تميز المسلمون بخدمة الوحي الشريف قرآنا وسنة، ولم يوجد نص في الدنيا خُدم كما خدم القرآن الكريم الذي لا تزال تفاسيره تتدفق تباعا منذ بدء التدوين في علوم الإسلام، وعلى غراره خُدم حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام، وأنتج المسلمون مكتبة ضخمة في علوم السنة النبوية رواية ودراية، فكانت المجاميع الحديثية متنوعة بين الصحاح والمسانيد والسنن  والمعاجم والمستدركات والمستخرجات والأجزاء والأثبات والفهارس، وظاهرها علم الرجال والطبقات وتاريخ المدن، وشد وثاقاها علم العلل، حتى أن ابن الصلاح عدّ من علوم الحديث ما ينيف عن الستين علما. ومن تلك الحقول التي خُدمت بها السنة النبوية ما يعرف بالأربعينات الحديثية.

فقد عقلنا ومشيختنا يعتنون بالأربعين النووية التي كنا نتحفّظها، وكانوا يعقدون المجالس لإقرائها وشرحها، ومن جملة ما نقرأه في مقدمتها حديث أبي الدرداء وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء” وفي رواية: “بعثه الله فقيها عالما”، والحديث فيه مقال، ولكن جرى العمل بقبوله.

وهذه الأربعينات كانت مثار تنافس من العلماء للدخول في ذلك الوعد النبوي، فكان الاجتهاد والبراعة في تنظيمها والبحث عن نظائرها، بل والإبداع فيها، ولا يزال أهل السنة يخرجون دررا منها.

وهؤلاء المصنفون في الأربعينات كثيرون من المتقدمين والمتأخرين الذين راموا الاندراج في وعد النبي صلى الله عليه وسلم، والانتصار لسنته حفظا وتدرسا وجمعا وشرحا ونشرا، واختلفت بين التصنيف في المواضيع، أو في البلدان، أو في المتون القصيرة أو الطويلة، أو الأسانيد العالية أو النازلة، وأغلب المواضيع كانت في الأخلاق والزهد والرقائق، والجهاد، أو آداب طلب العلم ونحوها.

قال النووي:” فأول من علمته صنف فيه: عبد الله بن المبارك، ثم محمد بن أسلم الطوسي العالم الرباني، ثم الحسن بن سفيان النسائي، وأبو بكر لآجري، وأبو بكر بن إبراهيم الأصفهاني، والدارقطني، والحاكم، أبو نعيم، وأبو عبد الرحمن السلميّ، وأبو سعيد الماليني، وأبو عثمان الصابوني، وعبد الله بن محمد الأنصاري. وأبو بكر البيهقي، وخلائق لا يحصون من المتقدمين والمتأخرين…ثم من العلماء من جمع الأربعين في أصول الدين، وبعضهم في الفروع، وبعضهم في الجهاد، وبعضهم في الزهد، وبعضهم في الآداب، وبعضهم في الخطب”(مقدمة النووي للأربعين).

وقال الكتاني في الرسالة المستطرفة: “والأربعون لعبد الله بن المبارك الحنظلي، وهو أول من صنف في الأربعينات، ولمحمد بن أسلم الطوسي، وللحسن بن سفيان النسائي، ولأبي بكر الآجري وهي جزء لطيف في كراريس، ولأبي بكر محمد بن إبراهيم الأصبهاني المعروف: بابن المقري، ولأبي بكر محمد بن عبد الله الجوزقي، ولأبي نعيم الأصبهاني، ولأبي عبد الرحمن السلمي، ولأبي بكر البيهقي، ولأبي الحسن الدارقطني، ولأبي عبد الله الحاكم، ولأبي طاهر السلفي، ولأبي القاسم بن عساكر، وله أربعونات منها: الأربعون الطوال والأربعون البلدانية والأربعون في الجهاد وهي التي سماها: الاجتهاد في إقامة فرض الجهاد.

ولأبي سعد أحمد بن محمد الأنصاري الماليني الهروي، ..ولأبي الفتوح محمد بن محمد بن علي بن محمد الطائي الهمذاني : إرشاد السائرين إلى منازل المتقين من مسموعاته عن أربعين شيخا كل حديث عن واحد من الصحابة، ولأبي بكر تاج الإسلام محمد بن إسحاق البخاري الكلاباذي الحنفي  ولأبي عثمان الصابوني ..، ولأبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن عبد الله بن أبي الصيف اليمني المكي الشافعي .. (الرسالة المستطرفة، ص 101).

ولاستفصال النصين السابقين، فإنه يحسن ذكر بعض النماذج من المتقدمين والمعاصرين:

أ/ العلماء المتقدمون

– الآجري (360): الأربعون.

– أبو بكر بن المقري (380): الأربعون: جمعها من أربعين بابا من العلم.

-السلمي أبو عبد الرحمان (412ه): الأربعون في التصوف.

– الماليني طاووس الفقراء (412ه): كتاب الأربعين في شيوخ الصوفية.

-الأصبهاني أبو نعيم الحافظ (430ه): الأربعون على مذهب المتحققين من الصوفية.

البيهقي (458ه) الأربعون في آداب طلبة العلم والحديث.

-القشيري (465ه): الأربعون في الزهد والرقائق والترغيب في أعمال البر.

-الأصبهاني القاسم بن الفضل (489ه): الأربعون حديثا فيما ينتهي إليه المتقون ويستعمله الموفقون.

– أبو إسماعيل الهروي (489ه): الأربعون في دلائل التوحيد.

-الهمذاني الطائي (555ه): الأربعين إلى إرشاد السائرين إلى منازل المتقين.

-ابن عساكر الدمشقي (571ه): الأربعين البلدانية. الأربعون في الحث على الجهاد، الأربعين الطوال.

-السلفي أبو طاهر (576ه): الأربعين المغني بكر ما فيه عن المعين، الأربعون حديثا في حق الفقراء.

-المديني أبو موسى (581ه): الأربعين في عدد الأربعين.

-المقدسي علي بن المفضل المالكي (611ه): الأربعين المرتبة على طبقات الأربعين، الأربعون الإلهية.

-المقرىء أبو الفرج عفيف الدين (618ه): الأربعين في الجهاد والمجاهدين.

-الملاحي أبو القاسم محمد بن عبد الواحد الغافقي الغرناطي (619): كتاب الأربعين، ذكر فيه أربعين شيخا من أربعين قبيلة عن أربعين صحايبيا من أربعين قبيلة عن أربعين تابعيا من أربعين قبيلة، من أربعين مسندا في أربعين بابا من العلم.

– ابن عساكر فخر الدين (620ه): الأربعون في مناقب أمهات المؤمنين.

– البكري الحسن بن محمد (656ه): الأربعين من أربعين عن أربعين.

– المنذري عبد العظيم (656ه): الأربعون حديثا في اصطناع المعروف، وقد طبع بالمغرب بشرح وتعليق أبي عبد الله محمد بن إبراهيم السلمي (803ه)، وتعليق وتلخيص مسند الجزائر أبي زيد عبد الرحمان بن مخلوف الثعالبي (875ه)، وقدمه المرحوم محمد بن تاويت الطنجي.

ابن حجر العسقلاني (852ه): الإمتاع بالأربعين المتباينة السماع.،الأربعون في ردع المجرم عن سبّ المسلم.

– الحسن المشاط (1399ه): أربعون حديثا في أبواب شتى في الترغيب والترهيب.

ب/ المعاصرون المنجزون للأربعينيات:

–  الأربعون القرآنية: للأستاذ الدكتور عبد الجبار أحمد سعيد الفلسطيني.

– الأربعون الحضارية، في القيم الحضارية والصفات الإيجابية للدكتور يوسف نواسة.

-الأربعون الأخلاقية: للشيخ عون معين القدومي.

-الأربعون في عشرة النساء: علي بن نايف الشحوذ.

-أربعون حديثا في الخيرية: محمد بن إبراهيم الهزاع.

-الأربعين التدبرية: أيمن عبد الحميد خطاب.

-الأربعون حديثا في الأمن الفكري: سعد الدين محمد الكبي.

-الأربعون حديثا في عدة المسلم في البلاء والوباء: فاضل بن خلف الحمادة.

-أربعون حديثا في قواعد التفسير: مرتضى جمال الدين.

-أربعون حديثا في التهجد وقيام الليل: محمد بن عزوز.

-الأربعون التطويرية في تطوير الذات وأسباب النجاح: لعلي بن إبراهيم العجين.

-الأربعون العقدية في أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: لأبي عبد الرحمن أيمن إسماعيل

-الأربعون الرياضية: محمد خير رمضان يوسف.

-الأربعون في عظمة رب العالمين: محمد صالح المنجد.

-الأربعون الليسية: محمد عبد الحليم بيشي.

ولا يزال التأليف في الأربعينات مستمرا بصور متعددة ومتباينة، وذلك خدمة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وتفننا في تقديمها لأمته، وهناك دراسات مرجعية في الموضوع لمن شاء الاستزادة، ومنها:

-سهل العون: المعين على معرفة كتب الأربعين. وقد طبع بدار عالم الكتب سنة (2004).

-زياد عبد الوهاب أوزون: الأربعينات الحديثية، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، ع 1، 2011.

– محمد باعيسى مذكرة ماستر عن كتب الأربعين بكلية العلوم الإسلامية بالخروبة بالجزائر، وأجيزت بالامتياز في سنة (2015).