يقصد بالاقتصاد الفضي هو الاقتصاد الذي يستهدف شريحة كبار السن من بعد الخمسين والمتقاعدين فما فوقهم، فهو نظام اقتصادي يشمل العمليات الاقتصادية المتنوعة من الإنتاج والتوزيع والاستهلاك للسلع والخدمات، ويستهدف شريحة كبار السن وتلبية احتياجاتهم المعيشية المتنوعة من الخدمات والصحة والتأمين وتوفير السلع المناسبة لهم.

كما أن هذا الاقتصاد الفضي لا يقصد به فقط تلبية احتياجات كبار السن، بل أيضا سيقوم بإدارته واستثماره هذه الشريحة العمرية، مما يخلق فرصا استثمارية وفرصا في الوظائف والأعمال، كما أنه سيمثل تحولا كبيرا في العمالة، ومد العمر الوظيفي لدى شرائح يعتبرها المجتمع منتهية الصلاحية، وانها تمثل عبئا كبيرا عليها، حتى سمعنا بعض  المناداة في الغرب زمن كورونا من التخلص من هذه الفئات العمرية، وأنه ليس لها الحق في تقديم خدمة الطبية من تقديم اللقاح، وأن الأولى منهم الشباب الذي ينتظر منهم مزيدا من الإنتاج مستقبلا!!!

النشأة اليابانية

أين نشأ الاقتصاد الفضي؟

كان أول النشأة للاقتصاد الفضي في اليابان في سبعينيات القرن حيث خصصت اليابان أسواقا لهم؛ تلبي احتياجاتهم الخاصة، وقد تم اشتقاق الاسم ( الاقتصاد الفضي) من السوق الفضي الذي أنشأته اليابان، والذي ضم قطاعات متنوعة لهذه الفئة من الخدمات الطبية والتغذية والاتصالات والبنوك والسيارات والطاقة والإسكان والسياحة والترفيه وغيرها.

وعلى هذا، فاليابان كانت رائدة في خلق هذا النوع الجديد من الاقتصاد.

أهمية الاقتصاد الفضي

يعد الاقتصاد الفضي أحد أهم الاستثمارات الحديثة؛ لما تتميز به طبقة كبار السن من الوفرة المالية من جهة، ومن كثرة الخدمات والاحتياجات من جهة أخرى، وكذلك توافر عوامل أخرى كالوقت والنشاط وغيرها،  وعلى هذا، فالاقتصاد الفضي اقتصاد واعد.

 ومن عوامل توقع ازدهار الاقتصاد الفضي – أيضا- دخول العالم ما يعرف بـ ( العصر الفضي)، وهو زيادة نسبة كبار السن في المجتمعات البشرية، حيث يتوقع أن يصل عدد الذين بلغت أعمارهم ستين عاما فما فوق قرابة ربع سكان الكرة الأرضية بحلول 2025 أو ربما يزيدون عن تلك النسبة حسب التوقعات، ووفقا للإحصائيات،  ومن المتوقع أن يكون هناك واحدٌ من كل ثلاثةٍ من سكان قارة أوروبا فوق سن 65 في عام 2060، فإنهم يمثلون اليوم قرابة 15% من سكان العالم، بما يزيد عن 962 مليون شخص، بل من المتوقع أن يزيد عدد الأعمار من (65 عاما) على أعمار الأطفال دون سن الخامسة، ويعود ذلك إلى سياسات تنظيم النسل في كثير من دول العالم، ويستثنى من ذلك القارة السمراء ( إفريقية) التي ما زالت تتمتع بإنجاب عدد كبير من الأطفال في دولها.

قطاعات الاقتصاد الفضي

لما كان الاقتصاد قائما على تلبية الاحتياجات، فإن قطاعات الاقتصاد الفضي تقوم على قطاعات احتياجات كبار السن، بما تمثل احتياجاتهم من خصوصية الخدمة من جهة، وخصوصية السن من جهة أخرى.

ولا يعني هذا أن قطاعات الاقتصاد الفضي منفصلة عن اقتصاد الشرائح العامة، فهي تشترك معهم في بعض القطاعات، لكن تبقى الخصوصية لهم في طبيعة الخدمة، وإن اشتركت في قطاعها وعنوانها مع الآخرين.

ومن أهم تلك القطاعات: دور رعاية كبار السن، والخدمات الصحية المتنوعة لهم، وكذلك خدمات السفر والسياحة والترفيه،  وربما النظرة العجلى أن الترفيه أكثر للشباب، فإن فرص الاستثمار في الترفيه لكبار السن ربما تكون أكثر بسبب الفراغ وعدم الانشغال بالإضافة إلى المدخرات المالية لدى هذه الفئة

تكنولوجيا الاقتصاد الفضي

انطلاقا من أن الاقتصاد الذي نعيشه اليوم هو الاقتصاد الرقمي بما حقق من طفرات متنوعة في عالم الاقتصاد، فإن من أهم عوامل نجاح الاقتصاد الفضي أن يعتمد على التكنولوجيا، وأن يكون (اقتصادا رقميا)، وذلك من خلال توظيف التكنولوجيا في تقديم خدمات جديدة ومتنوعة ومتميزة في السوق لهذه الشريحة، وذلك عن طريق استخدام الذكاء الاصطناعي وابتكار عدد من التطبيقات والمنصات التي تسعى إلى توفير الخدمة وتسعى إلى  تحسين مستوى الخدمات الصحية الرقمية، فقد يكون الكشف الطبي عبر المنصات الإلكترونية، وطلب وإرسال الدواء ونحو ذلك، وكذلك تحسبين بيئة التعليم والثقافة لكبار السن، وتقديم خدمات الرعاية وخدمات الترفيه والسياحة من خلال التكنولوجيا، وهو ما يتوافق مع طبيعة كبار السن الذين لا يجدون غالبا من يساعدهم دائما على تلبية احتياجاتهم لانشغال الفئات العمرية الأقل سنا بما لديهم من اهتماماتهم، وعدم الرغبة في قضاء أوقات أطول مع كبار السن.

خصائص الاقتصاد الفضي

ما هي خصائص الاقتصاد الفضي؟

يتميز الاقتصاد الفضي بعدد من الخصائص، من أهمها: أنه اقتصاد عالمي، بمعنى أنه لن يكون محصورا في قارة بعينها، كما أنه سيتضمن تفكيرا عالميا، ومنتجات عالمية، وستقوده شركات عالمية، وسيسعى رواده إلى تدويله عالميا.

كما أن من أهم ما يميز الاقتصاد الفضي أنه اقتصاد تعاوني، حيث سيشجع على تبادل السلع والخدمات لتحقيق أكبر قدر من المنفعة. وهو – في الوقت ذاته- اقتصاد شامل، يسعى لتحقيق العدالة في توزيع الثروات وتقديم الخدمات، كما أنه اقتصاد دائري، بتقليل الهدر في استخدام المواد الخام بما لهذه الطبقة من وعي أكبر من الشباب، وهو أيضا اقتصاد رقمي؛ يوظف التكنولوجيا والتقنيات الحديثة في تقديم الخدمات.، كما أنه اقتصاد صديق للبيئة، فضلا عن كونه اقتصادا نوعيا؛ لأنه يتجه نحو شريحة نوعية؛ وهذا من أهم عوامل النجاح الاقتصادي.

الاقتصاد الإسلامي ودوره في تعزيز الاقتصاد الفضي

إن روح الاقتصاد الفضي تتوافق ورؤية الشريعة الغراء، وإن الإسلام وما جاء به من مبادئ سامية تتعلق برعاية كثير من الفئات، ومنها فئات كبار السن؛ ليضع كثيرا من النظم والرؤى حول ما يسمى بـ ( الاقتصاد الفضي)، والواجب على الاقتصاديين الإسلاميين أن يبينوا رؤية الإسلام الاقتصادية في هذا النوع، مسايرة للتطور الاقتصادي  العالمي من جهة،  ومن جهة الأخرى ، فإن الواجب أن تكون هناك مبادرات اقتصادية منبثقة عن الفكر الاقتصادي الإسلامي بما يملك من مبادئ وأسس تبلي الاحتياجات وتحقق المقاصد الإنسانية والبشرية وفق المنظومة الإسلامية.

وهو في هذا إطار يمكن أن يقدم ( الاقتصاد الفضي) ليس فقط على كونه فرصة استثمارية، كما هو الحال في الفكر الغربي الاقتصادي، بل يمثل مع هذه الزاوية زاوية أخرى، اقتصادية أيضا من جهة ( الاقتصاد اللاربحي) في توفير الاحتياجات والسلع والخدمات في رعاية كبار السن، وتوظيفهم التوظيف الأمثل في المجتمع؛ وهذا ما يتميز به الفكر الاقتصادي الإسلامي أنه ( اقتصاد شمولي) يجمع بين الاستثمار من جهة، وما يتبعه من عمليات الإنتاج والتوزيع والاستهلاك وغيرها، وبين الدور الاجتماعي الذي يمثل المسئولية الجمعية لكل من ينتمي إلى هذا الدين وهذا المجتمع، بل يتعدى ذلك إلى المجتمعات الأخرى الإنسانية والتي تخالفه في الدين والعقيدة، كما يمكن أن يقدم الفكر الاقتصادي الإسلامي تجديدا في العمليات الاقتصادية؛ من خلال تعميق مبادئ الاقتصاد الإسلامي في تلك العمليات الاقتصادية، وتشجيعه نحو الابتكار في الوسائل والآليات التي تحقق الموازنة والشمول والاتجاه نحو الاقتصاد الحقيقي الذي يراعي جميع أطراف العملية الاقتصادية من المنتجين والمستهلكين والمجتمع كله، وهو ما يقود إلى تطوير وتجديد للاقتصاد الفضي، بل ربما يكون ميلادا جديدا بمفهوم جديد للاقتصاد الفضي.

كما يمكن أن تكون الرؤية الإسلامية ميزانا لحركات الاقتصاد الفضي العالمي، وميزانا للتصحيح والتصويب نحو اقتصاد فضي عالمي إنساني.