اشتهر التصنيف الخاص في تفسير آيات الأحكام أو التفسير الفقهي من عصور التدوين حتى العصر الحديث، مما جعل هذا الباب يعد فنا مستقلا في علوم القرآن الكريم، وإن كان في المجمل داخلا في مجال التفسير الذي يدرج في مباحث علوم القرآن الكريم، ولبيان حقيقة هذا النوع من التفسير؛ نشأته وخصائصه ومجالاته، توجه نظرنا إلى بحث علمي قدمه الأستاذ مولاي عمر بن حماد، واختصرنا ما تجب ضرورة معرفته عن التفسير الفقهي من خلال البحث بعنوان: ” التفسير الفقهي؛ النشأة والخصائص”.
انطلق الأستاذ مولاي في هذه الدراسة بإبراز المقصد التشريعي في القرآن الكريم، حيث اعتبره أهم المقاصد التي نزل أو أنزل القرآن من أجلها، فجعل ذلك أساسا ومبررا لوجود توجه بعض علماء التفسير إلى الاهتمام بالتفسير الفقهي أو تفاسير الأحكام.
وبما أن التفسير الفقهي مركب من؛ التفسير وهو علم يفهم به كتاب الله ومعانيه واستخراج أحكامه)، والفقه الذي يعنى بالأحكام الشرعية العملية، فيمكن تعريف التفسير الفقهي بأنه تفسير الآيات التي لها صلة بالأحكام الشرعية العملية في القرآن الكريم. وهذه الأحكام الشرعية العملية هي التي تتعلق بالعبادات والمعاملات بما في ذلك العقود والتصرفات وما تنتظم به علاقات الناس بعضهم ببعض..
ومما يشد الحاجة إلى التفسير الفقهي أنه يستثنى من التفسير بالرأي الذي ورد النهي عنه في الحديث النبوي: ((من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ))، وإن كان الغالب على الفقه حكايته عن آراء الفقهاء واجتهاداتهم. ومن هنا يصنف التفسير الفقهي ضمن تفسير القرآن الكريم بالاختصاص، قال ابن عطية: (وليس يدخل في هذا الحديثِ أن يفسِّر اللغويون لغته، والنحاة نحوه، والفقهاء معانيه، ويقول كلّ واحد باجتهاده المبنيّ على قوانين علم ونظر؛ فإنّ القائل على هذه الصفة ليس قائلًا بمجرّد رأيه)، وهنا أضاف الدكتور مولاي: “واستثناء تفسير الفقهاء واللغويين والنحاة إنما كان منه لأنه يعدّ كلّ ذلك من التفسير بالرأي، إلا أنّ التحذير الوارد في الحديث لا يشمله؛ لأنه رأيٌ مبنيٌّ على قوانين علم ونظر”.
ولما كان التفسير الفقهي يركز في الأساس على آيات الأحكام، فقد اختلف العلماء في تحديد عددها، وأشاروا لهذا الموضوع في صدد الحديث عن شروط المجتهد، فمنهم: من يقدر عدد آيات الأحكام في خمسمائة آية، ومنهم من يقول مائة آية.. ومنهم من يرى عدم حصرها بعدد معين أمثال الشوكاني، واختاره الدكتور مولاي وارتضاه لأن الاستنباط يرجع إلى ملكة العالم وطاقته في التعاطي مع النصوص وارتباطه مع الواقع.
وبدأت نشأة علم التفسير الفقهي مع نزول القرآن الكريم، وكان النبي ﷺ أول من فسر القرآن فقهيا وذلك من البيان الذي دلّ عليه قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[النحل: 44]، فكان يفسر القرآن من خلال السنن القولية والفعلية. ثم اجتهد الصحابة رضوان الله عليهم في استنباط الأحكام الشرعية من القرآن الكريم للقضايا المستجدة في عصرهم. وازداد هذا النوع من التفسير مع تقدم الأزمنة والاتساع الذي عرفته الرقعة الإسلامية، حيث زادت الحاجة إلى التفسير الفقهي للقضايا والنوازل ، وذلك باعتبار القرآن الكريم أول ما يرجع إليه المجتهد في التشريع.
يغلب على التفاسير الخاصة بالأحكام الفقهية في القرآن الكريم عنوان أحكام القرآن، وأول كتاب عرف في هذا الموضوع (أحكام القرآن) لأبي النصر محمد بن السائب الكلبي الشيعي (ت 146هـ).
وكان من أبرز المصنفات في التفسير الفقهي حسب المذاهب الفقهية الأربعة المشهورة ما يأتي:
– مذهب الحنفية:
أحكام القرآن في أَلْف ورقة: لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلمة الأزدي الطحاوي الحنفي، المتوفى 321هـ.
أحكام القرآن: لأحمد بن علي الرازي، المشهور بالجصّاص الحنفي، المتوفى 370هـ.
– مذهب المالكية:
أحكام القرآن: لأبي بكر محمد بن عبد الله، المعروف بابن العربي، المتوفى 543هـ.
الجامع لأحكام القرآن: لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، المتوفى 671هـ.
– مذهب الشافعية:
أحكام القرآن: للإمام الشافعي، المتوفى 204هـ، جمعه الإمام أبو بكر أحمد بن الحسن البيهقي النيسابوري، المتوفى 458هـ.
أحكام القرآن: لعماد الدين أبي الحسين علي بن محمد الطبري، المعروف بالكيا الهراسي الشافعي، المتوفى 504هـ.
مذهب الحنابلة:
أحكام القرآن: لأبي يعلَى محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن الفراء الحنبلي، المتوفى 458هـ.
أحكام الراي في أحكام الآي: شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن الصائغ الحنبلي، المتوفى 776هـ.