اقرأ أيضا:
إن الدين الذي يقول للمسلم { وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله } الأنعام : 116 والذي يقول : { وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت } الأنعام : 70 . والذي يقول : { واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين } يونس : 109 ، هذا الدين لابد أن يطلب من المسلم أن يحيا حياة جادة حافلة بالأعمال الجليلة ، ولا يضيع عمره بالقيل والقال كما جاء في الحديث ، ولا بالأشياء التافهة التي يقطع بها الأوقات أو يقتل بها الأوقات كما يعبر أحدهم ، وهناك أناس كثر شباباً وشيباناً يقضون ساعات الفراغ في لعب النرد والورق ، وهذا الذي يجعل زمن هؤلاء هباء منثوراً لأنهم لا يعرفون قيمة الوقت ولا قيمة أنفسهم ، قال صلى الله عليه وسلم : ” نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ ” أي أن المستفيدين من هاتين النعمتين قلة ، والكثير مفرط مغبون . وقال صلى الله عليه وسلم : ” لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال : عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن علمه ماذا عمل به ” .
تعجب أحد عقلاء الغرب من أناس عندهم القدرة على البقاء جالسين طوال ساعات على اللعب ب ( الورق ) ويعقب : ” ومن ثم ندرك أن البشر لايتوقفون بمنتهى السهولة عن أن يكونوا أطفالاً ” ( 1 ) ويعلق المؤرخ الأمريكي ( ول ديورانت ) على طبيعة حياة المسلم : ” وليس في التاريخ دين غير دين الإسلام يدعو أتباعه على الدوام إلى أن يكونوا أقوياء ، ولم يفلح في هذه الدعوة دين آخر بقدر ما أفلح الإسلام ” ( 2 ) .
هذه الحياة الجدية لا تعني أن لا يكون هناك أوقات للترويح عن النفس ، لأن النفوس إذا كلَت عميت ، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم تعقيباً على السماح للسيدة عائشة رضي الله عنها بالنظر إلى ألعاب الحبشة ،قال : ” ليعلم يهود أن في ديننا فسحة ” وكان العلماء من السلف يذكرون الملح والطرائف أثناء دروس العلم حتى لا يمل طالب العلم ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقاً ، وكان إذا أعجبه شيء تبسم .
قد يستغرب بعض الناس وخاصة من غير المسلمين هذه الجدية في حياة المسلم ، عبادات وطاعات وترك المحرمات ، يقولون : ما هذا التزمت والضيق ، ويرون كل ذلك قيوداً وهم يريدون التفلت من الالتزامات الدينية والأخلاقية ، ولا يدركون أن التوازن الذي جاء به الإسلام هو خير للبشرية ، حتى لا يطغى شيء على شيء ، توازن بين حاجات الجسد وحاجات الروح ، ومن أسماء القرآن أنه : روح وأنه حياة فالإنسان بدون هذه الروح يكون ميتاً معنوياً ، ويقال لهؤلاء : هذا هو الإسلام وهذه حياة المسلم في ليله ونهاره وفي عمله وراحته وهذا هو مقتضى العبودية .
تأملات للفيلسوف الألماني ( كانط ) /47
قصة الحضارة/ 13
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين