اقرأ أيضا:
إن عقلانية الانفصال والاختزال للعالم والإنسان، ليْسَتْ مُنْحَصرة في دائرة المعرفة العلمية فقط، وإنّما تتحكم في أفكار أكثر الناس في الواقع، وبيان ذلك، أن العقلية الأُحادية ذات المفهوم الظّلامي الواحد، في مجال التَّواصل الإنساني، لا ترى في خطأ بعض من النّاس، إلاَّ إنسانا مُذنبا وإلى الأبد، ولا تُدْرُك الأبعاد المرُكّبة في الإنسان، مثل القدرة على المحبة، والقدرة على تجديد العلاقة إيجابيا، والقدرة على التوبة والنّدم، والقدرة على التّسامح. وتسري الظاهرة نفسها في أساليبنا التربوية، فلا نتعامل مع الطفل إلاّ بعقلية أُحادية الجانب، مَلْمَحُها الجوهري، هو ثقافة الأمر والعَسَف والقهر وأسلوب التَّدريب على الانضباط، بينما التَّواصل التَّربوي السَّليم، لا يقوم إلاّ على العناصر المركّبة مثل: الحُبُّ والشَّجاعة و القدوة، والملاطفة، ومنه فالعقل الذي يجهل العاطفة والوجدان هو عقل لا عقلاني أصلا، والأمر سيّان، عندما يتصل الحال بتشخيص طبيعة المشكلات الإجتماعية، فالعقل الإختزالي ينجذب آليا، نحو المفهوم الواحد الذي يريد أن يفسّر كل شيء، مثل الإختزال في الأسباب الإقتصادية، أو السياسية، أو الاجتماعية، أو الأخلاقية، في حين أن المنظور الأصوب، يرى بشمولية الأزمة وتركيبها، و بالتالي فحلول المشكلات الاجتماعية من طبيعة مركبة، وتتعاون في رسم الحلول لها، كافة الأنساق الاجتماعية، ولا فضل لنسق اجتماعي على أخر، إلاَّ بالتركيب والتَّكامل.
إن العقل الإنساني ميَّال بطبيعته، إلى الاختزال و تبنّي الظلامية المتوارية في المفاهيم التي تتوهّم أنّها توضّح كل شيء، في العلوم كما في الفكر، وفي السلوك الفردي كما في الاجتماعي، بينما الأصوب لهذا العقل أن يعي حدود هذا الميل إلى الاختزال، وذلك بوعي الطَّابع المركب للحياة و الإنسان، واعتبار القوة الأخلاقية أداة محورية في الكشف عن ثراء الحياة العاطفية والوجدانية للإنسان.
إذن، فالمفهوم الواحد، الذي يوضّح كلّ شيء، هو ظلامي في طبيعته، لأنَّه يجنح إلى الاختزال، ويأبى التركيب، وينحاز للفصل على حساب التّكامل، والأزمات العلمية-العملية في مجرى الحياة الإنسانية اليوم، إلا شاهدا على أهمية أن ينفتح الإنسان على العقلانية المركّبة، التي تتحاور وتحاور العاطفة والوجدان و الضّمير والإنسان من أجل إحسان الفهم، وإحسان الحياة.
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين