رفع الإسلام من قيمة العلم وحث عليه في آيات ونصوص قطعية، فأول آية من القرآن لا تأمر بالصلاة أو الزكاة أو الأمر بالمعروف وإنما تدعو إلى القراءة، وعبر تاريخهم أدرك المسلمون حقيقة أن العلم يستبق العمل، وعلى هذا نفر من كل قطر طائفة من العلماء وهؤلاء كانوا عماد كتب التراجم والطبقات ومادتها الأولية، والعلماء المقدسيون هم ممن برز في مدينة القدس، وفيما يلي تعريف بطائفة منهم، ونفتتح أولا بعلماء الشريعة ثم نتبعهم بالفنون والآداب الأخرى.

علوم الشريعة

  • علوم القرآن: اهتم المقدسيون اهتماما زائدا بتفسير القرآن الكريم والقراءات القرآنية وقد برز من بينهم محمد بن سليمان بن الحسن بن الحسين البلخي الأصل المعروف بابن النقيب ولد سنة 611 هـ وتوفى سنة 698 هـ صاحب (التحرير والتحبير لأقوال أئمة التفسير في معاني كلام السميع البصير) وهو مصنف ضخم يقع في تسع وتسعين مجلدا ويعد من أضخم كتب التفاسير التي وصلتنا، وقد حققت بضع أجزاء منه ونشرت وبعضها الآخر لم يزل مخطوطا، وبرز أيضا أبو القاسم شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي المؤرخ المعروف بأبي شامة (المتوفى : ٦٦٥هــ) والذي كتب ( المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز) وهو يتناول كيفية نزول القرآن وحفظه وجمعه وتعريف بالقراءات والعلوم القرآنية، وهو مطبوع، وبرز كذلك أحمد بن محمد بن عماد بن على المقدسي المعروف بابن الهائم شهاب الدين أبو العباس الشافعي الفرضى، ولد سنة 756 هـ وتوفي سنة 815 هـ وله تصانيف عدة في فنون مختلفة من بينها (التبيان في تفسير غريب القرآن) وهو مطبوع، وأما القراءات فبرز فيها محمد بن سليمان الحِكري المقري المتوفى 781 هـ، الذي صنف (النجوم الزاهرة في السبعة المتواترة) الذي حقق وطبع.
  • علومالحديث: عني المقدسيون بالحديث الشريف وبرز من بينهم عدد من المحدثين لعل أهمهم الحافظ أبو الفضل المقدسي المعروف بابن القيسراني الذي رحل في طلب الحديث وسمع في الحجاز ومصر والشام، ولد عام 488 هـ وتوفي عام 507 هـ ومن تصانيفه: (أطراف الغرائب والأفراد من حديث رسول الله للإمام الدار قطني)، (كتاب السماع)، (مسألة العلو والنزول في الحديث)، تذكرة الحفاظ (أطراف أحاديث كتاب المجروحين لابن حبان)، وهناك أيضا الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الجماعيلي المتوفى 600هــ، من مصنفاته (عمدة الأحكام من كلام خير الأنام) و(الكمال في أسماء الرجال) وهو أول مصنف في رجال الكتب الستة وأصل «تهذيب الكمال» للمزي، و(المصباح في عيون الصحاح) وغيرها كثير، وممن اهتم بالحديث محمد بن أبي إسحاق برهان الدين إبراهيم المقدسي الشافعي المتوفى سنة 900 هـ ومن مصنفاته (نظم نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر لابن حجر) في أصول الحديث، ومنهم فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي المقدسية الصالحية عالمة بالحديث توفيت 803 هــ، أصلها من بيت المقدس، اشتهرت في صالحية دمشق، وتوفيت بها، حدثت بالكثير، وأجاز لها علماء من دمشق ومصر وحلب وحماة وحمص وغيرها. 
  • الفقهوالأصول: ومن الفقهاء المقدسيين نذكر ابن قدامة المقدسي المتوفى 620هــ، وهو من كبار الفقهاء الحنابلة وله تصانيف من أهمها: (المغني) وهو واحد من عمد المذهب الحنبلي، و(المقنع في فقه الإمام أحمد)، ومنهم البدر بن جماعة المتوفى عام 733 هــ، وهو قاضي ولد بحماة وولي الحكم والخطابة بالقدس وله: (المنهل الروي في الحديث النبوي) و(تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم)، و(كشف المعاني في المتشابه من المثاني) و(قضاة دمشق)، ومنهم  شمس الدين بن محمد بن مفلح المقدسي المعروف بابن مفلح المتوفى 763 هـ وهو من تلامذة ابن تيمية والمزي والذهبي، ولد ونشأ في بيت المقدس ثم انتقل إلى دمشق، من تصانيفه: كتاب (الفروع) في الفقه الحنبلي، و(شرح مختصر ابن الحاجب) و(الآداب الشرعية الكبرى)، و(أصول الفقه) في أربعة مجلدات، ومنهم محمد بن جمال الدين عبد الله بن سعد بن عبد الله بن مصلح المعروف بابن الديري المقدسي المتوفى بالقدس سنة 827 هـ، من تصانيفه (المسائل الشريفة في أدلة الإمام أبي حنيفة) طبع في أربع مجلدات. 

اللغة والتاريخ والجغرافيا

  • علومالعربية: كان للمقدسيين ولع بعلوم العربية وآدابها حيث نشأ بها عدد من العلماء المبرزين في اللغويات، مثل عبد الله بن بري بن عبد الجبار المعروف بابن بري، المقدسي الأصل المتوفى عام 580هـ المصري النشأة، وهو من علماء العربية النابهين، ومن مصنفاته (الحواشي على درة الغواص ) وهو مطبوع، و(التعريب والمعرب) المعروف بحاشية ابن بري، و(حواش على صحاح الجوهري) وهو مخطوط، ومثل: أحمد بن محمد بن عبد الولي بن جبارة المقدسي، المعروف بابن جبارة توفي 728 هـ، كان حنبلي المذهب حج وجاور بمكة وانتهت إليه مشيخة بيت المقدس،  من تصانيفه (شرح الشاطبية) و(شرح العقيلة) و(شرح ألفية بن عبد المعطي).
  • التاريخ: ومن أشهر من أنجبت المدينة المقدسة المؤرخ عبد الرحمٰن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عُثمان المقدسي المعروف بأبي شامة، وله عدد من المصنفات الفقهية والحديثية إلا أن شهرته جاءت من كتاب (الروضتين في أخبار الدولتين الصلاحية والنورية) ويعني بهما صلاح الدين الأيوبي وعمه نور الدين زنكي وكتاب (ذيل الروضتين)، وله أيضا كتاب (مختصر تاريخ ابن عساكر)، وكتابان عن تاريخ دمشق. والمؤرخ مجير الدين العليمي المتوفى سنة 927 هـ، ومن تصانيفه (أنس الجليل بتاريخ القدس والجليل) وهو مطبوع بمصر في أوائل القرن الماضي في مجلدين، و(التاريخ المعتبر في أنباء من غبر) وهو وهو كتاب جامع لتاريخ الأنبياء وتاريخ الإسلام وتراجم أئمته العظام إلى مبتدأ القرن العاشر الهجري، ومن مؤرخي المدينة المبرزين محمد مطهر بن طاهر المقدسي المتوفى بعد عام 966 هـ، وقد دلت تحقيقات المستشرق بروكلمان أنه صاحب كتاب (البدء والتاريخ) المنسوب إلى أبي زيد البلخي، وهو كتاب جامع في التاريخ يقع في ست مجلدات ترجمت وحققت إلى بضع لغات أوروبية.
  • الجغرافيا: أنجبت المدينة المقدسة واحدا من أشهر جغرافي الإسلام على الإطلاق وهو الرحالة المعروف شمس الدين المقدسي صاحب كتاب (أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم) أحد أهم الموسوعات الجغرافية الإسلامية في القرن الرابع الهجري، وقد طبع في ليدن ضمن المكتبة الجغرافية الإسلامية، طبعه العلامة دى جويه، ثم طبع عدة طبعات أخرى وترجم إلى عدد من اللغات الأوروبية. 

العلوم الطبيعية والتطبيقية

  • الفلك: لم تقتصر عناية المقدسيين على العلوم الشرعية واللغوية والأدبية وإنما كان لهم سهم في العلوم الطبيعية ومن هؤلاء عبد الله بن أحمد بن يحيى المقدسي وهو فقيه وفلكي من أهل بيت المقدس عاش في القرن الثالث عشر، ومن مصنفاته رسالة بعنوان (تحفة الألباب في بيان حكم الأذناب) أي النجوم ذات الذنب، وفيها أسماء بعض الكواكب وصورها وقد فرغ منها سنة ١٢٧٧هــ.
  • الطب: برز من بين المقدسيين عدد من نوابغ الأطباء ومن أبرزهم محمد ابن أحمد التميمي المقدسي، وهو طبيب من أهل القرن الرابع، له عدد من المصنفات ومنها: (مادة البقاء لإصلاح فساد الهواء والتحرز من ضرر الأوباء) كتبه عام 370 هجريًا الموافق 980 هـ للوزير يعقوب بن كلس في مصر، ويعد أول كتاب عربي عن البيئة والطب الوقائي، وقد قام معهد المخطوطات العربية بالقاهرة بطبع الكتاب ونشره، وله أيضا(رسالة في صنعة الترياق)، وكتاب (طيب العروس وريحان النفوس في صناعة العطور) وهو دراسة موسعة الصناعات الكيميائية وكيفية استخلاص العطور من النباتات.
  • الرياضيات: ومن أشهر الرياضيين المسلمين أحمد بن محمد بن عماد الدين بن علي المعروف بابن الهائم المقدسي المتوفى ٨١٥هــ ، وهو مصري المولد ثم انتقل للقدس وأقام بها واشتغل بالتدريس في المسجد، وجاء تضلعه في الرياضيات انطلاقا من علوم الشريعة وخصوصا علم المواريث، واستطاع أن يطور طرقا لم يسبقه إليها أحد لعمليات ضرب الأعداد بعضها ببعض وضمنها كتابه (اللمع في الحساب) ومن مصنفاته الرياضية: (المعونة في الحساب الهوائي)، (الحاوي في الحساب)، (المقنع في الجبر والمقابلة)، (شرح الأرجوزة الياسمينية في الجبر والمقابلة) و(نزهة النفوس في بيان حكم التعامل بالفلوس).

خلاصة ما سبق؛ إن المدينة المقدسة أسهمت بنصيب وافر في الحراك العلمي الذي شهدته الحضارة الإسلامية؛ حيث قدمت عبر التاريخ علماء برعوا في مختلف الفنون والعلوم وكانت لهم آثارهم الفكرية الخالدة التي ظلت الأيدي تتداولها حتى اليوم.