبة الإتباع، والسنة بعضها بوحي جلي عن طريق أمين الوحي جبريل- علىه السلام، وبعضها بالإلهام والقذف في القلب، وبعضها بالاجتهاد وحسب ما علم النبي من علوم القرآن، وقواعد الشريعة، وما امتلأ به قلبه من فيوضات الوحي.[1]

والسنة إما فعل أو قول أو تقرير للنبي -صلى الله علىه وسلم- ، وفي ظلال مفهوم “التعددية” يمكن أن نلاحظ المواقف التالية في سيرة النبي -صلى الله علىه وسلم- وأبعادها في قبول رأي الآخر واحترامه سواء اتفق مع وجهة النظر الخاصة – البعيدة عن التشريع بالطبع- للرسول -صلى الله علىه وسلم- أو كانت معارضة له، ومن هذه المواقف:

الموقف الأول – مراجعة النبي  في رأيه (غزوة بدر)، فعند نزول النبي -صلى الله علىه وسلم- إلى بدر قام الحباب بن المنذر وقال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل أمنزلاً أنزلكم الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال -صلى الله علىه وسلم- : بل هو الرأي والحرب والمكيدة، قال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم، فننزله ونغور ما وراءه من القلب، ثم نبني علىه حوضاً فنملأه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون، فقال -صلى الله علىه وسلم- لقد أشرت بالرأي.[2]

وفي نفس هذه الغزوة استشار النبي -صلى الله علىه وسلم- أصحابه في “مسألة أسري بدر” ونزل على قولهم “الافتداء بالمال” وكان ذلك مخالفاً لحكم الله الذي نزل فيما بعد، “وقد استدل جمهور علماء الأصول في هذه الواقعة على جواز الاجتهاد للنبي -صلى الله علىه وسلم- وإذا صح للرسول -صلى الله علىه وسلم- أن يجتهد، صح منه بناء على ذلك أن يخطئ في الاجتهاد ويصيب غير أن الخطأ لا يستمر، بل لابد أن تنزل آية من القرآن تصحح له اجتهاده فإذا لم تنزل آية فهو دليل على أن اجتهاده -صلى الله علىه وسلم- قد وقع على ما هو الحق في علم الله تعالى.[3]

وعلى الرغم من أن أفعال النبي لم تخضع لدراسات منهجية- بصورة كافية- توضح أنماط سلوكه حال كونه يبلغ رسالة أو وحياً أو اجتهاداً أو فعلاً خاصاً بصورة مكثفة ومتفق علىها بين العلماء، إلا أن هذه المسألة “مسألة الأسرى” وغيرها من المسائل تبرز بوضوح ضرورة الاجتهاد في أمور السياسة الشرعية التي تختلف باختلاف الزمان والمكان بل والحوادث ذاتها، وهو ما يبرر لأهل التخصص من المسلمين أن يجتهدوا في ضوء الضوابط والمقاصد التشريعية والتي منها مسألة “التعددية السياسية”.

“مسألة الأسرى” وغيرها من المسائل تبرز بوضوح ضرورة الاجتهاد في أمور السياسة الشرعية التي تختلف باختلاف الزمان والمكان بل والحوادث ذاتها

الموقف الثاني – اعتراض بعض الصحابة على أفعال النبي -صلى الله علىه وسلم- (صلح الحديبية ذي القعدة 6هـ)

كان أعظم ما اعترض عليه الصحابة على النبي -صلى الله علىه وسلم- في حياته ما حدث في: صلح الحديبية، فعلى الرغم من قوة المسلمين المادية والمعنوية، إلا أن النبي -صلى الله علىه وسلم- رضي بإقامة صلحاً مع قريش أجحفت بنوده- في ظاهرها- طموحات المسلمين في ذلك العام والتي تمثلت في حج البيت والطواف به، إضافة إلى بنود أخري، الأمر الذي جعل عمر بن الخطاب يتساءل مستنكراً إلى رسول الله -صلى الله علىه وسلم- “فقد جاء إلى النبي -صلى الله علىه وسلم- وقال يا رسول الله ألسنا على حق وهم على باطل؟ قال: بلى، قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى. قال: ففيم نعطي الدنية في ديننا، ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ قال: يا ابن الخطاب إني رسول الله ولست أعصيه، وهو ناصري ولن يضيعني أبداً قال: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال بلى: فأخبرتك أنا نأتيه العام؟! قال: لا قال: فإنك آتية ومطوف به”.[4]

أما باقي المسلمين فاعترضوا اعتراضاً سلبياً: “فلما فرغ رسول الله -صلى الله علىه وسلم- من التوقيع على بنود المعاهدة- قال- للمسلمين -قوموا، فانحروا، فوالله ما قام منهم أحد حتى قال ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد قام فدخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت يا رسول الله أتحب ذلك؟ أخرج، ثم لا تكلم أحداً كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فقام فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك… فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً…[5]

إن هذين الموقفين لـ “عمر بن الخطاب” و “عموم المسلمين” لهو موقف يثبت للمتأمل أن المسلمين لهم من القدرة على معارضة الخطاب حتى وإن كان ذلك خطاب النبي- طالما ليس تشريعاً-، كما أنه يبين درجات تلك المعارضة من الاعتراض الاستنكاري- كما فعل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه– أو الاعتراض السلبي، والأهم من ذلك هو موقف “الإمام” و “القائد” الذي تصرف بحكمة السياسي الماهر القادر على جعل “الآخرين” يقولون رأيهم بصراحة، حتى وإن خالفوه فهو لم “يقمع” أحداً ولم “يجبر” أحداً ولم “يكرههم” على النزول على رأيه، والنبي في هذا يمثل نضجاً سياسياً يجب تأمله وتحليله عند التعرض لمسألة “المخالفة” و “المخالفين” أو “المعارضة” و “المعارضين” في المجتمع.

الموقف الثالث – “صحيفة المدينة” أول دستور تاريخي لمفهوم “المواطنة” و”التعددية” في “المجتمع المدني”

لم يعرف المجتمع الإسلامي ما سمي في أوروبا في العصور الوسطي بـ “الدولة الدينية” أو “الحكم الديني” ولم يعرف- أيضاً- ما سمي في أوربا في القرن الثامن عشر بـ “الدول العلمانية“، ونقصد أن الإسلام لم يعرف مضامين هاتين الدولتين المتناقضتين في الفكرة والحركة والخبرة التاريخية، فلم يكن به “الشكل الكنسي” للمؤسسة الدينية ولا “الشكل العلماني” الفج في الدولة العلمانية، لأنه أساساً جاء كرسالة “إنسانية” تحمل منهج لإصلاح “الحياة” لجميع جوانبها وكافة أشكالها: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتربوية…إلخ، لذلك لم يعرف الإسلام التصادم أو الصدام مع الواقع أو العزلة عنه، لأن الإسلام لا يكون إلا حيث يكون الناس، ويبدأ الإسلام حين تبدأ الحياة الاجتماعية.

كان أول ما فعل بعد بناء المسجد “المؤسسة التربوية”، هو وضع الدستور لأول دولة إسلامية في التاريخ

لهذا السبب فإن النبي  عندما جاء إلى المدينة، كان أول ما فعل بعد بناء المسجد “المؤسسة التربوية”، هو وضع الدستور لأول دولة إسلامية في التاريخ، وكانت من أهم بنود هذا الدستور المواد الخاصة بـ “غير المسلمين” في الدولة الإسلامية وأوضاعهم القانونية والدستورية والاجتماعية ومكانتهم في خارطة المجتمع الجديد وتكوينه, وكان أغلبهم من إلىهود، وجاءت هذه المواد كما يلي:[6]

1- إنه من تبعنا (أي المسلمين) من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر علىهم.

2- إن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.

3- وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين.

4- لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وآثم فإنه لا يوتغ- يهلك- إلا نفسه وأهل بيته.

5- بنو ساعده على ربعتهم، يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.

6- وبنو جشم على ربعتهم، يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.

7- وبنو النجار على ربعتهم، يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.

8- وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم، يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.

9- وبنو الأوس على ربعتهم، يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.

10- وأن المؤمنين لا يتركون مفرحا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل.

11- وأن لا يخالف مؤمن مولى مؤمن دونه.

12- وأن المؤمنين المتقين أيديهم على كل من بغي منهم أو ابتغي دسيعة ظلم، أو إثماً، أو عدواناً، أو فساداً بين المؤمنين، وأن أيديهم، علىه جميعاً، ولو كان ولد أحدهم.

13- ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر، ولا ينصر كافراً على مؤمن.

14- وأن ذمة الله واحدة، يجير عليهم أدناهم، وأن المؤمنين بعضهم موإلي بعض دون الناس.

15- وأنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصر علىهم.

16- وأن سلم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله، إلا على سواء وعدل بينهم.

17- وأن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضا.

18- وأن المؤمنين يبوء بعضهم عن بعض بما نال دماءهم في سبيل الله.

19- وأن المؤمنين المتقين على أحسن هدي وأقومه.

20- وأنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفساً، ولا يحول دونه على مؤمن.

21- وأنه من اعتبط مؤمناً قتلا عن بينة فإنه قود به، إلا أن يرضي ولي المقتول بالعقل، وأن المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم إلا القيام عليه.

22- وأنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله، واليوم الآخر أن ينصر محدثا أو يؤويه، وأنه من نصره، أو آواه، فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل.

23- وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيئ، فإن مرده إلى الله وإلى محمد.

24- وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.

25- وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، مواليهم، وأنفسهم إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته.

26- وأن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف.

27- وأن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف.

28- وأن ليهود بني ساعده مثل ما ليهود بني عوف.

29- وأن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف.

30- وأن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف.

31- وأن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف، إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته.

32- وأن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم.

33- وأن لبني الشُّطَيْبَةِ مثل ما ليهود بني عوف، وأن البر دون الإثم.

34- وأن موالي ثعلبة كأنفسهم.

35- وأن بطانة يهود كأنفسهم.

36- وأنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد.

37- وأنه لا ينحجز على ثأر جرح، وأنه من فتك بنفسه وأهل بيته، إلا من ظلم، وأن الله على أبر هذا.

38- وأن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم.

39- وأنه لا يأثم امرؤ بحليفه، وأن النصر للمظلوم.

40- وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.

41- وأن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة.

42- وأن الجار كالنفس، غير مضار ولا إثم.

43- وأنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها.

44- وأنه ما كان من أهل هذه الصحيفة من حدث، أو شجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله، وأن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة، وأبره.

45- وأنه لا تجار قريش ومن نصرها.

46- وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه، وإنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك، فإنه لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين.

47- على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم.

48- وأن يهود الأوس مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة، مع البر المحصن من أهل هذه الصحيفة، وإن البر دون الإثم، لا يكسب كاسب إلا على نفسه، وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وإبره.

49- وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم، وأنه من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة، إلا من ظلم وآثم، وأن الله جار لمن بر واتقى ومحمد رسول الله.

إن هذه هي الحالة الأولى في التاريخ الإسلامي التي تعترف “بالتعددية” وما يلزم عنها في كافة أشكالها الدينية والاجتماعية من خلال دستور المدينة. وكذلك الإقرار بشكل واضح وأصيل على مبدأ “المواطنة” وكذلك الإشارة بوضوح إلى الحريات الدينية والمالىة والمساواة في تحمل أعباء المهام والمسؤوليات الاجتماعية المدنية، وبمعنى معاصر وضع أسس وقواعد لـ “المجتمع المدني”.

لقد أكدت “الصحيفة” على مجموعة من الحقوق “للجماعةاليهودية” بالمدينة مثل “المساواة المدنية” بينهم وبين المسلمين، “الحرية الدينية”، “التوزيع العادل” للغنائم بينهم وبين المسلمين، “عدم التحالف” عليهم، و”نصرتهم” إذا جار عليهم جائر، و”اعتبارهم أمة” مع المسلمين وليسوا “آخراً” كل هذا في مقابل الالتزام بالواجب الرئيسي “للمواطن” وهو المحافظة على بناء المجتمع وسلامته واستقراره، واحترام الدستور والقانون اللذين أعطاهما هذه الحقوق…!!

القيم التي قام عليها المجتمع المدني في “صحيفة المدينة” هي التعددية، وحرية العقيدة، والمواطنة، والمساواة، والإدارة السلمية للاختلافات، وهي لا تتعارض مع الانتماء إلى أمة واحدة

ولم يكن هذا الدستور للعلاقات الإسلامية – اليهودية في المدينة فقط، بل كانت لكافة التجمعات اليهودية في شبه الجزيرة العربية، “وبذلك تمكن الرسول -صلى الله علىه وسلم- من تحويل هذه التجمعات اليهودية إلى جماعات من المواطنين في الدولة الإسلامية يدفعون ما تفرضه علىهم من ضرائب نقدية أو عينية، ويحتمون بقوتها وسلطانها ويتمتعون بعدلها وسماحتها ولقد ظل اليهود والنصارى يمارسون حقوقهم في الدولة الإسلامية لا يمسهم أحد بسوء، وعاد بعضهم إلى المدينة بدليل ما ورد عن عدد منهم في سيرة ابن هشام ومغازي الواقدي. وهناك الكثير من الروايات والنصوص التاريخية التي تدل على أن الرسول -صلى الله علىه وسلم- كان يعامل اليهود بعد غزوة خيبر بروح التسامح كما أنه أوصى معاذا بن جبل (بألا يفتن اليهود عن يهوديتهم) وعلى هذا النحو عُومل يهود البحرين إذ لم يكلفوا إلا بدفع الجزية وبقوا متمسكين بدين آبائهم.[7]

هكذا نرى أن القيم التي قام علىها المجتمع المدني في “صحيفة المدينة” هي التعددية، وحرية العقيدة، والمواطنة، والمساواة، والإدارة السلمية للاختلافات، وهي لا تتعارض مع الانتماء إلى أمة واحدة أو مجتمع مدني واحد. ولم يضع الإسلام الدين معياراً للانتماء، بل جعل المعيار هو الالتزام بشروط العقد الاجتماعي، ولعل أهمها عنصر “تحقيق الأمن”، وهذا ما أكده علماء الإسلام على نحو حاسم[8]، لأن الإسلام “لم يميز بين المسلمين وغير المسلمين على اعتبار اختلاف الدين، كما لم يميز بين المواطنين والأجانب على أساس جنسيتهم أو تبعيتهم؛ فلذا من الخطأ، الناتج عن الجهل والتضليل، زعم بعض الباحثين أن صفة المواطن كانت للمسلمين وحدهم، وأن غير المسلمين كانوا جميعاً من الأجانب”.[9]

إذن فالانتماء أو المواطنة ليست تصنيفاً على أساس الدين، وإنما على أساس المسالمة والمحاربة؛ لأن الإسلام اعتبر أهل الأديان الأخرى المسالمين من أهل دار الإسلام؛ أي أن لهم حق المواطنة الكاملة. ومن مظاهر المواطنة المساواة بين الجميع- كما يقول أبو عبيد القاسم- في الدم والدية وتحريم غيبة غير المسلم وقد أفتى الليث بن سعد فقيه مصر أنهم إذا وقعوا في الأسر وجب افتداؤهم من بيت المال وقاعدة القواعد في الاعتراف بالتعددية والتنوع والمساواة في الحقوق والواجبات، تلك القاعدة العظيمة التي استقرت في التشريع الإسلامي والتي تنص على أن: “لهم ما لنا وعليهم ما علينا”.[10]


[1] محمد محمد أبو شهية: دفاع عن السنة، القاهرة: مجمع البحوث الإسلامية 1999، ص: 3- 4 .

[2] صفي الرحمن المباركفورى: الرحيق المختوم، مكة المكرمة، رابطة العالم الإسلامي ط2، 1991، ص: 234 .

[3] محمد رمضان البوطي: فقه السيرة، دمشق، دار الفكر، ط7، 1978، ص: 176 .

[4] صفي الرحمن المباركفورى: الرحيق المحتوم، مرجع سابق، ص: 389.

[5] المباركفورى: مرجع سابق، ص: 385.

[6] ورد نص هذه الوثيقة- الصحيفة- في المصادر الأولى للتاريخ الإسلامي والسيرة النبوية، مثل (سيرة ابن هشام) و(نهاية الأرب) للنويرى.. ووردت محققة في (مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوى والخلافة الراشدة) ص 15-21 جمعها وحققها: الدكتور محمد حميد الله الحيدر أبادي، طبعة القاهرة، سنة 1956م.

[7] عماد الدين خليل: دراسة في السيرة، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1974، ص: 358 .

[8] محمد عثمان الخشت: “المجتمع المدني والتعددية والتسامح في سياق الحضارة الإسلامية”، مجلة التسامح، عمان، العدد 12، 2005 ص: 58

[9] صبحى محمصانى، القانون والعلاقات الدولية في الإسلام، بيروت، عالم الكتب، 1978م، ص: 123 .

[10] محمد عثمان الخشت: مرجع سابق ص: 58 .