استعمل الله في القرآن كلمات مختلفة لمعنى واحد، مثل كلمة الخوف والخشية، فلماذا استخدم الله كلمات مختلفة لمعنى واحد في القرآن؟

إذا تأملنا الآيات وسياقها الذي ذكر فيها الكلمات المختلفة بمعنى الواحد ينكشف لنا سر من أسرار القرآن، فقد استخدم الله كل كلمة بمعنى خاص كل يتميز عن غيره. ولذا أمر الله تعالى بالتدبر في كلّ الآيات بداية من حروفها وكلماتها إلى مناسباتها. قال الله سبحانه تعالى في القرآن:-  ( أَفَلا يَتَدَبَّرونَ القُرآنَ) [النساء: 82] لأن من يتدبر يستنتج ما قال الله سبحانه تعالى في سورة آل عمران أنها ﴿‌لَآيَاتٍ ‌لِأُولِي ‌الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران: 190]. لذا إذا نتدبر عن أي الشيء سواء كان عن الكلمة أو الآية إلخ.. من المؤكد أنه سينفتح أمامنا آفاق متنوعة تأسر القلوب من إعجازها و عظمتها .

أكثر الألفاظ في القرآن له معنى في الظاهر ولكن  المقصود قد يختلف عن ظاهره. ومن أمثالها، كلمة الخوف والخشية. أنّ الخوف والخشية لفظان متقاربان في المعنى عموما لا ترادف بينهما. هاتان كلمتان بمعنى واحد في الظاهر ولكن يستخدم الله هاتين الكلمتين في القرآن في محلّ أو بمعنى مختلف.

فيستخدم كلمةَ  “الخوف” لإشارة الخوف على عذاب من الله، والخوف من يوم القيامة إلخ. ولكن يستخدم كلمة  “الخشية” للإشارة عن الخشية من الله سبحانه تعالى.

  الخوف هو إجهاد القلب بانتظار ما هو مكروه. قال العلّامة ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين: “الخوف: هو اضطراب القلب وحركته من تذكر المخوف، والخشية: خوف مقرون بمعرفة، ولذلك وصف الله تعالى العلماء بالخشية، فقال: ﴿‌إِنَّمَا ‌يَخْشَى ‌اللَّهَ ‌مِنْ ‌عِبَادِهِ ‌الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ [فاطر: 28]، وذلك لأنهم إذا خافوا ربهم سكنوا إليه، فكان الخوف هروبًا من المخوف، والخشية السكون بعده”.

أحيانا نجد في القرآن لفظَ (الحزن) مقترنا  بلفظِ (الخوف). وبمثال {إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَالَّذينَ هادوا وَالنَّصارى وَالصّابِئينَ مَن آمَنَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَعَمِلَ صالِحًا فَلَهُم أَجرُهُم عِندَ رَبِّهِم وَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ} [البقرة: ٦٢].

ولماذا قدّم الخوف على الحزن؟ لأنّ الخوف يكون من المستقبل بينما الحزن يكون على شيء مضى أو يعيشه في نفس اللحظة، والمستقبل مجهول بينما الماضي معلوم والإنسان يهتم بمعرفة المستقبل أكثر من الماضي لذلك جاء ذكر الخوف أولاً ليطمئن المؤمن على مستقبله، ثم جاء ذكر الحزن ليطمئن المؤمن على ماضيه وحاضره وبالتالي شمل جميع الأزمنة.

وأحيانا يستخدم لفظ الحزن غير مقترن بلفظ الخوف. مثال ذلك قوله تعالى: {الَّذي أَطعَمَهُم مِن جوعٍ وَآمَنَهُم مِن خَوفٍ}[قريش: ٤]. قال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره:- “المراد من الخوف، فهو الخوف الشديد الحاصل من أصحاب الفيل“.

والمراد بلفظ ‘الخشية’ في معجم المعاني- انفعال يمتزج فيه الخوفُ مع الإعجاب بالمخُوف، أو هي تألُّم القلب بسبب توقُّع مكروه في المستقبل، يكون تارة بكثرة الجناية من البعد، وتارة بمعرفة جلال الله عزّ وجلّ وهيبته.

ومن أمثلة الآية من الآيات التي يستخدم لفظ الخشية، {إِنَّ الَّذينَ هُم مِن خَشيَةِ رَبِّهِم مُشفِقونَ} [المؤمنون: ٥٧] قال الإمام الرازي في تفسيره، {إِنَّ الَّذينَ هُم مِن خَشيَةِ رَبِّهِم مُشفِقونَ} ” والإشفاق يتضمن الخشية مع زيادة رقة وضعف، فمنهم من قال: جمع بينهما للتأكيد، ومنهم من حمل الخشية على العذاب، والمعنى (الذين هم من عذاب ربهم مشفقون)، وهو قول الكلبي ومقاتل، ومنهم من حمل الإشفاق على أثره وهو الدوام في الطاعة، والمعنى الذين هم من خشية ربهم دائمون في طاعته، جادون في طلب مرضاته.

والتحقيق أن من بلغ في الخشية إلى حد الإشفاق وهو كمال الخشية، كان في نهاية الخوف من سخط الله عاجلاً، ومن عقابة آجلا، فكان في نهاية الاحتراز عن المعاصي”.

وبالمختصر، كلمة الخوف تستخدم عندما ينقبض القلب مخافة وقوع مكروه وتأتي مقرونة بالعذاب، أما الخشية تأتي مع استشعار العظمة بمعرفة من يخشاه وتأتي مقرونة بالطاعة.

ثناء بنت إسماعيل