إذا كنتما تعانيان في علاقتكما من الخرس الزوجي، فراجعا نفسيكما، وابحثا عن السبب الدفين لهذا الخرس والبكم التعبيري، وهل هو سبب شخصي في الزوج و الزوجة أيضا أم نتيجة لأسباب خارجية، وهذه المراجعة لن تأتي إلا من خلال الجلسة الزوجية الودودة الدافئة، والتي من خلالها يتولد التفاهم، وينمو الحوار، وتترعرع الصراحة، وتتولد الثقة.
لا يكفي أن تشعر بالحب تجاه من تحب، بل يجب أن تترجمه لسلوكيات ودودة، ولمسات لطيفة، وتعبيرات دافئة صادقة، تسمعها شريكة حياتك وبشكل مباشر، أو أن تعلنها بطريق غير مباشرة وهي غير موجودة.
على الزوج أن يتعلم كيف ينشر إحساسه الداخلي الجميل، إلى عبير وشذى دافئ يستمتع به رفيق عمره، فإذا بدت فإن الطرف الآخر حتما سيصاب بالعدوى التعبيرية، وستبدأ سلسلة تصحيح المسيرة الزوجية السعيدة.
نوادر أبي زرع
فلنتأمل الحديث الجميل والطريف الذي يسجل تلك الجلسة الودودة بين الرسول ﷺ وزوجته عائشة رضي الله عنها، والتي ترويه قائلة: (جلس إحدى عشرة امرأة، فتعاهدن، وتعاقدن ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا، فحكت كل منهن فوصفت زوجها وصفا دقيقا طريفا، ومنهن أم زرع وكانت الحادية عشرة فيهن، حيث قالت: “زوجي أبو زرع فما أبو زرع؟ أناس من حلي أذني، وملأ من شحم عضدي، وبجحني فبجحت إلي نفسي، وجدني في أهل غنيمة بشق فجعلني في أهل صهيل وأطيط. ودائس ومنق، فعنده أقول فلا أقبح، وأرقد فأتصبح، وأشرب فأتقنح”.
ومعنى وصفها أن أبا زرع قد حلاها بقرط عظيم يتحرك لكثرته بأذنيها، وسمنها حتى امتلأ عضداها شحما، وفرحها ففرحت، وأنه ارتقى بمستواها فأخذها من أسرة تملك الغنم، إلى أسرة أرقى تمتلك الخيل ذات الصهيل، والإبل ذات الأطيط، وهو رجل صاحب زرع يدرسه، وينقيه من تبنه وقشوره، وتتمتع معه بالحرية فتقول رأيها، فيقبله بصدر رحب، ومعيشتها مريحة، فهي ترقد وتنام بعد الصباح وهي مكفية بوجود خدم يخدمونها، والماء عندهم وفير، فهي تشرب الماء بتمهل وكما تشاء.
قالت عائشة: قال لي رسول الله ﷺ: “كنت لك كأبي زرع لأم زرع. وتدبر هذا التعليق الودي المطمئن من الحبيب ﷺ وهو يطيب نفس حبيبته عائشة رضي الله عنها بأنه يحسن عشرتها.
لافتات زوجية
فإذا نجحتِ أيتها الأخت الكريمة في هذه الأحاديث الودية، وذكرت زوجك بمثل سلوك أبي زرع مع أم زرع -دون الطلاق طبعا- وتوطدت الثقة بينكما، فهي الخطوة التي تسبق مراجعة سلوكياتكما مع بعضكما البعض، وكذلك أمكن استدراك ما فات، وتصحيح ما هو آت من عمركما.
ثم تشجعي في صراحتكِ، وحاولي أن تقرئي معه الخطوات الآتية، وذكريه بهذه (اللافتات الزوجية الحميمية)، وهي مجموعة من اللمسات الرقيقة، فقولي أو اكتبي على مرآة غرفة النوم، أو في وريقة داخل جيبه، كل يوم لافتة أو تذكرة أو لمسة!.
وابدئي باللمسة الأولى: زوجي الحبيب: أعلنها.. ولا تخجل فلقد أعلنها الحبيب ﷺ، وتدبر أين أعلنها؟ ولمن؟ وأمام من؟ ومن سمعها، فأداها كما سمعها، حتى وصلت إلينا كرسالة حب وود خالدة، لتعلم الناس كل الناس:
عن عمرو بن العاص أنه قال: يا رسول الله من أحب الناس إليك؟
قال: عائشة.
قال: من الرجال؟
قال: أبوها.
فإذا استحييتِ، فذكريه باللمسة الثانية: أخبرها.. تُخبِرَكَ! “إذا أحبَّ الرجلُ أخاهُ فليُخْبِرْهُ أنهُ يُحِبُّهُ”، هذا هو الأمر، وهذه هي النصيحة، فترجم أحاسيسك، ولا تحبس مشاعرك أيها الرجل الطيب.
مسيرة حب
وإذا تشجعت، وطمعت في الثواب، وأخبرتها، فلتكمل مسيرتك في ارتقاء سلم فن التعبير عن المشاعر، ومهاراتك الحميمية، واقرأ اللمسة الثالثة: قدِّرها.. تسُرَّها، وتأمل كيف كان الحبيب ﷺ، ينتهز كل فرصة، ليقرر ويقدر فضل زوجته الأولى خديجة رضوان الله عليها، وما لها من المكانة القلبية حتى بعد رحيلها.
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي ﷺ إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثناء قالت: فغرت يوما، فقلت: ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق، قد أبدلك الله عز وجل بها خيرا منها، قال: ما أبدلني الله عز وجل خيرا منها، قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء.
فإذا تأسيت بحبيبك ﷺ، وانتهزت كل فرصة لتطلق كلمات التقدير، أمام وجهها ومن خلفها في غيابها، حول ما تبذله يوميا من رعايتها لأبنائك، واهتمامها بمملكتكما الصغيرة، وأناقتها في مظهرها، وسؤالها عمن تحبهم، وتقديرها لعملك المجهد، واتصالها بك في عملك و…، فاستمر، وسيقلدك رفيقك، بل الأبناء سيصابون بهذه العدوى التقديرية، ولا تتراجع عن استكمال اللمسة الرابعة: لا تلجم مشاعرك.. فلن تنساها لك وتدبر ما حكاه كعب بن مالك رضي الله عنه عن قصة محنته، وكيف حفظ الجميل والتقدير لطلحة بن عبيد الله رضي الله عنه عندما قام ليهنئه بتوبة الله تعالى عليه ولم يقم غيره: “فقام طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يهرول حتى صافحني وهنأني، والله ما قام رجل من المهاجرين غيرُه، فكان كعب لا ينساها لطلحة”.. وإنه من القصور الغريب، والبلادة المنفرة، أن نملك جميعا الكثير والطيب من المشاعر ولكننا نفشل في ترجمتها إلى سلوكيات عملية.
ثبت عواطفك
فإذا ارتقيت في إتقان فن التعبير عن مشاعرك، فإليك اللمسة الخامسة: اثبت.. ولا تتغير مع الظروف، بل استمر في رقيك الإنساني الودود، وتذكر كيف كان الحبيب الرقيق ﷺ، يكثر من تودده، خاصة في ظروف حبيبته عائشة رضوان الله عليها، فعن منصور بن صفية أن أمه حدثته أن عائشة رضي الله عنها حدثتها أن النبي ﷺ كان يتكئ في حجري وأنا حائض ثم يقرأ القرآن.
ومعنى يتكئ: من الاتكاء وهو الميل في القعود مع الاعتماد على شيء والمراد هنا أنه ﷺ كان يضع رأسه في حجرها، ومعنى حجري: حضني وهو ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف.
فإذا نجحت في أن تثبت عواطفك في كل أحوالك وأحوالها، فأنت الآن جدير بأن تتابع معنا ما يجعلك ترتقي عمليا أكثر في هذا الفن الرقيق، وتفتح صفحات ملف اللمسة السادسة: امتلكا فن التعبير عن المشاعر، واعتبراها دعوة خاصة رقيقة لتصنعا حكايتكما معا.. ولتعيشا حلمكما معا.. وهو عبارة عن فيلم خاص جدا، ودائم بعونه تعالى، في “فن التعبير عن المشاعر”، وستصنعاه معا، فأنت البطل وزوجتك هي البطلة، وسمه ما شئت من العناوين الرومانسية التي تذكرك بعهدك الحالم، وتخيل أنك دخلت بيتك الحبيب، ثم وجدت زوجتك في انتظارك، كعادتها الطيبة المخلصة، ثم فاجأتها بمفاجأة رقيقة، ولو رسالة بسيطة تذكرها بتاريخ معين، أو ذكرى معينة، تكون قد نستها، أو عبرت لها بكلمات بسيطة رقيقة عما بداخلك.
لقد كنت كريما من قبل في الماضي، في الأيام الخوالي، وكنت ماهرا في نشر عبير هذه الكلمات الرقيقة الدافئة، ولكن، ما الذي ألمَّ بكما؟! لِمَ هذا البخل التعبيري؟! ولِمَ هذا الشُح المشاعري؟! ولِمَ هذا التقتير العاطفي؟! ثم لِمَ هذا التضييق في اللمسات الرقيقة الدافئة؟
هل هي الحياة والمعيشة والأبناء والسنوات، وقد طغت بروتينها على مشاعركما، فبدلت المشاعر الدافئة إلى حالة احترام بارد، وسكون تعبيري، وبُكم مشاعري، وصمم عاطفي؟! فَلِمَ لا تستشعر سحر تعبيراتك الودية الحميمة، وآثارها على مشاعرها؟! لِمَ لا تتخيل كيف يفعل الرابط الذهني بداخلها بسرعة، فيذكرها من خلال هذه المشاعر الدافئة بأيام جميلة حبيبة ومواقف رقيقة كالنسيم؟! فحتى متى تحرمان أنفسكما من هذه اللحظات الإنسانية الرائعة؟!
سلسلة الأوائل
أرجوك، قم الآن وافعلها.. ولا تنتظر.. ولا تسوِّف.. فأنت -قبلها- في حاجة إلى هذه اللحظات الدافئة الرقيقة، وإليك هذه الباقة التي تفتح ملفات التعبيرات الرقيقة الأخرى، واعتبرها من الخطوط العريضة لسيناريو فيلمكما أو حكايتكما، مثل:
1- المكالمات الهاتفية.
2- تخصيص رنة رقيقة للمحمول.
4- مداعبة وممازحة رقيقة.
5- الهدية البسيطة، ولو وردة.
6- جلسة ودية وحدكما.
7- عشاء في مكان شاعري وحدكما
8 – نزهة وحدكما.
9- طالعا معا رسالة من رسائل أيام التعارف الأولى.
10- تصفحا معا بعض صور ألبوم أيامكما الحبيبة الأولى.
11- جددا الذكريات، وذلك بأن تزورا معا نفس أماكن لحظاتكما السعيدة الأولى قبل الإنجاب.
12- حديث الذكريات، ومن خلاله تذكرا معا “سلسلة الأوائل”، أول زيارة قمت بها لبيتها، أول سلام بينكما، أول هدية، أول غرفة اخترتماها، أول رسالة، أول مكالمة، وأول…، هيا أيها الأستاذ العلامة قم وابتدع وتذكر ونوِّع وجدد.
د. حمدي رحيم شعيب