قبل التعرف على المعاملات المالية في الإسلام تجدر الإشارة بعدم اعتناء الفقهاء قديما بنظرية ترتيب الأبواب الفقهية وتقسيمها تقسيما عقلانيا ممنهجا، وإن وجدت محاولات من مؤلفي الحنفية على رأسهم محمد بن الحسن الشيباني في كتابه الجامع الصغير،  فقد حاولوا إيجاد مناسبات لهذا الترتيب فجاءت طبيعية ومعقولة أحياناً، ومتكلفة أحيانا أخرى. وقريبة المأخذ حينا، وبعيدته حينا آخر. ولعل هذا هو ما حدا بالبعض إلى اتهام الفقه الإسلامي بعدم مراعاة فكرة معينة في التقديم والتأخير بين أبواب الفقه الإسلامي…([1])

ويعتبر العلامة الفقيه محمد بن أحمد بن جزي الغرناطي المالكي في كتابه المعروف (قوانين الأحكام الشرعية). هو رائد نظرية التقسيم الاصطلاحي فقد قسم الفقه تقسيماً موضوعياً إلى قسمين: العبادات، والمعاملات.

وضمّن كل قسم: عشرة كتب، وكل كتاب :عشرة أبواب، فانحصر الفقه عنده في عشرين كتاباً، ومائتي باب.

يقول الدكتور عبد الوهاب سليمان ([2]): (بهذا التقسيم الواسع الذي أعطاه فسحة في التنظيم استطاع أن يبتكر كتباً جديدة وليست أبواباً في التقسيم مكنته أن يضم كل موضوع إلى ما يجانسه، ويضع تحت عنوان كل كتاب الأبواب التي تنسجم معه، وبهذا خلص من تكلف وضع بعض الأبواب تحت كتب لا تتلاءم معها إلا بشيء من التكلف).

كان ابن جزي رحمه الله تعالى واعياً لهذه المشكلة في كتب الفقه الإسلامي فمن ثم حاول تفاديها بقدر المستطاع ولذا علل مذهبه في التقسيم ومنحاه في التبويب قائلا:

“… وإنما حصرت الكتب والأبواب في هذا العدد لأنني ضممت كل شكل إلى شكله، وألحقت كل فرع إلى أصله، وربما جمعت في ترجمة واحدة ما يفرقه الناس في تراجم كثيرة، راعياً للمقاربة، والمشاكلة، ورغبة في الاختصار “([3]).

والمعاملات المالية في الإسلام نالها ما نال غيرها من الأبواب الفقهية من الخلاف في أقسامها، وما يندرج تحتها: فبعضهم يحصر الأقسام المندرجة تحتها في المعاوضات المالية وما يتصل بها: كالبيع، والسلم، والإجارة، والشركة، والرهن، والكفالة، والوكالة، ونحو ذلك.

وهذا هو ماجرى عليه مؤلفو المالكية، والشافعية، والحنابلة وكثير من المعاصرين([4]). غير أن متأخري المالكية قسموا الفقه إلى قسمين: الأول: العبادات، والملحق بها؛ والثاني: البيع، وتوابعه، ثم قسموا كل قسم إلى قسمين: فصار الفقه عندهم أربعة أقسام: الأول: ربع العبادات؛ والثاني: ربع النكاح، وتوابعه؛ والثالث: ربع البيع، وتوابعه؛ والرابع: ربع الإجارة، وتوابعها.

والرأي الثاني تقسيم الحنفية وهو: أن المعاملات تشمل كل ما كان راجعاً إلى مصلحة الإنسان مع غيره كانتقال الأملاك بعوض، أو بغير عوض، بالعقد على الرقاب، والمنافع، والأبضاع، فتشمل بهذا: المناكحات، والمخاصمات، والأمانات، والتركات.

قال ابن عابدين في حاشيته: المعاملات خمسة: المعاوضات المالية، والمناكحات، والمخاصمات، والأمانات، والتركات)([5]).

يقول الدكتور عبد الوهاب سليمان: (وتتضاعف المشكلة بالنسبة لترتيب أبواب الفقه الإسلامي، إذ لم تأخذ ترتيبا موحدا، فالأبواب المتقدمة في مذهب متأخرة ترتيبا في مذهب آخر، فمثلا قسم المعاملات متقدم على النكاح عند الشافعية والحنابلة، وباب النكاح متقدم على المعاملات عند الحنفية،بالإضافة إلى أن الأبواب والفصول التي تندرج تحت الأقسام تختلف في مذهب عن المذهب الآخر، فقسم المعاملات مثلا عند المذاهب الثلاثة المالكية والشافعية والحنابلة لا يعني إلا عقود البيوع وما شابهها، في حين أن هذا القسم عند الأحناف أعم وأوسع إذ يعني عندهم المعاوضات المالية والمناكحات والمخاصمات والأمانات والتركات )([6]).

ويمكننا إجمالا أن نقسم المعاملات المالية إلى أربعة أقسام :

قسم المعاوضات: وهي المعاملات التي يقصد بها العوض من الربح والكسب والتجارة وغير ذلك، وتشمل البيوع والإجارات وتوابعهما .

وقسم التبرعات: وهي المعاملات التي يقصد بها الإحسان والإرفاق، مثل الهبة والعطية والوقف والعتق والوصايا وغير ذلك .

وقسم الشركات: وهي المعاملات القائمة على أساس التشارك بين طرفين أو أكثر في الغنم والغرم، وتكون بالمال والعمل معا كشركة العنان ، أو بالعمل وحده كشركة الأبدان، أو بالمال من أحدهما والعمل من الثاني كالمضاربة، أو بدونهما كشركة الوجوه.

وقسم التوثيقات: كالرهن والحوالة والكفالة ونحوها من العقود التي يقصد بها الاستيثاق وضمان الحقوق.


([1]) ترتيب الموضوعات الفقهية ومناسباته في المذاهب الأربعة، للدكتور:عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان ،ص91.

([2]) ترتيب الموضوعات الفقهية ص93.

([3]) القوانين الفقهية لابن جزي ، ص23.

([4]) القاموس الفقهي لأبي جيب ص 263.

([5]) حاشية ابن عابدين،ج1 ص 79.

([6]) ترتيب الموضوعات الفقهية ومناسباته في المذاهب الأربعة ص8.