اقرأ أيضا:
ومع ذلك يعرف المختصون في مجالات الثقافة والفنون تعبير “الفن الإسلامي” بأنه “كل ما يطبق على الإنتاج الفني الذي وقع منذ هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم عام 622 ميلادي، وحتى القرن التاسع عشر في منطقة تمتد من إسبانيا إلى الهند. وهو عبارة عن مجموعة من المبادئ الفكرية المستنبطة في غالبها من العقيدة الإسلامية ومن مبادئ العبادة وصورها، وتظهر انعكاسات العقيدة وما يتعلق بها من أحكام وأفكار على سلوك الفنان المسلم ونتاجه، وهو ما يعطيه خصوصيته مقارنة بالفنون الأخرى.
وقد أدى التنوع الكبير في الفن الإسلامي طبقا للبلاد والحِقب إلى قول “فنون إسلامية” وليس “فن إسلامي”، وبالنسبة لأوليغ غرابار، تعريف آخر وهو “سلسلة من المواقف إزاء نفس عملية الإبداع الفني”.
وقد مر تاريخ الفن الإسلامي بكثير من المراحل التاريخية، منذ القرن السابع إلى القرن التاسع الميلادي، وقد تطور هذا الفنّ خاصة في فترة الحكم الأموي، وذلك بسبب إدخال مفاهيم جديدة، وقد كان واضحا في بناء مسجد قبّة الصخرة بمدينة القدس، والذي يُعدّ من أهمّ المباني في الفنّ الإسلامي.
ثم تجلى الفن الإسلامي في العصر العباسي في بناء العواصم، خاصة في بناء المدينة على شكل دائري، وبناء المسجد في وسطها، وصنع الأثاث من الجص الذي ساهم في نقش الزخارف وغيرها.
كما تمثل من القرن التاسع إلى القرن الخامس عشر في المغرب العربي وإسبانيا بالفن المعماري الخاص بهما بأشكال الأقواس النصف دائرية والمستوحاة من النماذج القوطيّة والرومانيّة، وقد ظهر ذلك في بناء الجامع الكبير بمدينة قرطبة، ومسجد باب الردوم، ومدينة الزهراء، وقصر الحمراء، كما استعملوا العاج في صنع الصناديق، وعلب المجوهرات المنقوشة، كما صنعت التماثيل الثلاثيّة الأبعاد، وصنعت الأقمشة الحريريّة كما يُعتبر منبر مسجد الكتبية مثالا على ذلك، وامتلكت البلاد ثقافة واسعة، مثل الجامعات الكبرى التي قامت بتعليم الفلسفة والعلوم المتنوعة.
ونجد فنّ العمارة الإسلاميّة بالمغرب واضحا في بناء المساجد، ولكن تم تدمير عدد كبير من الآثار والتحف الإسلامية بسبب ما مرّ به المغرب من حروب ودمار للفنّ الإسلامي؛ أما في سوريا ومصر فكانت الدولتان تحت حُكم السلالة الفاطميّة التي أعطت في هذا العصر أهميّة كبيرة لفنّ العمارة.
أما عن الفنّ الإسلامي في آسيا الصغرى وإيران فكان أكثر حضورا، لأن كل دولة تُحاول أن تُثبت نفسها بفنها، فقد تم إنشاء مُدن كُبرى مثل غزنة، ونيسابور، والجامع الكبير في مدينة أصفهان، كما شهدت العمارة الجنائزيّة تطوّرا كبيرا، وصنع الكثير من القطع الفنيّة المزخرفة والمزينة.
كما ظهر الفنّ الإسلامي خاصة في القبب الذهبيّة وقد تأثر بالصين، وقد كانت حرفة صناعة المصوغ المستوحاة من الحضارة الصينيّة متطوّرة كثيرا، وهناك أيضا الفنّ الإسلامي في الأناضول؛ وهو الذي كان ذا هندسة معماريّة مستوحاة من الأنماط الإيرانيّة، وكان نصيب الخشب أكثر في فنهم، ومثال على فنهم المعماري مسجد تبريز الأزرق والقباب، واستعمال الخزف. كما نجد أيضا من القرن الخامس عشر إلى القرن التاسع عشر فن الإمبراطورية العثمانية.
وهناك أيضا المغول حيث كانت آثار الفن الإسلامي واضحة في تاج محل الذي يُعد أهم آثار هذا العصر، كما كان لفنّ صناعة المصوغ، والحجارة الكريمة دور بارز وكبير في هذا العصر، كما ظهر النحت على العاج.
من أنواع الفنون الإسلامية:
يرى البعض أن أجمل ما في الحضارة الإسلامية هو (فنونها) التي تعد همزة الوصل بين مختلف الشعوب وأنواع الثقافات، والتي تتحدى كل أشكال العنصرية والتعصب.
وأهمية الفن الإسلامي ترجع إلى الرمزية التي يتسم بها، كونه تأثر بأنواع من فنون حضارات سابقة وأثّر على فنونٍ لاحقة، فكان يعد جسراً بين الثقافات والشعوب على مر الزمان، حيث كانت بداية نشأته معتمدة على التراث الحضاري للأمم القديمة التي شملها الإسلام كالحضارة الرافدية والفارسية والمصرية والبيزنطية والهندية والصينية، وكثير من المؤرخين الأجانب يؤكد بأنه يصعب القول في أن هناك بالفن الإسلامي اتجاهاً عربياً أو فارسياً أو تركياً أو هندياً، وإنما يوجد هناك هوية عامة وفن وطراز عام تدخل ضمنه مدارس كثيرة لها خصوصية محلية أخذتها من تقاليدها وعاداتها الموروثة كمدرسة بغداد (السلجوقية) والصفوية والتركية والهندية والمغولية والأندلسية وغيرها.. فالعلاقات تتشابه في العمارة والهندسة والزخرفة بين مسجد بلاد الشام وآخر في بغداد، هذه العلاقات المتشابهة تؤكد مفهوماً واحداً وهو وحدة الفن الإسلامي رغم تباعد المكان والزمان.
فقد أراد الفنان المسلم أن يحاكي الطبيعة بروحها وجوهرها وليس بأشكالها المتغيرة، فجعل مقياس الأشياء روحياً وجدانياً، كما حاول تجريد الأشياء المادية وتجزئتها وإحالتها إلى عناصرها الأولية ثم أعاد بناءها من جديد وفق نظرة فلسفية جمالية نتيجة لهذا الحس الأخلاقي والديني، ولهذا فقد عاشت الشعوب العربية والإسلامية في ظل فنون واحدة تغزو كل حياتهم، وكان الجمال متغلغلاً في كل شيء، في مطرقة الباب، الأبواب والنوافذ والمشربيات، حتى أصبحت شوارع المدن الإسلامية قطع فنية أذهلت المستشرقين والفنانين الغربيين فنقلوا للعالم هذا الجمال الذي يسمو بالنفس الإنسانية على سطح لوحاتهم الفنية.
ورغم مرور أكثر من أربعة عشر قرناً على نشأة الفن الإسلامي إلا أنه لم يتغير مع تغير العصور والأنظمة، فقد ذهب الخلفاء والحكام وبادت الحضارات وسلاطينها ولكن الفن الإسلامي بقى حياً لم يختف وما زالت آثاره تزين المساجد والمصاحف والسجاجيد والأواني وغيرها، إن سر هذه الديمومة هو أن الفن الإسلامي يتجاوز كل الأفكار الوضعية والأشكال الظاهرية، كما أنه لم ينحز إلى حزب أو قوم أو عصبة، فهو فن ينطلق من مبادئ روحانية ثابتة ومرتبطة بضروريات الحياة الإنسانية.
انفرد الفن الإسلامي من بين فنون العالم بالخط العربي الزخرفي الذي استخدم على أوسع نطاق وفي جميع المنتجات الفنية والمعمارية، فقد حل الخط العربي بجماليته ومعانيه الروحية محل الصور التي كانت في الكنائس فأدرك الفنانون المسلمون الأوائل أهمية هذا الخط فجعلوا منه عنصراً تشكيلياً طيعاً في الزخرفة وأبدعوا بالتشكيل به، وكان القرآن الكريم هو العنصر الأساسي الذي اهتم به الخطاطون حيث زخرفوا عناوين السور بالذهب ووضعوها داخل إطارات مزخرفة بأنواع الزخارف الخطية والنباتية والهندسية، ويتميز الخط العربي عن خطوط بقية اللغات بحضور جمالي متكامل، فهو مثير للدهشة ويجذب الكثير من محبي الفنون الجميلة في العالم حيث يعتبر هو أهم المجالات الفنية التي تعكس تطور الفكر الإنساني واندماج الإرث بالحداثة، ويتمتع بتناسق ومرونة مكّنته من التشكل الهندسي بين المد والاستدارة والتداخل والتركيب حيث يختلف تنفيذه باختلاف الخامات. ولهذا عُومل هذا الخط كعمل فني قائم بذاته له خصائصه ومزاياه التشكيلية والتعبيرية التي شهدت بدورها تطوراً كبيراً، خلال مراحل تطور هذه الحضارة الإسلامية وما زال حتى هذا اليوم موضع اهتمام وبحث وتجريب.
فظهرت أنواع مختلفة من فن الحروفيات وهي كالتالي:
في العصر الحديث اهتمت الدول الإسلامية وحتى غير الإسلامية بالفن الإسلامي من خلال مقترحات ومنشآت قائمة بذاتها للحفاظ على هذا الفن، حيث سعت إلى :
ولتبيان مدى أهمية الفن الإسلامي على مر العصور، عام 2018 أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “يونسكو” أن 18 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، سيكون يوما عالميا للفن الإسلامي الرائع الذي وصفته المديرة العامة للمنظمة أودري أوزولاي بأنه تشكل عبر 14 قرنًا من الزمن، ولا ينفك يتجدد ويؤثر في شتى ثقافات العالم بأسره. وقالت أن هذه الخطوة تهدف إلى خلق الوعي بشأن الجانب الفني والحضاري للإسلام، وإسهام الثقافة في الحضارة.
وأضافت أوزولاي أن “ثراء الفن الإسلامي أيضا في تنوعه سواء من حيث التقنيات والأشكال أو الزمان والمكان، وهو يأخذ المهتمين به في رحلة استكشاف لتاريخ مفعم بالمبادلات والاتصالات، والتأثير والتأثر، على الدروب الممتدة من أوروبا إلى أفريقيا ومن حوض البحر الأبيض المتوسط إلى المحيط الهندي”، وشددت على ضرورة التعرّف عن قرب على تاريخ الفن الإسلامي. هذا الفن الذي يستمد إلهامه من روحانيته الخصبة، والذي يعبر عن نهج مميز لرؤية العالم والإحساس به وفهمه.
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين