اقرأ أيضا:
وأقرت السنة النبوية أيضا مبدأ الرقابة على المال العام، ومارسها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه، ومن ذلك أنه استعمل رجلا من الأزد على صدقات بني سليم يدعى ابن اللتبية، فلما جاء حاسبه فقال: هذا ما لكم وهذا ما أهدي إلي، فقال له النبي “أفلا قعدت في بيت أبيك وأمك، فنظرت أيُهدى لك أم لا؟”، وورد في صحيح مسلم أن رسول الله قال: “من استعملناه منكم على عمل، فكتمنا مخيطا فما فوقه كان غلولًا يأتي به يوم القيامة”، وفي الحديث تغليظ في تحريم الغلول مهما كان مقداره[1].
سار الخلفاء الراشدون على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في محاسبة العمال ومراقبة الأموال التي تفد إلى المدينة من الأمصار المفتوحة، ومنذ عهد عمر بن الخطاب ازدهرت ميزانية الدولة بسبب الغنائم والفيء والخراج والعشور، فاضطر عمر إلى انتهاج سياسة مالية جديدة، ذلك لأنه لم يكن للأموال المقبوضة والمقسومة على عهد الرسول وخليفته أبو بكر ديوان وإنما كانت الأموال توزع شيئا فشيئا، فلما آل الأمر إلى عمر أسس الدواوين لأجل ضبط ميزانية الدولة التي كثرت إيراداتها، وبيان كيفية إنفاقها وتحصيلها، وإحكام الرقابة على الإنفاق العام.
ويبين ابن خلدون أن إنشاء الدواوين يحدث في الدول “عند تمكن الغلب والاستيلاء والنظر في أعطاف الملك وفنون التمهيد”، أما أبو يعلى الفراء في كتابه (الأحكام السلطانية) فيبين أن الدواوين وضعت لأجل “حفظ ما يتعلق بحقوق السلطنة، من الأعمال والأموال، ومن يقوم بها من الجيوش والعمال “وهي على أربعة أقسام أحدها: ما يختص بالجيش من إثبات وعطاء. والثاني: ما يختص بالأعمال من رسوم وحقوق. والثالث: ما يختص بالعمال من تقليد وعزل. والرابع: ما يختص ببيت المال من دخل وخرج”[2].
وقد تطورت الدواوين تطورا كبيرا منذ عهد الدولة الأموية وازداد عددها واتسع دورها، ويمكن أن نذكر من بينها الدواوين المتصلة بالمال العام مثل: ديوان الخراج، وديوان المستغلات أو الواردات، وديوان الخاتم الذي استحدثه معاوية بن أبي سفيان لأجل ختم رسائل الخليفة وتوقيعها وضمان عدم تحريفها، واستمر التطور في عهد الدولة العباسية إذ أنشأ العباسيون عددا من الدواوين المتخصصة ومن بينها: ديوان الخراج، وديوان الزمام أو الأزِمة، وديوان زمام النفقات، وديوان العطاء ومهمته صرف رواتب الجند، وغيرها من الدواوين التي استخدمت أحدث أساليب الإدارة في عصرها واستطاعت تنظيم الإيرادات وضبطها، وكان من بينها دواوين ووظائف وضعت خصيصا للرقابة على كيفية إنفاق المال العام من مثل:
وفي الأخير يمكن القول إن فكرة الرقابة المالية كانت معروفة في العصور الإسلامية، وقد أنشأ المسلمون جهاز رقابي شامل مكون من عدد من الدواوين لأجل تطبيقها، وقد أفلحت هذه الدواوين في المحافظة على موارد الدولة ونظامها الاقتصادي.
[1] عبد العزيز عزة، الدواوين التنفيذية في الدولة الإسلامية أداة فاعلة للرقابة المالية في النظام المالي الإسلامي، عنابة: مجلة التواصل في الإدارة والاقتصاد والقانون، ع51، 2017، 69-70.
[2] أبو يعلى بن الفراء، كتاب الأحكام السلطانية، بيروت: دار الكتب العلمية، 2000، ص 236، 240.
[3] قدامة بن جعفر بن قدامة، الخراج وصناعة الكتابة، بغداد: دار الرشيد للنشر، 1981، ص 36.
[4] ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، بيروت: دار الفكر، 1981، ص 305.
[5] ابن قدامة، المرجع السابق، ص 33.
[6] ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، القاهرة: وزارة الثقافة والإرشاد القومي، 42/2.
[7] نايف محمد شبيب المتيوتي، إجراءات الدولة الإسلامية في معالجة الأزمات المالية في العصر العباسي، المجلة الدولية للآداب والعلوم الإنسانية، 2019، ص 70-17.
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين