اقرأ أيضا:
وكان رغم غناه يشبه الصحابة في كل شيء، حتى قال عنه سفيان بن عيينة: كان مثل الصحابة في كل شيء، لا يفضلون عليه إلا في أنهم صحبوا الرسول صلى الله عليه وسلم.
بل كان أصحابه يرون أن الله جمع فيه كل خصال الخير، وكان كريم اليد، حتى إنه خرج مع أصحابه في سفر إلا مصر، فكان يطعمهم أشهى الأكلات والحلويات، وهو يصوم الدهر .
وكان هذا الفقيه المليونير يرى من فقهه أن إطعام الفقراء والمساكين والسعي على الأرامل أفضل من حج النافلة، فقد خرج في أحد الأعوام للحج، فمر ببعض البلاد أثناء حجه قبل وصوله مكة، فمات طائر معهم، فأمر بإلقائه على مزبلة، وسار أصحابه أمامه وتخلف هو وراءهم، فلما مر بالمزبلة، رأى جارية خرجت من بيت قريب من المزبلة، فأخذت الطائر الميت، فناداها وسألها عن سبب أخذها الطائر الميت، ويذكرها بأن أكل الميتة حرام شرعا، ومازال يلح عليها في السؤال حتى أخبرته أنها تعيش مع أختها وحدهما، ولا يملكان من متاع الدنيا إلا الثياب، وأن مثلها يجوز لها أكل الميتة، وكان أبوها له مال عظيم، فظلم وأخذ ماله، وقتل. فطلب ممن كان يعمل معه ممن صحبه في الحج، وقال له: كم معك من النفقة؟ قال ألف دينار (69062.5) دينار كويتي، ما يعادل (207187.5) دولار أمريكي، فقال يكفينا منها 20 دينار نرجع بها إلى مرو، وأعطاها الباقي، وقال: فهذا أفضل من حجنا في هذا العام. ثم رجع إلى وطنه. حتى قيل في بعض الروايات: إن الملائكة حجت عنه، وقد رآه الناس في الحج، وإن يثبت ذلك.
وكان من عادته في الحج أن يسأل أصحابه من ينوي منهم الحج؟ فيأخذ منهم نفقتهم في الحج، ويكتب على كل صرة اسم صاحبها، ويضعها في صندوق.
ثم يخرج بهم ويكون أميرا عليهم في الحج، فينفق عليهم من ماله بسخاء، ويعطيهم دواب يركبونها، فإذا انتهوا من مناسك الحج، يشتري لهم هدايا لأهلهم من مكة، ثم إذا زاروا المدينة لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم، يشتري لهم هدايا لأهلهم من المدينة، فإذا بدؤوا الرجوع، أرسل في الطريق إلى من يصلح بيوتهم وبيض أبوابها ويرممها، فإذا عادوا إلى أوطانهم صنع لهم وليمة بعد رجوعهم، فأطعمهم وكساهم ثيابا جديدة، ثم يأتي بالصندوق الذي كان قد وضع فيه نفقتهم، فيعطي كل واحد منهم صرة المال التي عليها اسمه، فيدعون له بالخير والقبول.
وكان من عادته أن سفرة الطعام الخاصة به تعمل على ناقة من عظم ما فيها من الأطعمة كاللحوم والدجاج والحلوى وسائر الطعام، فيطعمها الفقراء والمساكين، وهو صائم لله في الحر الشديد.
وكان من فقه الصدقة عنده، أن يتصدق على الناس حسب أحوالهم، فقد جاء سائل يوما فأعطاه درهما، فقال له أصحابه: إن هذا الرجل في أهله غالب طعامهم اللحم والحلوى، ويكفيه قطعة من الطعام. فقال: والله ما ظننت أنه يأكل إلا البقل والخبز، لكن مادام يأكل الشواء والحلوى، فلابد أن أعطيه عشرة دراهم، ثم قال لغلامه: ناده مرة أخرى، فأعطه عشرة دراهم.
إن من أهم الدروس في حياة ابن المبارك عدة أمور، أهمها:
رحم الله ابن المبارك، فقد كان فقيها في عطائه، كما كان فقيها في الدين.
المراجع:
البداية والنهاية لابن كثير (13/ 611-612)
تاريخ دمشق لابن عساكر (32/ 438)
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين