كثيرة هي الدراسات التي كتبت عن المرأة في تاريخ الأندلس، إلا أن الدكتورة عائدة خالد، أصرت على اختيار هذا الموضوع لأطروحتها التي نالت عليها شهادة الدكتوراة .. مبررة هذا الاختيار بالقول: “إن أحدًا من الباحثين لم يتطرق إلى معالجة قضايا المرأة في الأندلس بشكل وافٍ، فقد تناول هؤلاء الباحثون الناحيتين الأدبية والحضارية، وحصروا اهتمامهم بالمرأة الشاعرة من دون معالجة مكانة المرأة في المجتمع الأندلسي ومعاناتها في حال انتمائها إلى الطبقات الدنيا ودورها في المنزل والأسرة، كما لم يبحث هؤلاء في دور الجواري وأثرهن في الحياة الاجتماعية والسياسية؛ لذلك تصديت لموضوع المرأة في الأندلس لكشف أسرار وملابسات الدور الذي كانت تقوم به “.

تقع الأطروحة في 400 صفحة قسمت إلى ثلاثة أبواب، الأول: تناول دور المرأة في المجتمع الأندلسي، والثاني: دور المرأة في الحياة الأدبية، والثالث: دور المرأة في الحياة السياسية والعلمية والفنية.

تقول الدكتورة عائدة خالد عن استنتاجاتها بعد مسيرة البحث في هذا الموضوع: تبين لي من خلال الدراسة أن المرأة كلما كانت قريبة العهد من زمان الفتح، كانت أقرب إلى عروبتها، وبالتالي إلى حشمتها، فتبتعد عن الإسفاف والفحش، وكلما بعدت عن ذلك العهد وانغمست في صلب الحياة الأندلسية، كانت أقرب إلى “التفلّت” من الآداب الإسلامية والإبداع العفيف، وكانت تقول بجرأة ما تريده شعرًا، وتتغزل بالرجل كما يتغزل بها، وتمدح وتفخر وتهجو وتساجل الرجل قصيدة بقصيدة، وقافية بقافية، جادة حينًا وهازلة أحيانًا أخرى”.

وفي دور المرأة في الحياة الأدبية، تقول الدكتورة عائدة في أطروحتها: “..في المجالس الأدبية التي كان يرتادها الرجال والنساء، كانت المرأة تبرز ملكتها الشعرية وتنميها بالمساجلات، وربما يتصور البعض أن تلك الملكات لم تولد قدرة على الإبداع إلى هذا الحد اللافت، إلا أن الصور التي تضمنها شعرها، تدل على أنها كانت تتمتع بالاستعداد والطبع والكفاية والقدرة والطموح ولا تتخلف عن الرجل في أي ميدان من ميادين العلم والأدب والثقافة”.

وتعترف صاحبة الدراسة بأن الآثار الأدبية المتعلقة بالمرأة والتي وصلت إلينا، قليلة ومتناثرة في بطون الكتب، والأصول التي أُلفت عن المرأة نفسها ما تزال مجهولة، وبالأخص الأصول الأدبية والتاريخية التي تدور حول الأديبات والشاعرات، وتردّ الأسباب إلى ندرة هذه الأصول وإهمال معرفة أماكنها في مكتبات العالم، والنظرة التقليدية الخاطئة لأدب المرأة على أنه ضعيف لا يوازي أدب الرجال.

في باب دور المرأة في المجتمع الأندلسي تقول المؤلفة:إن أوضاع المرأة تأرجحت قبل تلك المرحلة بين الانخفاض والارتفاع، لكنها ظلت منذ العصر الجاهلي وحتى العصر الأموي دون منزلة الرجل، رغم محاولات الشرع الإسلامي في تحسين حال المرأة العربية.

أما حال المرأة في الأندلس، فتتناوله الدراسة في سبعة فصول تحدثت عن العناصر البشرية التي يتكون منها المجتمع الأندلسي، والتي كانت تقسم المرأة من خلالها إلى مسلمة وغير مسلمة، حيث انحصرت صفة المسلمة في العرب والبربر والمسالمة والمولدين والصقالبة، وانحصرت غير المسلمة في المستعربين واليهود.

كما تتحدث الدراسة عن دور المرأة الحرة والأمة في الطبقات الأرستقراطية والوسطى والدنيا، فيما أسهبت في الحديث عن المرأة العاقلة التي كانت تشارك زوجها في تحمل أعباء الحياة المادية، كما تناولت الدراسة الجواري في الأندلس، وقالت: إن الجواري يقسمن إلى قسمين: جواري الخدمة، وجواري اللذة، وفصلت في السبل التي كانت جواري اللذة تستعملها للوصول إلى قلوب الرجال وعقولهم مهما بلغت منزلتهم الاجتماعية.

كما تناولت” الحرية” التي تمتعت بها المرأة، وخصوصًا “ولاّدة ونزهون اللتين كانتا أكثر النساء شهرة” ،وكذلك تناولت الدراسة زي المرأة وزينتها واقتدائها بطرائق زرياب لا سيما في الملابس وطرائق إعداد الولائم.

وتعرضت للأعياد الإسلامية والنصرانية وطرق الاحتفال بها، وكذلك ارتياد المرأة للحمامات، وعن المصاهرات بين الأندلس وإسبانيا النصرانية، ولا سيما زواج الخلفاء من فتيات أسبانيات ودور هؤلاء في نقل أفكار مسلمي الأندلس إلى نصارى الشمال.

وفي دور المرأة في الحياة السياسية والعلمية والفنية، تناولت الدراسة نظم الحكم في الأندلس وهي الولاية والإمارة والخلافة والمملكة وأخيرًا السلطنة، وتحدثت عن دور المرأة الجارية في الحياة الاجتماعية والسياسية وكيف أنها “تمكنت بفضل حنكتها ودهائها من الوصول إلى سادة الحكم عن طريق ولدها”. وأعطت مثلا” على ذلك: صبح البشكنسية زوجة الحاكم المستنصر، وتقول الباحثة: إن دور المرأة في الحياة العلمية والدينية في الفقه والحديث كان بارزًا”، كما في علوم الأدب والعروض والحساب .

الدراسة بحثت أيضًا” في دور المرأة في الحياة الفنية وتأثير زرياب في المجتمع الأندلسي والطرائق التي اتبعها هو وأولاده وجواريه، وتناولت تأثر الغناء الأندلسي بالألحان الشرقية، كما لم يغفل هذا الباب دور المرأة في الكتابة والخط والعمارة لا سيما عمارة المساجد وقيامها بالأعمال الاجتماعية والخيرية.

تقول صاحبة أطروحة ” المرأة في الأندلس ” في الختام: من الضروري جدًّا، البحث في دور المرأة في التاريخ العربي والإسلامي والاطلاع على مدى قدرتها على التحرك دون أن تقف التقاليد عائقًا أمام تطورها.